العولمة هذه الظاهرة الكونية الجديدة هي وجه القرن الراهن لكن ما أقبح هذا الوجه، وما أشد تجهمه ورعبه، وإذا كان المعنى البسيط للعولمة هو العالم في متناول اليد كما عبر قبل ربع قرن المفكر الألماني هيدجر، بمعنى أن الكرة الأرضية كمجال حيوي وحيد لحياة الإنسان سوف تكون فضاءً مفتوحاً لجميع السكان القاطنين عليها، أي أنه بفعل ثورة الاتصالات وانتقال الصوت والصورة عبر موجات الأثير سيكون العالم مجال رؤية ومكان مكشوف للجميع، وهنا تتحطم كل الحواجز والحدود التي كانت في الماضي القريب تفصل بين القارات والشعوب والدول، اذ يمكن للناس أن يتبادلون التحية من طرف الأرض إلى طرفها مع إشراقة كل صباح، بل أنهم يستطيعون أن يتخاصمون ويتقاتلون ببساطة في أي وقت تماماً كما يحدث في القرية الصغيرة في أقصى الريف. وإذا كنا نحن العرب آخر من يعلم –كما هو الحال دائماً- آخر من يعلم بحكاية العولمة وقصة صعودها في بلاد الشمال، فإنه لابد لنا أن لا نندهش حينما نرى ما يجري حولنا من متغيرات وأحداث وظواهر جديدة وعاصفة يصعب علينا تفسيرها وملاحقتها، لكن ما يهمنا اليوم هو أن ندرك ماذا نحن فاعلون، ونحن نغوص في بركة آسنة وسط ملعب القرية الكونية وسوقها الشهير "الشرق الأوسط" هل بمقدور من يتمرغ بالوحل أن يرى اللاعبين فوق سفوح الجبال؟ لا يمكن له ذلك أبداً إلا في حالة واحدة وهي الخروج من ذلك الربق والتعود على السير فوق اليابسة تحت أشعة الشمس الحارقة، لكن هل ما نزال نمتلك خيار مثل هذا اليوم؟ لا أعرف بالتأكيد. فكل ما أعرفه أننا لم نفكر حتى الآن في إمكانية الخروج مما نحن فيه من بؤس وكل ما يجري اليوم في زقاقنا العربي المسمم بالعنف والبؤس والخوف والجريمة لا يحمل معه أي بشرى لتفتق بوادر هذا الوعي، فالجميع كجيوش النمل المجنونة التي تدور حول نفسها وتجري في كل اتجاه وتصطدم ببعضها بعد أن فقدت مسكنها الآمن أو باغتها التهديد فيه. لقد صعقتنا العولمة بضربات مباغتة من العنف الموجه إلى بيتنا الآمن، فلم نعد نعيش في جحور آمنة سرية لا تسمح للضوء بالنفاذ إلى سراديبها، دول وشعوب منعزلة، رعويات مغلقة لا أحد يعلم ماذا يدور بداخلها، غير أن هذا الانكشاف للآخر هو أشبه بالفضيحة، لأنه جاء بمثابة اقتحام لحرمات ديارنا الآمنة دون الطرق على الباب، بل لقد خلع الباب ذاتة وانهدت السقوف فوق ساكنيها وافتضح أمر عرينا أمام الجيران من البيوت الأخرى وهذا هو ما جعلنا في وضع القابلين للفضيحة والمستعدين لدفع أي شيء مقابل الستر المؤقت، لكن لا يوجد هناك من يهمه أمر عرينا وسترنا غير أنفسنا، في هذه الحالة ينبغي علينا نحن الشعوب العربية والإسلامية أن نتحد في كتلة بشرية متراصة لكي نسترعوراتنا بأجساد بعضنا بعضاً، أما ذلك التمزق والتشرذم الحادث الآن كنتيجة للماضي، فسوف يعجل من سرعة انحدارنا إلى المستوى البيولوجي للحياة، حتى يصبح العري حالة مألوفة لنا وحكاماتنا التي تترنح اليوم بين قوى الهيمنة العالمية لم تجد حرجاً من السير في وسط المدينة العالمية المعولمة كالنعام ولكن بدون ريش أو ذيل يغطي الجسد، إن وضع حكومتنا العربية الآن هو أشبه بحال الفاقدين لعقولهم، أي أن وضعنا غير عقلاني وعبثي، وهذا معناه عدم إدراك المخاطر التي تهدد الجميع بلا استثناء، لم يشهد التاريخ حالة مفارقة كهذا ابدا، كل قوى الهيمنة العالمية اليوم جاءت تجرب اخر منتجاتها من الاسلحة المتطورة في بلاد العرب العاربة والمستعربة الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين واسرائيل جميعها تضرب فينا وتدمر مقومات حياتنا منذ عقدين ونحن وحكامنا لازالوا في غيهم سادرون وسلام الله على الاستعمار القديم !