يظن البعض أن ما يحدث الآن في بعض الدول العربية هو من تداعيات ماصطلح على تسميته ( الربيع العربي ) والتي كانت انطلاقته في العام 2011م , ولكن يبدو لي أن هذه الأحداث الدامية ابعد من ذلك بكثير , ولعل الأقرب هي بداية التسعينات من القرن العشرين مع ظهور مايسمى ( النظام العالمي الجديد ) ذو القطب الواحد , بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق ونهاية الحرب الباردة واختفاء النظام العالمي القديم متعدد الأقطاب , لترتفع شعارات المبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والمساواة , ليتضح بعد ذلك إنها ليست سوى شعارات براقة رنانة زائفة . ودشن النظام العالمي الجديد مرحلته بقيادة القطب الواحد ( الولاياتالمتحدةالأمريكية ) بضرب العراق في عام 1991م واستمرار حصاره , وتعاد الضربة في 2003م وتدميره واحتلاله , وإبادة جماعية لشعبة وتشريده ,وكان مترافقاً مع بروز مفهوم ( الفوضى الخلاقة ) التي أطلقته وزيرة الخارجية الأمريكية حينها ( كوندليزا رايس ) , ليدخل العراق في دوامة الصراعات الدموية ويخيم عليه شبح الانقسامات التي قد تؤدي لتقسيمه إلى دويلات .
وإذا ماعدنا إلى بداية التسعينات فقد ترافق مع هذا ( النظام العالمي الجديد ) عودة وتلميع مفهوم ( الشرق الأوسط الجديد ) ويسمى أيضا ( مشروع الشرق أوسطية ) , والمفترض به أن يشغل المساحة الجغرافية من المحيط غرباً إلى أفغانستان وباكستان شرقاً , وبذلك يراد تجاوز المساحة التي تشغلها الدول العربية من المحيط إلى الخليج , وإلغاء التسميات التي تطلق عليها , والمقصد الحقيقي لمشروع الشرق الأوسط الجديد التأكيد على وجود دول آخرئ غير عربية ضمن المنطقة وبالتالي اعتبار دولة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) ضمن دول المنطقة وتكريس وجودها وفرضها وضرورة الاعتراف بها والتعامل معها .
والأحداث الحالية بارزه واضحة في بعض الدول العربية مثل العراق , سوريا , اليمن وليبيا , وكامنة خفيه في دول أخرى سوف يحين دورها لاحقاً إذا استدعى الأمر ذلك ,, ولعل المشاركة المباشرة لروسيا في الحرب بسوريا هي محاولة لاستعادة مكانتها ودفاعاً عن مصالحها وكونها الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي السابق وفرض نفسها كلاعب أساسي وترسل رسائل أنها رقم صعب تجاوزه .
أن مايحدث الآن هو استمرار استخدام الوطن العربي كساحة تجارب على قدرة النظام العالمي الجديد ذو القطب الواحد على فرض إرادته ومفاهيمه وترتيباته ومصالح المستفيدين منه .
وما هذه الأحداث إلا سلسله من الإجراءات والترتيبات لتشكيل المنطقة وفق خارطة جديدة تتوافق مع مايريده النظام العالمي الجديد والمستفيدين منه , وليس بالضرورة أن تنطبق هذه الخارطة بالسرعة التي قد يظنها البعض بل ستكون حيز التنفيذ بعد مخاض عسير وطويل قد يستمر سنوات وعقود من الزمن .