الأرصاد تتوقع أمطاراً رعدية بالمناطق الساحلية والجبلية وطقساً حاراً بالمناطق الصحراوية    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    شركات الطيران العالمية تلغي رحلاتها إلى كيان العدو بعد تحذيرات اليمن    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    إصابة 15مواطنا جراء العدوان على صنعاء    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    فشل المنظومات الاعتراضية الأمريكية والإسرائيلية وهروب ثلاثة ملايين صهيوني إلى الملاجئ    ورطة إسرائيل.. "أرو" و"ثاد" فشلا في اعتراض صاروخ الحوثيين    تدمير المؤسسة العسكرية الجنوبية مفتاح عودة صنعاء لحكم الجنوب    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    قدسية نصوص الشريعة    في خطابه بالذكرى السنوية للصرخة وحول آخر التطورات.. قائد الثورة : البريطاني ورط نفسه ولينتظر العواقب    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    في ذكرى الصرخة في وجه المستكبرين: "الشعار سلاح وموقف"    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    العشاري: احراق محتويات مكتب المعهد العالي للتوجيه والارشاد بصنعاء توجه إلغائي عنصري    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    دوي انفجارات في صنعاء بالتزامن مع تحليق للطيران    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    صنعاء .. طوابير سيارات واسطوانات أما محطات الوقود وشركتا النفط والغاز توضحان    نصيحة لبن بريك سالم: لا تقترب من ملف الكهرباء ولا نصوص الدستور    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    وزير الدفاع الإسرائيلي: من يضربنا سنضربه سبعة أضعاف    «كاك بنك» يدشن خدمة التحصيل والسداد الإلكتروني للإيرادات الضريبية عبر تطبيق "كاك بنكي"    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    وفاة طفلتين غرقا بعد أن جرفتهما سيول الأمطار في صنعاء    الدكتور أحمد المغربي .. من غزة إلى بلجيكا.. طبيب تشكّل وعيه في الانتفاضة، يروي قصة الحرب والمنفى    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين ينتهي الكابوس ومتى يبدأ الحلم؟ : ليبيا ما بعد جماهيرية القذافي!
نشر في عدن الغد يوم 13 - 09 - 2012

مجلس وطني انتقالي بلا حول ولا قوة – حكومة ورقية – دول داخل «الدولة» – مهجرون بالآلاف – حدود مستباحة – جنوب متقاتل بعضه محتل من غرباء انتشار للسلاح والمجموعات المسلحة – آلاف يقبعون في السجون دول تحشر أنوفها في الشأن الليبي فيدراليون يهددون بحرب أهلية قبائل متشنجة كاظمة غيظها وأخرى تصول وتجول، وأخرى في اشتباكات مع بعضها بعضا وأخيرا بارقة أمل أنارت سماء ليبيا.. انتخابات لمجالس محلية وانتخاب المؤتمر الوطني العام بنجاح منقطع النظير. ولكن.. أين ينتهي الكابوس؟ ومتى يبدأ الحلم في التحول إلى واقع؟
بعد خمسة أسابيع، سيكون قد مضى على مقتل العقيد القذافي، عام كامل. عام كامل يسرح فيه الليبيون ويمرحون غير مصدقين ما حدث لأحلامهم من دون أوامر القذافي أو توجيهاته أو قراراته المزاجية. عشرة شهور من دون الرجل الذي عرفوه لأكثر من أربعة عقود.
نظرة شاملة على ما جرى ويجري في ليبيا، منذ أن اجتاحها «ربيع العرب». فهل استطاع الليبيون أن يضمدوا جراحهم، ويضعوا بلدهم على «السكة» التي كان خارجها أكثر من أربعة عقود متواصلة، أم أن هذه السكة غير قادرة على حمل بلد أهلكته الحرب، وقيده مسلحون معربدون، ويفتك به «تناطح قبلي»، يذكرنا بحكاية «الجمهورية الطرابلسية»، وما جرى قبلها وأثناءها وبعدها؟!
