من يتعمق في متابعة الأحداث بالمنطقة العربية سيجدها إمتداداً لتاريخها القديم والحديث، كل فصولها مليئة بدراما تراجيدية مؤلمة وحزينة، عادة ماتدفع ثمنها شعوب المنطقة البائسة التي لا تملك قرارها بنفسها بقدرما تكون مسيرة وليست مخيرة، ويقودها بعض الحكام الديكتاتوريين المغامرين، يمارسون أبشع أنواع الظلم والاستبداد ضد شعوبهم، مما يولد الحقد والكراهية والتآمر في جسد تلك المجتمعات، ودخولها في حروب داخلية، وخضوع قياداتها وملوكها للابتزاز السياسي والتدخل الخارجي، إلى درجة أن يتحول بعض الحكام العرب إلى أدوات لتنفذ مشاريع وأجندات خارجية على حساب شعوبهم وأوطانهم، التي كانت ومازالت تعاني من ويلات أنظمتها المتجبرة والفاسدة وتدفع الثمن باهضاً نتيجة للتدخلات الأجنبية السافرة في شؤون المنطقة! اليوم التاريخ يعيد نفسه من جديد في المنطقة العربية التي عاشت منذ الأزل صراعات داخلية وتآمرات خارجية لإسقاط الخلافة الإسلامية وتمزيق وحدة الأمة، وقد كانت المنطقة العربية ساحة للصراعات المفتوحة والحروب الداخلية، استطاع من خلالها الصليبيون والصهاينة إسقاط المشاريع العربية والإسلامية الكبيرة، وظلت وحدة الأمة بعيدة المنال مجرد شعارات في الهواء يستهلكون بها عواطف الناس والشعوب العربية، التي دخلت في معمعت الخلافات والصراع على السلطة، عبر الانقلابات العسكرية داخل الأنظمة الحاكمة من أجل الوصول إلى سدة الحكم، والشعوب هي من تدفع ثمن هذه الحروب التي أوصلت مجتمعاتنا إلى أدنى المستويات الثقافية والعلمية والتخلف الاجتماعي، الذي مازال يلاحقنا منذ ذلك التاريخ القديم!
لقد استطاع العرب والمسلمون الوصول إلى أوربا وفتح الأندلس في ذلك الزمان الأسطوري البعيد، وهم لا يملكون سوى العتاد العسكري البدائي; الخيل والرمح والسيف، وقد كانت قوتهم تكمن بوحدة الأمة والهدف والقيادة الحكيمة لتحقيق كل هذه الانتصارات، وبسبب المكايدات والتآمر والدس والفتن ضعفت الأمة وسقطت الخلافة الإسلامية، وأستطاع الأربيون والغرب عموماً النهوض بشعوبهم وبلدانهم من عصور الظلام والتخلف إلى النور والتقدم العلمي والتكنولوجي وغزو الفضاء، ونحن العرب والمسلمون مازلنا نعيش بقاياء تلك العصور البائدة، نتيجة للتخلف والجهل والصراعات الداخلية والاعتماد على الأخرين، بل أن العرب أصبحوا أدوات تتحرك من الخارج، ولم تستطع الوقوف على قدميها وتعتمد على نفسها لتبني وتطور بلدانها وتنهض بشعوبها للافضل!
العقل العربي الجامد نشاهده اليوم يدمر وطنه بيده، وبسلاح الدول الكبرى، التي تنهب ثرواتها الطبيعية مقابل آلة الدمار الأمريكية -الغربية والروسية لقتل شعبه، ويعطي ذريعة التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية تحت مسمى محاربة الإرهاب! و(ماداعش) و(القاعدة) إلا صنيعة مخابرات إسرائيلية-غربية بالتعاون مع عملائها بالمنطقة، وضعت كخنجر مسموم في خاصرة الشعوب العربية، يرفعون شعارات دينية ويقتلون الأبرياء بأسم الدين الذي لا علاقة لهم به، كون الدين الإسلامي الحنيف يدعوا للسلام والمحبة والأخاء ويحرم قتل النفس البريئة، ومانشاهده اليوم في العراق وسورية وليبيا واليمن خير دليل على ذلك الافتراء والكذب والضحك على الشعوب العربية، حيث يهدف بدرجة أساسية لتشويه الدين الإسلامي وتمزيق وحدة الأمه العربية والإسلامية وإضعافها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وتغير بوصلة الأمة لصرف الأنظار عن القضية المركزية (فلسطين)!
