يواجه مستقبل اليمن صعوبات وعراقيل جمة على مختلف الأصعدة الأمنية والعسكرية والتنموية والخدمية والمعيشية، تعتبر ثاني تحديات اليمن بعدما قطعت شوطاً كبيراً نحو تحرير البلاد من ميليشيات جماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وإنهاء انقلابهم على شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، بفضل جهود المقاومة الشعبية والجيش الوطني، وبدعم وإسناد شامل من دول التحالف العربي. الوضع العام الراهن على صعيد المشهد اليمني، يعكس مستقبلاً ضبابياً طاغياً على سيناريوهات اليمن القادم، ويستخلص حقيقة تحمل في طياتها تأكيداً بما لا يدع مجالاً للشك، وهي استحالة نجاح الدولة اليمنية القائمة حالياً بمفردها في المضي قُدّماً نحو تحقيق المستقبل المنشود، من دون دعم ومساندة دول مجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي، نظراً لإمكانياتها المتواضعة جداً، والآثار السلبية المترتبة على ظروف الحرب التي عصفت بالبلد، وهو ما يجعلها غير مؤهلة لمواجهة وتجاوز تلك الصعوبات والعراقيل المتشعبة الناتجة عن تراكمات عقود من الزمن، وتركة ثقيلة من الاختلالات الكبيرة والمتعددة، خلّفتها الأنظمة السياسية المتعاقبة على عرش السلطة اليمنية. مواقف مشرّفة وجهت دول الخليج وفي مقدمتها دولة الإمارات والسعودية، من خلال دعمها المختلف والواسع لليمن واليمنيين، رسائل قوية وواضحة ومطمئنة للداخل اليمني والخارج الإقليمي والدولي أجمع، مفادها مواصلة وقوفها ودعمها الكامل والدائم إلى جانب الشرعية اليمنية ضد انقلاب الحوثي وصالح، وعدم تخليها عن اليمن حكومة وشعباً في محنتهم حتى نهوضهم بشكل قوي، وبناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة، القادرة على إدارة وتسيير أمور وشؤون البلد بحكمة واقتدار. وتعكس الأصداء الشعبية والرسمية اليمنية، مدى خلود ورفعة مكانة المواقف الخليجية المشرّفة، وحجم التقدير والثناء والترحيب الواسع بالدعم الخليجي الكبير في مختلف المجالات والجوانب، ومساهمة الخليجيين في تخفيف حدة معاناة اليمن جرّاء الحرب المدمرة للبلاد والعباد التي شنتها آلة الموت التابعة للميليشيات المتمردة، من دون مراعاتها الظروف السياسية والاقتصادية والأوضاع العامة الصعبة التي يعيشها البلد طيلة الأربع السنوات الماضية، والكوارث المزلزلة المترتبة على حربها الهادفة إلىتحقيق مكاسب وأطماع ضيقة، من خلال تنفيذ الأيادي الداخلية المتمثلة بميليشيا الحوثي وصالح، لمخططات خارجية تخدم أهداف المشروع التوسعي الإيراني، في عمق المنطقة العربية. مؤشرات إيجابية إعلان الرئاسة اليمنية، نجاح اتفاق الدولة والمقاومة الشعبية الجنوبية، بخصوص دمج المقاومة بالجيش الوطني، بعد اتخاذ المقاومة الجنوبية بإجماع كافة قياداتها قراراً بقبول دمجها بالجيش، من أجل بناء مؤسسة أمنية وعسكرية تحمي الشرعية والشعب، استجابة لقرار الرئيس عبدربه منصور هادي، وتشكيل لجان مشتركة لبناء المؤسسات الأمنية والعسكرية، يعطي مؤشرات إيجابية نحو مستقبل أفضل في المحافظات المحررة من ميليشيا الحوثي وصالح، كما أنه من شأن قرار الدمج المساهمة بشكل كبير في تذليل وتجاوز الصعوبات والعوائق التي تقف في طريق مستقبل اليمن، وطي صفحة الحرب وتداعياتها، وفتح صفحة البناء والتنمية الشاملة. وقطعت كل من الرئاسة والمقاومة شوطاً كبيراً نحو معالجة المعضلات العسكرية والأمنية، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح، خلال توافق الطرفين في لقاء دمج المقاومة بالجيش، حول دعوتهما إلى ضرورة إنهاء مظاهر انتشار السلاح، وتسليم الأسلحة للمؤسسة العسكرية وانخراط الجميع تحت رايتها، حيث دعا مدير مكتب رئاسة الجمهورية اليمنية الدكتور محمد مارم الجميع إلى مضاعفة جهودهم، للمساهمة في عودة الحياة إلى طبيعتها واستقرار الأمن، عبر الشروع في رفع النقاط المسلحة، وإعادة الأسلحة الثقيلة للمعسكرات، وترتيب عودة الموظفين والطلاب إلى مقار أعمالهم ومنشآتهم التعليمية. وتأكيداً على توافق الرئاسة والمقاومة حول المعالجات العسكرية والأمنية، قال علوي النوبة في كلمة المقاومة الشعبية الجنوبية، إن اتفاق دمج المقاومة بالجيش منح اللجان المشكلة بموجبه، صلاحيات إعادة ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية في المناطق المحررة بعد صدور التوجيهات الرئاسية، كما شدد على السير ببناء المؤسسات العسكرية والأمنية، بعيداً عن التفكير بالولاءات الشخصية والحزبية، والإبقاء على التكوينات غير المنظمة والتنظيمات الإرهابية، لترسيخ البنية المؤسسية على طريق النهج المدني الحديث، وإدراك مدى الصعوبات والعوائق التي تقف أمامهم بفعل تبعات الحرب، وانتشار السلاح والبيئة الخصبة لقوى الغدر والخيانة والتبعية والمتربصين الذين يحاولون زعزعة الأمن، وتعكير صفو تحالفهم وانتصارهم، لإحداث الشرخ في النسيج الاجتماعي. متغيرات قادمة يقول رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان محمد قاسم نعمان إن المواجهات لاتزال على أشدها مع الانقلابيين، إلا أن المؤشرات تنبئ بمتغيرات قادمة، ولكنها بالطبع ليس لصالح الانقلابيين، وأضاف: أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل شكلت خارطة طريق لبناء واقع جديد في اليمن، يستوعب بالرفض لكل تراكمات الماضي بآلامه وظلمه وقهره وفساده واحتكار الحكم والسيطرة على الثروة، أي أن مخرجات الحوار الوطني، كانت انتصاراً للتغيير الجذري في الحياة السياسية والعامة، وانتصاراً للديمقراطية أساساً للحكم والحياة عموماً، وكفالة احترام وحماية حقوق الإنسان. ولفت إلى أن الحرب القذرة التي شنها الحوثيون، إثر انقلابهم على مخرجات الحوار الوطني، وبالذات على الجنوب ومدينة عدن خاصة، ثم شمولها لمدينة تعز والحديدة وعلى كل البلاد، وتحالفاتهم مع النظام السابق المرفوض والمدان شعبياً، والمسؤول عن كل معاناة الشعب، وقتل وإنهاء الوحدة اليمنية، تستدعي بدون شك إجراء تعديلات ضرورية ومهمة في مخرجات الحوار، وبالذات في ما يتعلق بالتحالفات السياسية، والقضية الجنوبية، وترتيب الأوضاع السياسية القادمة وأطرافها.