للخوض في هذا الموضوع كان لا بد من إشراك بعض المسؤولين الليبيين أنفسهم، ومواطنين ليبيين عاديين، لأنهم أدرى بشعاب ليبيا ومدنها ووديانها. كما كان من البديهي بل من الضروري استطلاع رأي بعض الكتاب والصحافيين العرب، في محاولة لتوضيح المشهد الليبي.
لقد دفع الليبيون ثمنا باهظا من أجل التخلص من نظام القذافي.. من نظام أحال ليبيا إلى قلعة عسكرية معزولة عن العالم تحولت سراديبها ودهاليزها إلى سجون وساحاتها إلى مواقع نصبت فيها علنا أعواد المشانق في بث تلفزيوني حي.
ليبيا الحرة الجديدة مازالت في طور الحبو ومازالت تتعلم – بصعوبة شديدة – أبجدية الحرية غير المألوفة لديها ومازالت في حاجة ماسة إلى مساعدة دول العالم الأخرى، لكي تتمكن من تعلم المشي والكلام في واقع محلي ودولي ظلت بعيدة عنه قسرا لعقود أربعة متواصلة.
كوابيس
المشهد السياسي الليبي الجديد لم تتضح تفاصيله بعد، إلا أن المؤشرات الأولية التي كشفت عنها انتخابات المؤتمر الوطني العام في 7 يوليو (تموز) الماضي، تؤكد أن الشعب الليبي الذي فاجأ العالم بانتفاضته وثورته وتضحياته وشجاعته مازال قادرا على مفاجأة دول العالم وشعوبه.
والحقيقة التي لا تقبل جدلا، هي أن ليبيا الجديدة مازالت رغم كل ما حققته، لم تتخلص بعد من كوابيس عديدة تقض مضجعها وقد تهدد مستقبلها كدولة واعدة قادرة على أن تلعب دورا ايجابيا في محيطها العربي والأفريقي، أهمها وأخطرها انتشار الميليشيات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة وأي دولة.. الواقع أنه ليست هناك دولة.
غياب القذافي مع أولاده عن الساحة، لا يعني أن الطريق نحو تحويل الحلم إلى واقع معيش قد صار ممكنا على الليبيين، فأنصاره مازالوا مسلحين بالسلاح والمال، كامنين في ليبيا وخارجها يتحينون الفرص للايقاع بالدولة الوليدة يشجعهم ويحفزهم في ذلك ما كشف عنه حال المجلس الوطني الانتقالي من ضعف وعدم دراية وافتقاد للخبرة السياسية، وما صارت إليه حكومة عبد الرحيم الكيب من عجز وشلل في تحويل قرارتها إلى واقع معيش.
المجلس الوطني الانتقالي الذي دفعت به الأحداث إلى خشبة المسرح الليبي، كان رداً سريعا وذكيا سياسيا وايجابيا أفرزه واقع الانتفاضة المفاجأة إذ تحول إلى كيان سياسي التف حول أنصار الثورة ومنحوه القوة والشرعية اللازمتين لوجوده، وصار لسان حال الثورة يتحدث ويفاوض باسمها ويقودها في طريق التحرير حتى تحررت البلاد، وسانده في ذلك مجلس تنفيذي (حكومة) ترأسها رجل محنك استطاعت في غضون أشهر قليلة أن تنجح في تكوين رأي عام دولي، قدم لها التأييد والدعم السياسي والعسكري.
العلاقة بين المجلس الوطني الانتقالي الذي يقوده المستشار مصطفى عبد الجليل والمكتب التنفيذي برئاسة الدكتور محمود جبريل اتسمت في البداية بالتكامل بين الكيان التشريعي والتنفيذي، ربما بسبب شدة حرارة الظروف السياسية والعسكرية آنذاك، ثم سرعان ما بدأت تتدهور حتى وصلت مرحلة التنافر، وانتهت بخروج جبريل وحل الحكومة وإحلال أخرى محلها. الأسباب عديدة وراء ذلك لكن أهمها هو أن المجلس الوطني الانتقالي كان في معظم الأحيان يتجاوز مهامه التشريعية بإصدار قرارات تعد من اختصاصات الحكومة. وقد يقال إن الأمور هذه كانت في بدايتها نتيجة فقدان رئيس المجلس الوطني الانتقالي للخبرة الإدارية والسياسية اللازمة، لكن في مرحلة متقدمة صار التجاوز مقصودا ومتعمدا، ويهدف إلى تقليص صلاحيات رئيس المجلس التنفيذي بالاعتداء عليها، وأيضا في محاولة لوقف ازدياد شعبيته. والحقيقة أن طيبة وتسامح رئيس المجلس الوطني الانتقالي وفقدانه للخبرة، فتحت الباب أمام العديد من الانتهازيين للتسلل إليه والتأثير فيه بحجج عديدة.