والعرب والمسلمون لم يصحو بعد من الغفلة، ولم يتحرروا من عقلية التآمر ضد بعضهم والتسابق على كرسي العرش، ولم يفكروا بالتطور العلمي والتكنولوجي، ولم يؤمنوا بمفهوم الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة وحرية التعبير والقبول بالآخر، ولا يعطون أهتماماً لحقوق الإنسان والمرأة وأنها من متطلبات العصر الضرورية للإنسان! في الوقت الذي مازال العقل الأوربي والغربي واللوبي الصهيوني خصوصاً يعمل على تمزيق وإضعاف هذه الأمة، لإبقائها في الدرك الأسفل من التخلف والجهل، حتى لا تقوم لها قائمة وتصبح إسرائيل هي سيدة الموقف، وتظل المنطقة العربية كل الوقت مشغولة بحروبها الداخلية، تستنزف قدراتها البشرية وتنهب ثرواتها الطبيعية، وتكون سوقاً مستهلكاً لصناعة الدول الكبرى وشراء السلاح، الذي يسفك به ارواح الأبرياء في المنطقة العربية!
لقد ظل العرب في عزلة عن العالم المتغير، وفي حالة خصام مع قيم عصره، مشتبكين مع انفسهم في حروب أهلية لا يكاد ينجو منها بلد، وبعض أوطانه تتآكل هويتها ورقعتها، بينما بعضها الآخر يغرق في مستنقعات الدم والإرهاب، بل إن أوطاناً عربية تنهار وصارت تغيب بسرعة في ظلام النسيان!والمشكلة الحقيقية أن العالم العربي بكل امكاناته وقدراته الفكرية والبشرية والمادية بات موزعاً وممزقا..والسبب يعود إلى أزمة القيادات العربية وغياب المشروع العربي والإسلامي الواعي والناضج المستند إلى رؤية واقعية تقدمها مراكز بحوث ستراتيجية متخصصة، وعدم صياغة آليات عمل فاعالة ومؤثرة، مثل آلية الدبلوماسية الوقائية التي تفتقر لها جامعة الدول العربية حتى اليوم! لتجنيب المنطقة العربية من الوقوع في فخ السياسة الدولية المتقلبة والحد من التدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة، والحفاظ على أمن واستقرار البلدان العربية..
الشعوب العربية بحاجة إلى قيادات وطنية صادقة حكيمة قوية وأمينة تقتدي بشخصية الفاروق عمر ابن الخطاب في عدله ونزاهته وخشيته لله..متى سيتحرر الفكر العربي والضمير الإنساني لدى القادة العرب؟ وهل من صحوة عربية وإسلامية قبل فوات الآوان؟
العالم كله يدار من البيت الأبيض والكرملين، ومجلس الأمن الدولي عصاء سحري بيد الدول العظمى،يسخرون به مصالحهم المتبادلة وينفذون خططهم وأطماعهم ويفرضون سياساتهم كما يريدون على حساب الدول الأخرى! وتأتي منطقة الشرق الأوسط في أولوية أهتمامهم لأسباب سياسية واقتصادية معروفة، والشعوب العربية أصبحت ضحية تلك السياسات الدولية غير المتوازنة ومن ضمنها شعبنا في جنوباليمن، حيث يمارس ضده كل أشكال الظلم والقهر والأبتزاز السياسي على حساب حريته وكرامته !