صحيح اننا نعيش اليوم في ظل واقع مزري وظروف صعبة وكثير من شبابنا قد تقطع بهم السبل فاصبحوا يشكون ضيق وكدر الحياة وتدهور حالتهم وواقعهم الذي يعيشونه ومع ذلك فهم يتساءلون عن سبب نجاح البعض منهم فيما فشل البعض الاخر مستسلما للاقدار رغم مستوى قدراتهم ومؤهلاتهم التعليمية والسبب في ذلك بسيط وهو ليس في عدم توفير امكانات فرص العمل ، ولكن السبب يكمن في الاحباط وتكون طبقة مظلمه من حاجز الخوف النفسي والسجن المجتمعي الذي اغلق كل شئ في وجوههم ودفن طموحاتهم الشبابية. ان الفشل الذريع المخيم على رؤوس الشباب اليوم قد يتحول الى ثقافة مجتمعيه تتجسد في سلوك دائم يهدد مستقبل الاجيال القادمه وهو نتاج طبيعي للقصور في جوانب التربية الاسرية والسلوك الخاطئ الذي شكل عندهم عامل الخوف وزرع الفشل بداخلهم منذو الصغر واصبح يسيطر عليهم ويطوق مناحي حياتهم وسوف ينعكس سلبا على مستقبلهم.. ان تنشئة اجيال شبابية عديمة المسؤولية يعتريها الخوف وعدم تمرسها على مواجهة عقبات الحياة قد مر بمراحل مختلفة في مجتمعاتنا فالبداية اتت من كنف الوالدين منذ كان طفلا، ثم من المدرس في المدرسة، ومن الناس حوله، ثم من المجتمع عندما يصبح رجلا.. فالكل يريد منه ان يكون تحت عصا الطاعة وان يتصرف حسب أوامرهم ونواهيهم، وان يؤمن بما يعتقدون ، ويسلم بما يفكرون، وألا يعصي امرا ولا يخالف رأيا والويل لمن يحيد عن هذا السلوك والنهج المجتمعي فيصبح عاصيا وعاقا بالنسبة لوالديه ومشاغبا ومشاكسا بالنسبة لمديره ومدرسه وصعلوكا وصايعا بالنسبة لمجتمعه. وعندما يخرج هذا الشاب من مجتمعه وتطئ قدماه ارض المهجر "القريب او البعيد" فانه سرعا مايشعر بالخروج من هذا السجن المظلم فينفس الصعداء واذا حالفه الحظ وتمتع بحق الاقامة في خارج هذا الوطن المشؤوم شعر بالمسؤولية لأول مرة وعرف انه لا يوجد اب او اخ ليصرف عليه اذا احتاج او ينفق عليه اذا ذهب للدراسة او غيره او غيره من تلك الامور وهو مايطلق عليه بلغة الريفيه ب"الكشن"، فيسعى ذلك الشاب للحصول على اي عمل يتاح له، بصرف النظر عن مؤهلاته، فيقبل عملا في مطعم لتنظيف الصحون وهو عمل زاوله جميع الاوروبيين اثناء دراستهم المتوسطة والعليا، أو يقبل عمل كناس في الشوارع من دون خوف من ان يعيره الاهل والناس لقبوله مثل هذا العمل، ويشعر انه يستطيع ان يلبس ما يشاء، وان يقول ما يشاء، ويعتقد بما يشاء اذا احترم حرية الآخرين. فهو يعرف ان الشرطي لن يتعرض له الا اذا ارتكب جرما ويشعر بأنه يتصرف حرا وان النجاح هو في اتقان عمله وليس بالواسطة، وان اي وظيفة او اي عمل يطمح اليه مفتوح أمامه اذا اثبت انه قادر عليه ومؤهل له. وسرعان ما تفتح له ابواب النجاح في العمل وفي خدمة مجتمعه والبلاد التي يعيش فيها . نعرف شبابا عاديين ذهبوا خارج البلاد (حيث شبوا على حياة بائسة غير انسانية) وفي اقل من سنتين غيرو مسار حياتهم مائة وتسعين درجة فتعلموا عدد من اللغات وعملوا في المطاعم وفي السياحة وفي والمكاتب وعدد من المجالات، ووصلوا في هذه الفترة القصيرة الى تولي مهام في متاجر وشركات، وقد لاحظت عليهم سرعة غيرهم من شباب خائف خجول متردد يشعر بالعجز والفشل الى شباب قوي الشخصية مقدام يشعر بالمسؤولية والقدرة على العمل والاتقان، وقد حققوا كل ذلك بقوة ملاحظتهم لما يجري حولهم من تلك المجتمعات المنفتحه، وتكافئ الفرص. ان المجتمع المنغلق على نفسه، المبني على اساطير الماضي واشباح المستقبل، تربى فيه الناس منذ الطفولة على الخوف فشبوا عليه. التقدم ليس بالتعليم من اجل الوظيفة وتلقين الطفل الولاء ولكن بالتربية الحقيقية المبنية على مساعدة الطفل على حرية التفكير والاختيار والقرار، ليشب مواطنا لا يخضع لظالم ولا ينساق وراء أهواء طاغية، يعرف ما يريد ويتمسك بحقه بابداء رأيه والمشاركة في اتخاذ القرار واحترام الرأي الآخر ومناقشته .