حكومة الدكتور عبد الرحيم الكيب، رغم حصولها على دعم رئيس وأعضاء المجلس الوطني الانتقالي ولدت ميتة، ذلك ان الكيب لم يكن معروفا على الساحة السياسية المناهضة لنظام القذافي ولم يعرف عنه اشتغاله بالسياسة، وكل ما عرف عنه أنه كان يعيش في المهجر منذ عقود طويلة، ويعمل أستاذا في احدى الجامعات الاميركية متخصصا في الهندسة الكهربائية، ثم تحول إلى العمل في شركات دول الخليج. باقي أعضاء الوزارة الكثيرو العدد هم من نفس الشاكلة، وسميت الحكومة بحكومة التكنوقراط، وبدأت في ممارسة أعمالها وكشفت منذ أيامها الأول في الحكم عن أنها مثل «الأطرش في زفة» واقع كان في أشد الحاجة لخبرة سياسيين محنكين على علاقة وثيقة بواقعهم وأناسه ونفسياتهم واشكالياتهم، وليس في حاجة لأصحاب لحي محفوفة بالمسطرة والفرجار ولحاملي شهادات دكتوراه في مختلف التخصصات، عاشوا بعيدا في المنافي وافتقدوا الخبرة بمعرفة الواقع الليبي أو التعامل مع مكوناته المختلفة.
كانت قرارات هذه الحكومة مجرد حبر على ورق، وظل المستشار عبد الجليل يمسك بين يديه زمام الأمور في أروقة الحكم، وفي الشارع ظل قادة الميليشيات المسلحة أصحاب الكلمة الأولى والأخيرة، وكان أفراد الشعب الليبي وأعضاء المجلس الانتقالي وأعضاء الحكومة على علم ودراية بذلك، ولم يكن بيد أحد منهم القدرة على تغيير الأمور.
المؤتمر الوطني العام الذي انتخب أعضاؤه شعبيا، قدّم فرصة تاريخية للشعب الليبي لتصحيح الأمور وللتخلص من المجلس الوطني الانتقالي وحكومته العرجاء.
هذه أولى الايجابيات التي عرفتها ليبيا عقب عام من قتل القذافي.
إشكالية المدينة – الدولة
يحق للبعض أن يسميها «دولة داخل دولة» لكن تعبير المدينة – الدولة ليس جديدا ويعود لأيام الإغريق حيث انتشرت المدن – الدول، أما في ليبيا فالحالة جديدة ومثيرة للاهتمام، وتتسم أيضا بالخطورة، وبدأت هذه الظاهرة عقب سقوط النظام ومقتل القذافي وأول ما ظهرت في مدينة مصراته، ثم سرعان ما انتقلت للزنتان وبنغازي وغيرها، خاصة بعد انتخاب المجالس المحلية بهذه المدن، التي صارت تتعامل وكأنها حكومة محلية مكتسبة للشرعية، لها كتائبها المسلحة وسجونها الخاصة ومخابراتها وعلاقتها بالحكومة المركزية في طرابلس لا تتجاوز الشكلانية، ذلك أن الحكومات المحلية التي تشكلت في المدن المذكورة لا تهتم بالحكومة المركزية ولا بقراراتها، ولا تريد منها سوى تزويدها بالأموال وعلى سبيل المثال فشلت الحكومة المركزية حتى الآن في اقناع مدينة مصراتة بتسليم المعتقلين المحتجزين في سجونها إلى السلطة المركزية، خاصة بعد التقارير العديدة التي نشرتها المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الانسان، كما فشلت الحكومة في اقناع مدينة الزنتان بتسليم نجل القذافي سيف المسجون لديها رغم أن الحكومة المركزية بنت سجنا خاصا له في طرابلس، وزودته بكافة أنواع التسهيلات، ووفرت له الحماية القوية.
