في أحد شوارع بغداد الرئيسية تلوح بناية فخمة من عدة طبقات وعلى واجهتها كتب بحروف ذهبية: مصرف....كذا..الاسلامي..لكن يقول صاحب الدكان المحاذي لذلك المصرف المحاط بالحراسات، انه لم ير يوما لا بائعا ولا مشتريا يدخل ذلك المصرف وان هم الا بضعة نفر من الحراس وبضعة موظفين فضلا عن موكب بسيارات سوداء يدلف المكان فيمكثون فيه حينا ثم يخرجون. مثل هذا المصرف وغيره كثير تلاحقه اتهامات تبييض الاموال في سلوك اقتصادي متسيب وفوضوي سكتت عليه الحكومة السابقة وتركت المليارات تطير بجناحين الى دول الجوار ودول اخرى بزعم انها اموال تجار لاغراض الاستيراد فيما تكشف وقائع كثيرة اليوم ان كثيرا من اصول تلك المستندات التي كانت تقدم الى البنك المركزي على انها مستندات استيراد واجبة السداد بالعملة الصعبة لم تكن الا مستندات مزورة لا اصل لها والحقيقة هي مضاربة بالدولار وتبييض للعملة. ظلت الدولة العميقة تنعم بهذا المال السائب المتدفق بلا انتهاء وغطت نفسها قانونيا بشركات صرافة وبنوك وهمية وما الى ذلك وبذلك امتلكت الشرعية ان تنزل بثقلها الى ساحة الاقتصاد العراقي فتندفع فيه مثل اندفاع الثيران في متحف للخزف وكانت الحصيلة هي ما يراه ويلمسه ويعيشه العراقيون من ازمات طاحنة واموال هائلة اهدرت لو بقيت في شكل مدخرات لكفت البلاد اشد واعتى الازمات التي يمكن ان تمر بها.. يطل على الشاشات برلماني عراقي معروف جيدا للرأي العام وقد حمل معه ملفات محشوة بالمعلومات والارقام عن ذلك الخراب الاقتصادي والمضاربة بالدولار وتبييض الاموال ويشير بشكل مباشر الى مصارف وشركات صرافة كانت لها اليد الطولى في تدفق مليارات الدولارات الى الخارج بشكل غير قانوني وهي شهادة من هو في قلب الدولة العميقة ويدرك جيدا مداخلها ومخارجها ومن اين تبدأ واين تنتهي. هذه شهادة من مئات الشهادات حتى قيل ان وكيل وزارة المالية المختطف منذ شهرين يملك ملفات فساد من هذا النوع وملفات استحواذ اركان الدولة العميقة على عقارات الدولة وعمليات استحواذ على شركات ومصالح حتى صار الاقتراب منها وتسليط الضوء على خباياها من الامور المحرمة التي تجعل الدولة العميقة تذود عن نفسها بشتى الطرق ولربما كان من بينها ترهيب الاخرين من خلال اختطاف مسؤول رفيع لتوجيه رسالة تحذير الى الجميع من مغبة الاقتراب من النواة الصلبة للدولة العميقة. في هذا الوقت، لم تغادر كثير من رموز الطبقة السياسية المنتفعين طبيعتهم الخاصة في تعاطيهم الدائم مع كل من يصرخ مطالبا بفضح الفساد والفاسدين ومن يطالب بحقه كمواطن باتهامه فورا على انه متآمر ومدفوع من الخارج ويشكل خطرا على العملية السياسية وعلى هذا المسار ظلت تلك الطبقة السياسية الحاكمة في العراق وهي تشعر بعدم الاطمئنان من كل شاردة وواردة قد تفضح سارقا او مارقا وبما في ذلك حالة الذعر التي تنتاب اركان الطبقة السياسية من اركان الدولة العميقة من عتاة السراق من التظاهرات ومن دعوات الاصلاح والحساب. العراق في شكله ومضمونه الذي ظهر عليه منذ العام 2003 ممهورا ببصمة اميركية قائمة على الفرقة والتمزق والتناحر والطائفية والاقتتال الذي لا ينتهي والفتن التي لا تنطفئ نيرانها هو الذي يريده المنتفعون من هذا الخراب، فالشعب الغارق في احزان الفقدان، فقدان الاحباء والاهل والابناء في الحروب والصراعات التي لا تنتهي لا يجد متسعا للفحص والتفتيش في شأن ما اقترفته ثلة من الطبقة السياسية في حقه، هذا اذا استطاع اصلا ان يصل الى اية نتيجة من البحث والتقصي. اشكالية الخراب هذه قدمت طبقة سياسية تقود وتمثل الدولة العميقة تجد في الخراب والانحطاط الاوكسجين الذي تتنفسه، قاصات البنك المركزي، اموال الشعب مباحة لسنوات طوال لتبييض العملة والثراء الفاحش والصاروخي لاركان الدولة العميقة والمناصب توزّع مزقا واسلابا على اتباع لا يمتون الى الكفاءة والنزاهة بصلة بقدر الانغلاق على ثلة حزبية وفئوية ومافيوية تنتفع من ريع المال العام مما تيسر من عقود وهمية ونثريات واموال سائبة من هنا وهناك. هو شبه نزاع من اجل البقاء وحالة من الهلع التي تضرب اطرافا شتى من المستفيدين واباطرة البرهة الزمنية السائبة التي اتاحت لثلة من السراق ان يتسابقوا ويهتبلوا الفرصة للاجهاز على ما تطاله ايديهم من اموال عامة ولهذا تبدو قصة الاصلاحات التي ينوي رئيس الحكومة اجراءها ضربا من المغامرة الخطيرة التي لا تُحمد عقباها لأن الدولة العميقة لا يمكن ان تتخلى عن مكاسبها وكل ما راكمته من ثروات وهي تعد ذلك من ممتلكاتها الخاصة التي لا يجوز ولا يمكن ولا يسمح الاقتراب منها ومن يقترب من ذاك القاع فلربما لن يخرج منه. اشكالية معقدة ومركبة فمن جهة هنالك ضغط شعبي عارم ليس من المتوقع ان يتوقف وهنالك ارادة كبيرة نحو الاصلاح والتغيير ولجم السراق والانتهازيين وتخلص كيان الدولة مما ابتلي به من "ديناصورات" هي عبء على الحياة والمجتمع وخزينة الدولة فضلا عن ذلكم الترهل المخيف الذي جعل جهاز الدولة خاملا عاجزا تتناهبه الارادات المتقاطعة وتتحكم به عن بعد مراكز القرار في الدولة العميقة التي تكافح بلاهوادة من اجل الحفاظ على مكاسبها ما اوتيت الى ذلك من سبيل.