عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم في التقويم الهجري ويسمى عند المسلمين بيوم عاشوراء ويصادف اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في معركة كربلاء لذلك يعتبره الشيعة يوم عزاء وحزن. كما وقعت العديد من الأحداث التاريخية الأخرى في نفس اليوم, وقد اختلف المسلمون حول صيام ذلك اليوم. ويعتبر يوم عاشوراء عطلة رسمية في بعض الدول مثل إيران، باكستان، لبنان، البحرين، الهندوالعراق. وفي يوم عاشورا التي هلّت علينا ذكراه هذا العام تعرض الشهيد الحسين بن علي لخذلان الآلاف من أهل العراق الذين طلبوا منه الحضور إلى الكوفة لمبايعته, كونهم يروا أحقيته بالخلافة وقدرته على إزالة الظلم وتحقيق العدالة , وعندما كان في طريقة من مكة إلى الكوفة ما لبثت قوات الخليفة الأموي يزيد ابن معاوية إلا إن تقابله في كربلاء وتحاصره وتمنع عنه الماء , وكان والي الكوفة عبيد الله بن زياد هو من أمر بإعداد حملة عسكرية لإرغام الحسين علي مبايعة يزيد , في حين إن من قتل الحسين هو عمر بن ذي الجوشن بعد إن رفض المبايعة أو الاستسلام. ويشاع إن القتل الشنيع لأبن فاطمة الزهراء لم يكن بأمر من الخليفة يزيد ولكن كان بمثابة تصرف من قبل عبيد الله بن زياد, وربما تكون هذه الرواية قريبة من الصحة بسبب تباعد المسافات وعدم توفر وسائل المواصلات والاتصالات حينها التي نستخدمها اليوم ولكننا في هذه المقالة ليس بصدد الدخول في جدل التاريخ الذي هو من اختصاص المؤرخون بل إن تركيزنا ينصب على ذكر بعض الأحداث التاريخية التي تعرضت فيها قيادات سياسية وعسكرية لخذلان شعوبها, لغرض استلهام الدروس والعبر منها لا غير. . لقد فتحت عملية استشهاد الحسين وقبلها مقتل الخليفة عثمان بن عفان أبواب جهنم على الدولة الإسلامية التي لازلنا نعاني من آثارها حتى هذه اللحظة , من انقسامات طائفية بين الشيعة والسنة تصل إلى حد الحروب المستمرة , والدليل هو ما نشاهده اليوم من إحياء كبير لهذه المناسبة الأليمة في بعض من دول العالم كتعبير عن الحزن والنواح واللطم والندم بسبب خذلان الحسين وعدم الوقوف إلى جانبه في مأساته من قبل أهل العراق الذين بايعوه لاسيما من قبل أسلاف الشيعة , وما علينا اليوم إلا استلهام الحقائق من هذا الحدث التاريخي وتوظيفها توظيفا حقيقيا يستفاد منه في إطار مسيرتنا الثورية الجنوبية. إن الخذلان هي صفة حاضرة ومتأصلة في العرب والمسلمين وقد تكررت قبل وبعد مقتل الحسين, فقد خٌذل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قبل نجله الحسين من قبل أهل العراق , ونستدل على ذلك من خطبته الشهيرة التي نشير إلى بعض المقتطفات منها , والتي ألقاها عندما زحفت خيول الخليفة معاوية إلى الانبار من عاصمة الخلافة الأموية في دمشق , حين قال مخاطبا أصحابه " يا أشباه الرجال ولا رجال ويا أحلام أطفال ويا عقول ربات الحجال , .....