يبدو أن العملية التي وقعت في مدينة سروج التركية بالقرب من الحدود السورية، في 20 يوليو 2015، وأدت إلى مقتل 32 شخصًا، قد ساهمت في تغيير الحسابات الاستراتيجية في تركيا، وأحدثت تقاربًا بين واشنطنوأنقرة، وهو تقارب لا يبدو معه أن أولويات الطرفين قد تغيرت، ولكن آلياتهما لتحقيق هذه الأولويات قد تبدلت بشكل أتاح أرضية مشتركة للتعاون العسكري بينهما، وهو ما أفضى إلى دعم احتمالات وصول الطرفين إلى اتفاق على تأسيس منطقة آمنة شمال سوريا تكون نواة لحشد المعارضة المعتدلة، لا سيما بعد أن سمحت الحكومة التركية للطائرات الأمريكية باستخدام قاعدة "إنجرليك" التركية لقصف مواقع تنظيم "داعش"، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول جدوى توقيت هذا التنسيق، وما هي الدوافع الرئيسية وراءه، فضلا عن أهم التحديات التي تُعيق استمراره في المستقبل. بنود محتملة: حتى الآن لم يتم الإعلان عن ترتيبات رسمية إزاء تنفيذ هذا الاتفاق المحتمل، إلا أن هناك تقارير عديدة أشارت إلى مجموعة من البنود تم الاتفاق، وتتمثل في: 1- حدود المنطقة الآمنة: يبدو أن الطرفين توافقا على تأسيس منطقة تمتد على نحو 50 كم من الشريط الحدودي السوري مع تركيا من جرابلس الخاضعة لسيطرة تنظيم "داعش" الملاصقة للضفة الغربية لنهر الفرات باتجاه مدينة إعزاز الحدودية، على أن يمتد عمق المنطقة إلى حدود 68 ميلا داخل الأراضي السورية. 2- تقديم دعم لوجيستي: على غرار استخدام الطائرات الأمريكية قاعدة "إنجرليك" التركية القريبة من شمال سوريا، والتي تبعد حوالي 400 كم فقط عن الرقة، مع الاستفادة من قواعد تركية أخرى، حيث يُتيح الاتفاق المحتمل لطائرات التحالف الدولي استخدام القواعد العسكرية التركية الموجودة في مدن ملاطيا وديار بكر وبطمان في الحالات الطارئة. 3- التعاون ضد "داعش": من خلال إخراج عناصره من مناطق شاسعة تمتد بين مدينتي جرابلس والراعي في ريف حلب شمال سوريا، وحرمانه من آخر منافذه إلى العالم الخارجي (معبر جرابلس والراعي)، وذلك بعد خسارته السيطرة على معبر تل أبيض الحدودي لصالح القوات الكردية. 4- استقبال مزيد من اللاجئين في هذه المنطقة: إذ أن تركيا تستضيف نحو مليوني لاجئ منذ أكثر من أربع سنوات، وتواجه صعوبات عديدة في استقبال المزيد منهم، مما سيُمكِّنها من إقامة مدن ومخيمات في المناطق الآمنة لمساعدتهم، دون الحاجة إلى استقبالهم داخل الأراضي التركية. دوافع التنسيق: يُمكن القول إن كلا الطرفين قدم للآخر جملة من الامتيازات السياسية التي أفضت إلى التفاهم العسكري بينهما. فقد استطاعت واشنطن تحقيق هدفين رئيسيين: أولهما، تمكين الطائرات الأمريكية من استخدام القواعد التركية القريبة من مسرح العمليات في سوريا والعراق، مما سيُعطيها مرونةً تكتيكية أكبر في التحرك ضد تنظيم "داعش". وثانيهما، دمج تركيا في التحالف الدولي ضد الإرهاب من خلال تجفيف منابع تمويل "داعش" التي كانت تمر معظمها بالأراضي التركية، وانخراطها المباشر في العمليات الجوية ضد التنظيم. في المقابل، تمكنت أنقرة من تحقيق شرطين أساسيين للدخول في الحرب ضد "داعش": أولهما، تزايد احتمالات إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، مما سيوفر دعمًا أكبر للمعارضة السورية الموالية لتركيا. وثانيهما، إضعاف احتمالات إقامة دولة كردية منفصلة في المنطقة. عقبات مستقبلية: رغم ذلك، فإن ثمة عقبات عديدة تعترض إقامة المنطقة الآمنة في سوريا، يمكن إيضاحها كما يلي: 1- عقبات سياسية: ويتمثل أولها، في الخلاف بين أنقرةوواشنطن حول ما يُمكن أن يُسمى "فصائل معتدلة"، فقد اتفق الطرفان على إخراج "داعش" مقابل تقدم المعارضة السورية على الأرض، وحتى الآن لم يتم تحديد ما هي هذه القوى وما هي الفصائل المكونة لها. أما ثانيها، فينصرف إلى إعلان تركيا صراحة عدم استهدافها "داعش" فقط، بل مهاجمة الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا أيضًا، وهو ما تتحفظ عليه واشنطن، التي تضع في اعتبارها الدور البارز الذي قامت به القوات الكردية في سوريا في الحرب ضد "داعش". 2- عقبات ميدانية: ويكمن أولها، في تنوع التركيبة الديموغرافية للشريط الحدودي بين سورياوتركيا، فبينما تسيطر "وحدات حماية الشعب" الكردية على الجانب السوري من الحدود المشتركة مع تركيا بطول نحو 45 كم في منطقة عين العرب وحدها، يسيطر تنظيم "داعش" على مناطق جرابلس والباب ومنبج وأخترين في ريف حلب الشرقي، وعلى الجانب السوري من الحدود المشتركة مع تركيا بطول يبلغ نحو 75 كم. أما فصائل المعارضة السورية فتسيطر على منطقة أعزاز في ريف حلب الشمالي، وعلى نحو 35 كم من الجانب السوري من الحدود المشتركة مع تركيا، مما سيصعب من مهمة الشرطة المجتمعية التابعة للمعارضة السورية في إدارة المنطقة. في حين يتعلق ثانيها، بكيفية حماية هذه المنطقة من طائرات النظام السوري، فالهدف الأساسي من هذه الخطوة، بطبيعة الحال، هو تخفيف العبء على تركيا فيما يتعلق باستقبال النازحين السوريين إليها، في الوقت الذي لا توجد فيه ضمانات لحمايتهم من طائرات الأسد التي تشكل الخطر الأكبر في هذا السياق. وختامًا، يُمكن القول إن النقاش حول المنطقة الآمنة نقل واشنطنوأنقرة إلى موقع جديد في إطار التنسيق الأمني الذي يلتقي مع مصالح الطرفين، وعلى الرغم من التعقيدات التي تُحيط بالتوافق المحتمل بين واشنطنوأنقرة، إلا أن ذلك لا ينفي أن الأخيرة باتت تعتبره انتصارًا جزئيًا على نظام الأسد.