قبائل ومشردون
هناك مناطق في الجنوب الليبي مثل غات، زوية، أم الأرانب، مرزق، القطرون، الكفرة، وبسة، بها كثير من الأغراب. وبحكم انحلال الدولة الليبية، فإن هؤلاء الأقوام وجدوا فرصتهم للقدوم والعيش في ليبيا، نظرا لتوفر الرزق.
ففي سبها كانت حصيلة الاقتتال التي جرى بين قبائل التبو وأولاد سليمان في أبريل (نيسان) الماضي أكثر من147 قتيلاً، فيما كان عدد الجرحى يقترب من 400 شخص.
وتحدث بين الفينة والأخرى معارك في الكفرة بين قبيلة زوية والتبو الموجودين هناك، وتستخدم في هذه الاشتباكات أسلحة ثقيلة ومدافع الهاون والآر بي جي. لكن هذا الصراع بين هذه القبائل ليس جديدا، فقد كانت هناك توترات ومعارك حتى قبل انتفاضة 17 فبراير، إلا أن فتيلها تصاعد بعد سقوط النظام. وفي فبراير الماضي سقط أكثر من 100 قتيل في اقتتال دار بين القبائل المذكورة.
كما أن هناك توترات مستمرة بين قبائل الزنتان والمشاشية. ففي يونيو (حزيران) الماضي سقط من كلا الجانبين105 اشخاص وجرح 500 شخص آخر في مواجهات دامية. وهناك نزاعات بين زوارة ورقدالين.
هناك ايضا اشكالية المشردين من سكان مدينة تاورغاء شرق مصراته، حيث قامت الميليشيات المصراتيه بطرد سكان تاورغاء عن مدينتهم ورفضت السماح لهم بالعودة مما اضطر المجلس الانتقالي والحكومة الانتقالية إلى توزيع سكان المدينة الذين يتجاوزون ال40 ألف نسمة في مناطق عديدة في شرق البلاد وغربها، بعد أن جهزت لهم مخيمات مؤقتة، كما أم هناك أكثر من 2000 شخص من هؤلاء سُكنوا في الأكاديمية البحرية العسكرية في طرابلس، ورفضت مصراته توسلات رئيس المجلس الانتقالي وتوسلات الحكومة والمنظمات الأهلية والدولية بعودة هؤلاء المهجّرين إلى بلدتهم كنتيجة للجرائم التي ارتكبوها في حق مصراته وأهلها، وكذلك فعلت قبائل الزنتان مع قبائل المشاشية، إذ رفضوا رجوعهم إلى ديارهم لأنهم وقفوا مع القذافي.
هذه الاشكالية تعد واحدة من أكبر النتائج السلبية لثورة 17 فبراير بعد عام من مقتل القذافي.
حدود مستباحة
لم تعرف حدود ليبيا مع جيرانها استباحة أكثر مما عرفته خلال السنة الأخيرة، حيث صارت الحدود مرتعا خصبا مفتوحا أمام المجرمين والمهربين سواء للسلع أو للسلاح أو للمخدرات من مختلف الدول المجاورة، وكذلك أمام المنظمات الارهابية التي استغلت الوضع وصارت تتجاسر بالدخول للاراضي الليبية من أجل الحصول على السلاح وتهريبه، من أجل تحقيق أجندتها الخاصة بها وهي كثيرة، وقد أثار الأمر قلق الدول المجاورة التي بدأت تشهد تصاعدا لانتشار تهريب المخدرات والاسلحة إليها من ليبيا، وما حدث في شمال مالي من أحداث أدت إلى وصول مجموعات دينية متطرفة إلى السيطرة على جزء كبير من أراضي مالي، مما شكل تهديدا خطيرا لأمن واستقرار الدول المجاورة وخاصة الجزائر.