إن أمرتكم إليهم بالصيف قلتم حر أمهلنا حتى ينسلخ هذا الحر وان أمرتكم في الشتاء قلتم قر أمهلنا حتى ينسلخ هذا القر , فوالله لا حر ولا قر ولكن أنتما من السيف افر ,,.... لقد ملأتم قلبي قيحا , فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ...... لقد جعلتم قريش تقول إن علي ابن أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحرب فمن ذا لها اشد فراسة مني , لقد بدأتها وانأ ابن عشرين وها إنا ذا نيفت على الستين ولا زال سيفي في يدي ...... ويختم قوله في الأخير..." فلا رأي لمن لا يٌطاع "". وكان بعض أهل المدينة وفي مقدمتهم عبد الله بن عمر بن الخطاب قد نصحوا الحسين بعدم التوجه إلى كربلا خوفا عليه من الخذلان وذكروه بخذلان والده علي من قبل أولئك الناس في عدد من المعارك, إلا انه أصر على الذهاب إلى الكوفة مقتنعا بالنضال ضد الظلم ومقدما نفسه شهيدا في سبيل الله . لم يقتصر الخذلان في التاريخ الإسلامي على الإمام علي ونجله الحسين فحسب بل شمل العديد من القادة منهم الصحابي عبد الله بن الزبير الذي اختلف مع الخليفة يزيد ابن معاوية ومحمد النفس الزكية الذي اختلف مع الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور, ولازالت لعنة الخذلان والغدر تطاردنا إلى اليوم . و إذا ما حاولنا إسقاط التاريخ على ما حدث من غدر وخذلان سياسي في تاريخ اليمن الحديث شمالا وجنوبا , فسنجد خُذلان احمد الثلايا من قبل الشعب في شمال اليمن حين قال قبل دقائق من إعدامه من قبل عسكر الإمام "لعنة الله على شعب أردت له الحياة وأراد لي الموت" , وكذا الغدر الذي تعرضا له الرئيسين الحمدي وسالم ربيع علي من قبل النّخب فضلا عن اكبر خذلان تعرض له الرئيس علي سالم البيض من قبل الشماليين والجنوبيين على حد سواء , إذ قال في حرب 1994وبعد إن شاهد أفراد الجيش الجنوبي يتركون أسلحتهم ويهربون بالآلاف إلى عٌمان " لقد خذلوني رجالي إن أكثرهم خونه ". إذ كان البعض من العسكريين الجنوبيين يهرّبون السلاح إلى منازلهم والبعض الآخر فروا هاربين يجروا أذيال الهزيمة يتركون دباباتهم ومدافعهم وهي معمرة بالذخيرة وطائراتهم تحلق في السماء في حين يحتفظوا بالأسلحة الشخصية الخفيفة كالأوالي والمسدسات , وعندما سؤل بعضهم عن سبب ذلك أجابوا إن الذين بايتضرروا هم البيض وهيثم قاسم فقط أما نحن فليس مستهدفين لأننا لا نبحث عن سلطة , فتعجبت من ذلك الرد !!!. إن الغُبن والخذلان الذي تعرض له البيض يعد أكثر مما تعرض له الحمدي وسالمين أو أي رئيس جنوبي آخر لكون الأخيرين استشهدا نتيجة تعرضهما لغدر من النّخب فقط في غفلة من الزمن دون دراية الشعب الذي تعاطي مع الحدث واعتبره كأمر واقع بعد ذلك , لكن البيض تعرض إلى اشد صنوف القهر والخذلان منذ عام 93 حتى 2015م, فهو الذي تنازل عن منصبة وعن عاصمته وشد الرحال إلى صنعاء هو ورفاقه وأرواحهم تسبق خطاهم تيمنا منهم بالهجرة النبوية الشريفة وكان من الواجب على شركائهم في الوحدة إن يستقبلوهم بحفاوة كما استقبل الأنصار اخوانهم المهاجرين إلا أنهم وللأسف باشروهم بالقتل والتنكيل ووصل بهم الأمر إلى وضع كاميرات التجسس داخل منزل البيض نفسه الذي أصبح غريب ومستهدف في عاصمة الوحدة لا يجد الأمان إلا عندما يكون بجانب الرئيس صالح. ولو عمل البيض الذي عمله في الوحدة مع شعب آخر ودولة أخرى غير عربية لاحترموه وقدروه وعملوا له تمثال في عاصمة الدولة كما عملوا للزعيم الامريكي الجنوبي أو للزعيم سلفادور الندي في تشيلي . إن الأزمة السياسية التي نشبت بين شريكي الوحدة لم تكن في يوم بل امتدت لثلاث سنوات وكُشفت