مع عصر كل يوم يحمل محمد منير وهو طفل في ال 13 من عمره كرة قدم صغيرة برفقة عدد من اصدقائه وينتشرون في محيط ساحة الشهداء وسط المنصورة ليباشرون لعب كرة القدم لساعات قبل ان يحل الظلام ويغادروا في طريقهم إلى منازلهم . وصباح كل يوم وفي فناء المدرسة التي يدرس بها "منير" ينشغل هو واصدقائه بحديث طويل عن مباراة الامس على أرضية ساحة الشهداء بعدن وتصدر قهقهات طفولية عن الهدف المتميز الذي احرزه "سامي أنور" وهو صديقهم المجيد للعبة كرة القدم . بعد سنوات من الأحداث العاصفة التي شهدتها ساحة الشهداء بعدن تبدو الساحة اليوم بعيدة عن كل مايحدث في عدن .. لا احد يزورها ولايلتفت لشأنها . عرفت ساحة الشهداء قبل سنوات طويلة من اليوم باعتبارها احد ابرز محطات الاجرة في المدينة .. كانت الساحة تزدحم بالآلاف من الناس يوميا مابين أشخاص مغادرين في رحلات إلى خارج عدن وآخرين بداخل المدينة . وفي العام 2011 شهدت الساحة تحولا كبيرا حيث كانت موقع لاندلاع احتجاجات شبابية مناهضة لنظام الرئيس اليمني السابق "علي صالح" . وواجهت قوات الأمن حركة الاحتجاجات هذه بحالة من القمع الشديدة وتدخلت قوات أمنية واطلقت الرصاص الحي والغاز المسيل . وبعد 3 أيام من الاحتجاجات بدت هذه الساحة خالية من أي نشاط لحافلات الركاب أو غيرها لتتحول لاحقا إلى موقع تظاهرات متواصلة . احتضنت الساحة في العام 2011 تظاهرات شارك فيها الآلاف من الأشخاص واغلق لاحقا الطريق الرئيسي المار وسط المنصورة . لسنوات طويلة لاحقا باتت الساحة مسرحا لمواجهات عنيفة بين قوات الشرطة اليمنية ومحتجين جنوبيين . واحتضنت الساحة لاحقا فعاليات ضخمة للحراك الجنوبي شارك فيها ابرز قياداته وبين شهر واخر كانت القوات الحكومية تقتحم الساحة وتقوم بتحطيم محتوياتها . ورغم صغر مساحة الساحة إلا أنها تحولت إلى مايشبه حلبة الصراع التي تصارعت فيها كل القوى والتيارات السياسية بعدن . ومع حلول العام 2013 سيطرت قوات أمنية يمنية على الساحة ودمرت مظلة انتظار للحافلات وانهت بذلك أي نشاط للحراك الجنوبي. وقبيل اندلاع الحرب الأخيرة في اليمن انسحبت قوات الجيش التي ظلت فيها مرابطة لاكثر من عام ونصف لتحل محلها عناصر من اللجان الشعبية . ومع نهاية مارس من العام 2015 اندلعت الحرب في عدن عقب غزو قوات موالية للحوثيين وصالح وباتت الساحة خالية من أي شيء . انتهت الحرب في اليمن وانصرفت جميع الأطراف صوب تحالفات سياسية مختلفة وبات قطاع واسع وكبير من قوى الحراك الجنوبي جزء من الحكومة . نسى كثيرون هذه الساحة وانصرفت القيادات إلى شئونها الخاصة وبشكل أو بأخر خرجت غالبية القيادات السياسية والعسكرية والامنية التي تصارعت على هذه الساحة طويلا وبقت هذه الساحة وحيدة . وحده "محمد منير" ورفاقه يبدو أنهم المستفيد الوحيد من الوضع الذي آلت إليه هذه الساحة اليوم .. مع حلول عصر كل يوم يحمل "منير" كرته الصغير ويتقاذفونها هناك وهناك .. ويطلقون في السماء العنان لضحكاتهم البريئة .