والحقيقة أن حكومة الكيب في طرابلس ابدت بوضوح عجزا في التعامل مع هذه القضية الخطيرة، رغم استغاثات الدول المجاورة والمجتمع الدولي، لأنها عاجزة عن السيطرة حتى على العاصمة طرابلس، لعدم تمكنها من بناء جيش وطني، أو لعدم رغبتها في بناء جيش وطني، كما يقول البعض.
الفشل في حماية الحدود دفع البعض من أركان ورجالات النظام السابق، إلى القيام بعمليات تهريب ضخمة للاموال الليبية، الأمر الذي دفع بحسن زقلام وزير المالية، إلى التنبيه إلى خطورة الوضع، حيث قال إن أموال ليبيا تهرّب عبر الحدود بشكل يومي وبكميات كبيرة.
وهذه ثاني أخطر السلبيات التي تعاني منها ليبيا بعد عام من موت القذافي.
التدخلات الخارجية
أخطر هذ التدخلات الخارجية كانت عربية حيث ومنذ البداية لثورة 17 فبراير، تم تقديم دعم سياسي وعسكري ومالي، وساهم “هذا الدعم العربي السخي” بشكل كبير في القضاء على القذافي ونظامه، إلا أنه تبين بعد القضاء على القذافي أن هذا الدعم لم يكن لأجل عيون الليبيين، بل لتحقيق أجندة محددة داخل ليبيا، أهمها أن هذا “المحسن العربي” كان يريد ان يكون لاعبا مهما وفعالا في الساحة السياسية الليبية، وتمكن من استقطاب بعض قادة الجماعات الاسلامية في ليبيا إليها، وامدهم بالأموال والأسلحة والدعم السياسي، في محاولة لتمكينهم من الامساك بزمام الأمور في ليبيا، عبر حصد نتائج انتخابات المؤتمر الوطني العام، إلا ان هذه السياسة أتت بنتائج عكسية، إذ انتبه الناخب الليبي لهذا الدور وحرم الأحزاب الدينية المدعومة من الخارج من صوته الانتخابي، لأنه أحس بما يعد له من أجندة سياسية ذات تأثير مباشر على حياته اليومية وعلى سيادة بلاده.
لذلك يمكن لنا القول إن ما تحقق في الانتخابات وما كشف عنه الناخب الليبي من وعي وادراك، يعد ايجابية تحسب للمواطن الليبي ولمستقبله.
انتشار السلاح
نجاح الانتفاضة في التخلص من نظام القذافي، لم يقف حاجزا دون انتشار الملايين من قطع السلاح بمختلف أنواعه في كل مدينة وقرية، ممثلا في انتشار المجموعات المسلحة، وخاصة في مدينة طرابلس العاصمة، حيث تحولت أغلب هذه المجموعات إلى عصابات مسلحة لا هم لها إلا إرهاب الناس وتخويفهم وابتزازهم، والحصول على الأموال دون رادع.
ويقال إن تنظيم كل ثوار ليبيا، قدم في بداية اسقاط نظام القذافي مقترحا بجمع السلاح من الاهالي، سمي باسم (شراء أمننا) يقوم على دفع مبالغ مالية من جانب الحكومة لكل من يقوم بتسليم قطعة سلاح، إلا أن الحكومة والمجلس الانتقالي رفضا المقترح دون تقديم الاسباب.
وهذه ثالث أكبر السلبيات ومن أشدها خطرا على ليبيا، وعلى اي حكومة مستقبلية أن تتعامل مع هذه المسألة في غاية الجدية، عبر العمل على تشكيل جيش وطني قوي وأجهزة أمنية قوية مؤهلة، يمكنها التعامل مع هذه المجموعات وارغامها على تسليم سلاحها.