أوراقها وتفاصيلها للشعبين في الشمال والجنوب, ومع ذلك كان البعض من قطاعات الشعب يقفوا مع البيض في قلوبهم ومشاعرهم فقط في حين كانت سيوفهم مع علي عبد الله صالح . وبعد إن مرت الأيام والسنين وجدنا أولئك العسكر الجنوبيين الذين خذلوا البيض في 94 في مظاهرات الحراك رافعين صوره متضررين من احتلال الجنوب أكثر منه واعترفوا بأنهم لم يخذلوا البيض فحسب بل خذلوا الجنوب وخذلوا أنفسهم , ولو كان الجيش الجنوبي في 94 صمد شهرا واحدا إضافيا أو ربع الصمود الذي قام به شباب المقاومة الجنوبية في 2015م لتحقق استقلال الجنوب في حينه. لقد واجه الرئيس البيض مشاكل وصعوبات جمة , فعلى المستوى الدولي أغلقت جميع الدول العربية ودول الخليج أبوابها في وجهه باستثناء عمان الذي استقبلته بشروط قاسية منعته من ممارسة أي عمل سياسي ومنعت عليه حتى الزيارات إلا بإذن من السفارة اليمنية , وعندما غادر عمان إلى أوربا في 2009 تم سحب عليه الجنسية والجواز التي تمكنه من التنقل بحرية بين دول العالم واستعاض عنهما بوثيقة سفر مقيدة تتطلب التنسيق المسبق مع الأجهزة الأمنية للدولة المستقبلة له , وعندما عاد من أوربا إلى بيروت شُنت عليه حملة إعلامية قذرة بأنه شيعي وعميل مع إيران , وعندما طُلب منه تأييد أنصار الله (الحوثيون) رفض وقال إنا عندي قضية إعادة وطني الجنوب المسلوب من قبل الشمال فكيف ادعم الحوثي !!, ولذا كان الرد قاسيا بسلب منه قناة عدن لايف , ومن ثم عاد إلى أوربا مرة أخرى وهو مٌثقل بجراح جديدة أزادته ألم وحسرة , حتى تم استدعائه من قبل السعودية بعد تأييده عاصفة الحزم ثم عاد إلى عمان يتنقل من دولة إلى أخرى بحثا عن حل لقضية شعبه رغم ظروفه الصحية وكبر سنه . وعلى مستوى القيادات الجنوبية القديمة المتواجدة في الخارج ,فقد طالب جميعهم بخروج البيض عن الصمت في عام 2009وتحمل مسؤولياته لتحريك قضية الجنوب باعتباره الرئيس الشرعي للجنوب وما ورد على لسان الرئيس حيدر العطاس مطالبته الرئيسان البيض وصالح بالذهاب إلى الجامعة العربية لإعلان فك الارتباط بين الدولتين في قناة الحرة وما ورد على لسان الأخ محمد علي احمد في صحيفة الوسط اليمنية بقوله اللي شبكنا يخلصنا خير دليل على ذلك ولكن بعد خروجه لمزاولة العمل السياسي قلبوا له ظهر المجن , وبدلا من إن يساعدوه على تنفيذ مهامه تكتلوا ضده وخذلوه ليس بتقديم المشاريع الجانبية المنتقصة فحسب بل وبمطالبة البعض منهم محاكمته. وبالتي يمكن القول بأنه لا يوجد أي رئيس عربي وربما على مستوى العالم كله في العصر الحديث غٌبن وقٌهر كما غٌبن وقٌهر هذا الرئيس الذي لم يكن ظالما ولا معتديا ولا مشعل حرب بل كان صاحب مشروع حداثي تنازل عن منصبة وعاصمته وأرضه من اجل هدف سامي في نظره ونظر الكثير من الناس كالوحدة والديمقراطية وبناء الدولة الكبيرة العادلة , ومع ذلك حدد موقفه وأعلن قرار فك الارتباط في 21/5/1994 بعد إن شعر بالتآمر على الجنوب وضل متمسكا به في حين تراجعت عنه كل القيادات الجنوبية التي لازال البعض منها يخدم الاحتلال إلى حد هذا الوقت . وبالرغم من كل كذلك وللأسف الشديد لا زال يُخذل البيض من اغلب النخب السياسية الجنوبية إلى حد هذه اللحظة رغم ثباته على موقفه مع شعبه في الحرب والسلم .