يُعبر واقع الإعلام اليمني، إلى حد كبير، عن تطورات الأزمة في اليمن، إذ يُعد انقسام المشهد الإعلامي اليمني بين قسم داعم لحركة التمرد الحوثية، وآخر مؤيد لشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، انعكاسًا لحالة الاستقطاب السياسي النشطة على الأرض، لا سيما بعد نجاح حركة الحوثيين في فرض سيطرتها على بعض المدن اليمنية، والاستيلاء على عدد من القنوات الفضائية والإذاعية والصحف المملوكة للدولة، بالإضافة إلى القنوات والصحف الخاصة التي يملكها موالون لهم، أو من حلفائهم من رجال النظام السابق. فعلى الرغم من تغيير نظام علي عبدالله صالح، وانتهاء عهد سيطرته على الإعلام اليمني العام والحزبي؛ فإن الإعلام اليمني لم يشهد أي تحسن على صعيد الحريات، وإن كان قد شهد انفتاحًا فيما يتعلق بعدد القنوات وأنماط الملكية، إذ سرعان ما سيطرت الصراعات على السلطة على المشهد السياسي، وتردي الوضع الأمني ليؤثر على استقرار البلاد، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الإعلام، غير أن سيطرة الحوثيين على بعض المناطق، وأغلب القنوات الفضائية العامة والخاصة؛ قد مثَّل منعطفًا مهمًّا على صعيد انتكاس حريات الإعلام اليمني، وتصاعد الانتهاكات الممارسة تجاهه. تراجع كمي: شهد الإعلام اليمني تحسنًا كميًّا عقب سقوط نظام علي عبدالله صالح، حيث ارتفع عدد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، فطبقًا لتقرير أعده "مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي" بصنعاء، ونشر على موقعه الإلكتروني في 28 يونيو 2015، فقد وصل عدد القنوات الفضائية إلى 16 قناة تبث من الداخل اليمني، و13 إذاعة، إضافة إلى انطلاق أكثر من 300 موقع إلكتروني. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا التحسن الكمي لم ينعكس على مستوى الحريات الإعلامية، كما أن تزايدها المضطرد منذ قيام الثورة في 2011 لم يستمر، لا سيما عقب التمرد الحوثي، واجتياح حركة "أنصار الله" للعاصمة اليمنيةصنعاء في سبتمبر 2014، وما تلاها من صراعات بين الحركة والقوات النظامية اليمنية، بما أسفر عن توقف 14 قناة لجأت معظمها إلى العمل من خارج اليمن، كما توقفت 10 إذاعات محلية عن العمل، وتم حجب أغلب المواقع الإلكترونية المستقلة والحزبية. وقد نجح الحوثيون في فرض سيطرتهم على معظم وسائل الإعلام في صنعاء، وعدد من المدن اليمنية التي تم اجتياحها، من خلال مهاجمة المقرات الإعلامية ومكاتب القنوات المحلية، والاستيلاء عليها، مثل قنوات "سبأ" و"عدن" و"الإيمان". بالإضافة إلى ممارستهم تضييقًا متعمدًا على العاملين في مجال الإعلام، ومُنع في هذا الإطار بعض العاملين من دخول مقرات عملهم، لا سيما في صحيفة "المصدر" التي قدمت اعتذارًا لقرائها عن مواصلة الإصدار في 29 مارس الماضي، فضلا عن نجاحهم في فرض سيطرتهم على مؤسسة الاتصالات اليمنية "يمن نت" المزود الرئيسي لخدمة الإنترنت لعموم اليمن، والتي من خلالها استطاع الحوثيون تعطيل عدد من المواقع الإلكترونية، مثل "صحافة نت" و"الإصلاح نت" و"الصحوة نت" و"المشهد اليمني" و"مأرب برس". علاوة على حجب مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية التمرد، لتصبح القنوات والصحف والإذاعات المسيطر عليها من قبل الحوثيين بمثابة منابر إعلامية لإذاعة خطب زعيم الحركة عبدالملك الحوثي، شبه اليومية، لا سيما عقب بدء عمليات "عاصفة الحزم" على مقرات الحركة ومراكز تواجدها في مختلف المدن اليمنية. كما لعب الإعلام الإقليمي الحليف للجماعة دورًا مهمًّا في تعويض وقف بث القنوات المسيطر عليها من قبل