قالت له العصافير: "يا ولدي، أنت لا تعرِف مشاكل الغذاء، كُن طيراً و طِر إلى مركز الإغاثة، لقد نفد الغذاء يا وضاح، و إياك أن تعود بحفاظات الأطفال". -" لكننا يا أُمي على الأرض بلا أجنحة ولا سلاح، ولا إمام المصلين يرى في الإحسان إلينا عبادة". و في مدينةٍ منكوبة في السِلم والحرب، تُقاوم التسوُّل كمقاومتها للجوع، ولا تعرف المساعدات الإغاثية إلا هذه المرة...، أمام مركزٍ إغاثي، تَدافَعَ الكُبار و بينهم الطفل وضاح، مُحدِثين ضجة، وجميعهم من أُسَرٍ متعففة..، لكنّها الحرب؛ أو هكذا تذكَّر وضاح كلام أمه التي أمرته باختراق الزحام يتشمم -إن كانت روائح صابون، إرجَع حالاً؛ لأننا لسنَا ضحايا حمَّامٍ يا وضاح-. بسهولةٍ وصلَ وضاح إلى ناصِية الطابور، اذ كان يوما ليس ككل الأيام، طابورٌ طويل يبتسم للكاميرات. -انتهى التصوير و انصرَفَ القادة و البطون الاعتبارية، و هُم أيضاً، لديهم موعدٌ يستمطِرون فيه مخصصات البترول ويتبادلون فيه كشوفات المرتّبات المالية، مَن في الطابور، هاجُوا و ماجوا.. تدافَعوا و عبَسوا.. بَدَت ملامحهم اللينة قبل قليل أكثر شراسة... -"اسمي مسجّل، و أعيل أسرة كبيرة، يااا أستاذ.. هذه المرة أشتي حقي اشتي حقي..."-. -"أنت يا حمار لا تدفعني.. إياك أن تشتمني مرةً ثانية"-. -هتف أحدهم: "لا للوساطة، لا للعنصرية والمناطقية..، و هو في الحقيقة من غير المستهدفين المستحقين... وضاح سأل نفسه: "ما هي المناطقية والعنصرية!!" ظنّ أنها نوع من أنواع الصابون والحفّاظات... صاح بهم المدير وهو يتصبب عرقاً: "قفو بانتظام و كل واحد سيستلم حصته، و إلا أقفلنا الباب. وضاح الذي يكره المدرسة ومفرداتها، تغيَّر وجهه من كلمة (حصته)، لكن الجميع سكتوا منصتين لأصوات السِلال الغذائية، و حين فُتِح غطاء إحداها وسقطت علبة(شُربة)، قاوموا رائحة التوابل الشهية، شعروا بجوعٍ أكثر حين مرت أول السلال أمام أنوفهم، تسلم الكثير حصصهم، ركضوا بخفّة، بعضهم لم يقاوم جوعه- فراحَ يأكل في الطريق، ثمة شعير معلّب وفول وشُربة وزيت طبخ الطعام وو، قبل منتصف المسافة إلى البيت، سقط وضاح يلملم حبات الأرز وقد اختلطت بالتراب وحبوب المعلبات، كان بكاؤه مبكياً لمن رءاه.....، نصحه أحدهم بأن يعود ليأخذ حصة أخرى، و في طريق العودة استوقفه رجلٌ وجَد في الحرب موهبته في التهكّم والتحريض، قال لوضاح: "ألم يقولوا لكم ابتسموا...، دعو الفرحة تعلوا وجوهكم وكاميرات الصحافة تمسح على رؤوسكم...". -أجابه وضاح: نعم. - يكفي أن أمك ستراك في التلفزيون.. واصل وضاح طريقه إلى الطابور.. وصرخ المدير في وجهه.. أنت...!! ألم تأخذ حصتك قبل قليل؟! - أخرِجوه من الطابور، إنه يريد أن يتعدّى على حق غيره...-. دفعته الأيادي إلى الوراء وسقط على الأرض وهو يبكي: "أنا جاااااائع يا نااااس..." كانت دموعه مادة المصوِّر الأكثر إثارة...، لكن، ارتفع الأذان و أغلق المدير المركز.. و حتى الآن ما زال وضاح يعتقد أنّ الوقت هو الآخر يتآمر على الضعفاء.