الفيدراليون
الفيدرالية ليست غريبة على ليبيا، لأن النظام الملكي الذي قام عقب اعلان الاستقلال كان فيدراليا، واستمر كذلك من ديسمبر (كانون الأول) عام 1951 وحتى أبريل (نيسان) عام 1963، إلا أن قادة الفيدرالية الجدد الذين ظهروا على ساحة الأحداث في ليبيا عقب الانتفاضة، وخاصة بعد مقتل القذافي، كانوا إلى حد ما مدفوعين بدوافع شخصية انانية، لعدم تمكنهم من الحصول على مناصب في الدولة الجديدة وتهميشهم، وقد حاول هؤلاء القادة خلق نوع من البلبلة السياسية في اذهان المواطنين العاديين، وخاصة من سكان برقة بإيهامهم أن الفيدرلية هي الحل الأمثل للتخلص من النظام المركزي، الذي عرفه الشعب الليبي خلال مرحلة القذافي، وسبب التهميش لكل مناطق ليبيا وخاصة في الشرق والجنوب، وقد حاول قادة هذا الفصيل الالتجاء إلى استخدام القوة، مطالبين بمنح إقليم برقة عددا مساويا لطرابلس في مقاعد المجلس الوطني الانتقالي المائتين، إلا أن طلبه جوبه بالرفض من قبل المجلس الوطني الانتقالي، على اعتبار أن المقاعد الممنوحة لإقليم طرابلس كانت مماثلة للكثافة السكانية بالإقليم، وحاول بعض قادة الفيدراليين العمل على افشال الانتخابات التي تمت مؤخرا، ونجحوا في مهاجمة بعض مراكز الاقتراع في بنغازي، إلا أنهم فشلوا في تحقيق مآربهم، وخرج البرقاويون يوم الانتخابات وأدلوا بأصواتهم بشكل غير عادي، فيما يشبه الرد على الفيدراليين وأجندتهم.
المرأة الليبية
حرصت المرأة الليبية على المشاركة في انتخابات المؤتمر الوطني العام، وكانت طوابير النسوة في مراكز الاقتراع المختلفة، دليلا على تطور وعي المرأة الليبية وحرصها على المشاركة في العملية السياسية الجديدة، بل وشاركت فيها بترشيح نفسها في عدد من الدوائر، إذ بلغ عدد المشاركات 500 مرشحة. وفي هذا السياق من المهم لنا الاشارة إلى ان انتخابات المجلس المحلي في مدينة بنغازي، التي تمت قبل وقت قصير من انتخابات المؤتمر الوطني العام، شهدت ظاهرة لافتة للنظر إذ حازت الدكتورة نجاة الكيخيا أكبر عدد من اصوات الناخبين في تلك الانتخابات، الأمر الذي يشير إلى تطور وعي الناخب الليبي، إلا أن هذا النجاح لم يقابله نجاح مماثل للمترشحات في انتخابات المجلس الوطني العام، لكن مع ذلك يمكننا القول وبثقة، إن المرأة الليبية لعبت دورا حاسما في نجاح تحالف القوى الوطنية في الفوز بنصيب الأسد من مقاعد المؤتمر الوطني العام. ويرى محللون أن مبعث ذلك هو خوف المرأة من فقدان ما نالته من حقوق وما حققته من مكاسب طوال السنوات الماضية، في حالة وصول الاسلاميين إلى السلطة. والحقيقة أن الاسلاميين فشلوا في حملاتهم الانتخابية في تطمين المرأة الليبية، والتأكيد على استمرارها في التمتع بحقوقها، كما أن الكثير من الافعال التي قام بها أعضاء في هذه الجماعات ضد المرأة خلال مرحلة اسقاط النظام في الكثير من المدن، سبب هلعا وخوفا للمرأة الليبية من وصول هذه الجماعات للسلطة، بما تمثله من أجندة مضادة لحقوق المرأة الليبية ومكتسباتها.
كيف يقرأ بعض المسؤولين المشهد الليبي بعد حوالي سنة من تغييب القذافي؟
محمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء:الجراح عميقة.. لكن الشعب الليبي خرج من عنق الزجاجة
محمد صوان
الحقيقة أن ما حدث بعد القذافي لا يمكن أن يتكلم الإنسان فيه بما يكفيه. الحدث كبير على كل المستويات. ليبيا كانت في حال وأصبحت الآن في حال آخر. نحن الآن بعد حوالي سنة من انتهاء نظام القذافي، بدأت العملية السياسية، وبدأت تتشكل الأحزاب، وبدأت تظهر الخارطة السياسية في ليبيا، ونتطلع الآن إلى تشكيل حكومة، ووجود أول مجلس وطني منتخب شرعي نعول عليه كثيرا في إحداث الاستقرا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.