الحوثيين وتلك التابعة لهم من داخل اليمن على قمر "نايل سات". ومن أهم هذه القنوات الفضائية الإيرانية الناطقة بالعربية "العالم"، وقناة "المنار" التابعة لحزب الله اللبناني، وذلك في مقابل القنوات التي استطاعت الإفلات من قبضة الحوثيين مدعومة بقنوات عربية من الخارج مثل قناة "العربية" و"عدن لايف"، والتي تعبر عن صوت الحكومة الشرعية وأنصار الرئيس عبد ربه منصور هادي. تراجع الحريات: في تعبير عن حال المشهد الإعلامي ككل والمقروء بشكل خاص، وصف مروان دماج أمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين وضع الصحافة اليمنية بقوله: "الصحافة اليمنية تمر بأسوأ مرحلة في تاريخها، في ظل النهج المليشياوي للحوثيين، وتزايد الجرائم والانتهاكات المنظمة تجاه الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بشكل تصاعدي، وبصورة أكثر عدوانية، خلال الأشهر الثلاثة الفائتة"، وذلك خلال وقفه احتجاجية نظمتها نقابة الصحفيين اليمنيين في 9 يوليو 2015، على خلفية قتل واختفاء قسري لعدد من الصحفيين اليمنيين. ونظرًا للتضييق الشديد الذي يتعرض له الصحفيون اليمنيون ومراسلو القنوات العربية في الداخل اليمني، اضطر الصحفيون للنزوح إلى مناطق لا تخضع لسيطرة الحوثيين هربًا من حملات الاعتقال والتهديد بالقتل، وبصفة خاصة بعد "عاصفة الحزم"، والتي تعرض بعدها مراسلو قنوات "mbc" لمضايقات شديدة من قبل الحوثيين وأنصارهم، في حين تعرض مدير مكتبها في صنعاء للخطف من منزله في 23 أبريل الماضي. ولم تقتصر الانتهاكات الموجهة للإعلام والإعلاميين على الصحافة اليمنية فقط، حيث كشف مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في تقرير له نشره على موقعه الإلكتروني في 5 أغسطس 2015، عن تراجع واضح للحريات الإعلامية في اليمن بشكل عام، حتى فقد أكثر من 350 صحفيًّا وعاملا في مجال الإعلام عملهم، إما بسبب توقيفهم عن العمل، أو مصادرة الصحف، أو غلق المقار، ووقف البث التلفزيوني والإذاعي، موضحًا أن حالات انتهاك الحرية الإعلامية قد بلغت 87 حالة خلال الشهرين الماضيين (يونيو ويوليو 2015)، توزعت هذه الانتهاكات ما بين حالات الخطف والعنف والاعتقال والنهب لمقار المؤسسات الإعلامية. وكانت النسبة الأكبر من الانتهاكات في حالات الاعتداء والتهديد، حيث بلغت 40 حالة بنسبة 46%، تلتها حالات الاختطاف بإجمالي 36 حالة وبنسبة 41%، ثم حالات الاقتحام والنهب وبلغت 8 حالات وبنسبة 9%، ثم حالات الإصابات 3 حالات وبنسبة 3%، وذلك من إجمالي عدد الانتهاكات المسجلة خلال شهري يونيو ويوليو الماضيين. وكانت هذه الانتهاكات في أغلبها بفعل حركة الحوثيين والجماعات الموالية لها من أنصار الرئيس السابق بنسبة تقارب 93% من إجمالي الانتهاكات، في حين بلغت نسبة الانتهاكات التي قامت بها الجهات الحكومية في اليمن 3.5%، وتلك التي قام بها تنظيم "القاعدة" 3.5% أيضًا. فيما احتلت محافظة شبوة المرتبة الأولى بين المحافظاتاليمنية من حيث عدد الانتهاكات للحريات الإعلامية، بحسب التقرير. وأخيرًا، يبدو أن الإعلام اليمني سيظل أسيرًا للاستقطاب الذي يُعاني منه المجتمع في اليمن، وتؤكد المنظمات الدولية المختلفة المعنية بمراقبة حرية الإعلام والصحافة وجود انتهاكات ممنهجة تمارسها حركة "أنصار الله" الحوثية لحرية المجال الإعلامي وتهدد سلامة العاملين، من بينها منظمة "مراسلون بلا حدود" التي وجهت في بيان لها، في 11 مارس 2015، انتقادات حادة للحوثيين في اليمن، موضحة أن الجماعة تضطهد الصحفيين وممثلي وسائل الإعلام منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة من البلاد.