صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان ((قضايا للحوار في مرحلة ما بعد الحرب))
نشر في عدن الغد يوم 30 - 05 - 2016

لقد أثارت الحرب اليمنية العديد من التساؤلات المصيرية حول مستقبل اليمن في ظل الأزمة الجنوبية وأزمة صعدة , وكيفية معالجة أثار الماضي والحاضر من خلال معاقبة مرتكبي جرائم انتهاكات حقوق الانسان من خلال تنفيذ آلية وقوانين العدالة الانتقالية .
المقدمة :
تمثل العدالة الانتقالية نتاج للخطاب الدولي حول انتهاكات حقوق الإنسان في العديد من بلدان العالم . وعلى الرغم من ذلك لايزال مفهوم العدالة الانتقالية من المفاهيم الغامضة أو الملتبسة لدى الكثير من النا س في اليمن , خاصة وان هذا المصطلح لم يكن له وجود في قاموس اليمنيين وبالأصح في تداولات ونقاشات ومعتركات السياسيين في اليمن – نخبة المجتمع أو العامة – وقد زاد الأمر غموضاً وريبة ان هذا المصطلح مطروح اليوم وبقوة في هذه الرحلة الهامة من تاريخ اليمن و أثناء ثورة تغييرية يؤمل اليمنيون عليها الكثير حيث بدأت تثار كثير من التساؤلات في فحوى ومفهوم العدالة الانتقالية , هل هي عدالة خاصة أم عدالة للمرحلة الانتقالية تختلف عن القواعد العامة للعدالة ؟ أم انها شيء اخر ؟ وماهي أدواتها ووسائلها ؟
يمكن القول ان أنهيار الانظمة القانونية في بعض البلدان أو عدم صلاحيتها أو أهليتها لأسباب تتعلق بالنزاعات والحروب والثورات . والصراعات المسلحة , يدفع الى ايجاد نمط انتقالي جديد للعدالة وصولا الى الدولة القانونية ... وبدأ يطلق على هذا النوع من العدالة مصطلح عدالة ما بعد النزاع وهي ما باتت تعرف حالياً بمفهوم العدالة الانتقالية وقد تم وضع صياغة لمثل هذه الاستراتيجيات المتعددة الاوجه التي تتجاوز النهج الرسمي لمفهوم العدالة المعروف , تم التعبير عنها فيما بات يعرف بمبادئ شيكاغوا لتحقيق عدالة ما بعد النزاعات() . بهدف الانتقال بالمجتمعات الى مرحلة أكثر أمناً و استقراراً .
مبادئ حقوق الإنسان :
كانت الامم المتحدة , اولى المنظمات العالمية , التي أصدرت الاعلان العالمي لحقوق الإنسان , ويتكون الاعلان الذي اعتمدته الجمعية العامة في عشرة ديسمبر 1948م من ديباجة وثلاثين مادة . اكدت المادة الاولى على مبدأ المساواة الكاملة . وقد حددت المادة الثانية بانه يحق لكل الناس التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الاعلان دون أي تمييز بسبب العنصر أو الدين أو اللون أو الجنس أو النوع أو الرأي السياسي أو أي رأي أخر . بينما ناقشت المواد الأخرى . مجموعتين رئيسيتين هما :
اولاً : مجموعة الحقوق المدنية والسياسية , وقد نصت عليها المواد ثلاثة الى أحد وعشرين .. هذه المجموعة شملت حق كل انسان في الحياة والحرية وسلامة الجسد. وحقه في التحرر من العبودية أو الاسترقاق , وحقه في التحرر من التعذيب أو التعرض لأي شكل من أشكال المعاملة القاسية أو المهينة و المنافية للكرامة الإنسانية ... والحق في حرية الفكر والضمير والدين , وحرية الرأي والتعبير , والحق في تكوين الجمعيات , والحق في الاشتراك في الحياة العامة وفي تولي الوظائف العامة على أساس المساواة . بينما ناقشت المجموعة الرئيسية الثانية في الحقوق هي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, التي اوردتها المواد من اثنين وعشرين الى سبعة وعشرين من الاعلان . ويأتي على رأس هذه الحقوق حق كل فرد في الضمان الاجتماعي , وحقه في العمل والراحة, وحقه في مستوى معيشة مناسب يكفل له الصحة والرفاهية , وحقه في التعليم وفي الاشتراك بإيجابية في الحياة الثقافية المجتمعية . أما المواد ثمانية وعشرين الى ثلاثين , فقد تناولت الاحكام العامة التي تؤكد على حق كل انسان في التمتع بنظام اجتماعي تتوفر فيه الحقوق والحريات المشار اليها سالفً وبشكل كامل . كما اهتمت هذه المجموعة في مواد الاعلان ببيان ان الحقوق المقررة للفرد تقابلها واجبات يتعين على هذا الفرد ان يقوم بها باعتباره فرداً يعيش في إطار جماعة منظمة أو مجتمع سياسي منظم (). على الصعيد نفسه , اشارت الوثيقة اليمنية للحقوق والحريات الى تلك الحقوق وهي الحقوق المدنية والسياسية : فقد تحدثت المادة (1) عن الحق في الحياة باعتباره مصون ويحميه القانون , ويجرم انتهاك هذا الحق . وتطرقت المادة (2) عن الكرامة الإنسانية , تكفل الدولة احترمها وحمايتها , ولا يجوز اهانة أي انسان أو ازدراؤه وتطرقت المادة ( 3) لحظر التحريض على الكراهية , القومية والعنصرية أو الدينية أو المذهبية أو العرقية , ويجرم ذلك بموجب القانون وفي المادة (4) حظر العبودية والسخرة والاتجار بالبشر من خلال أشكال القسر والاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الاستضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. وفي المادة (5) المساواة امام القانون دونما فرق أو تمييز فيما بينهم ... وان يجرم القانون كافة ضروب التمييز , ويضمن تعويضاً عادلاً لكل من تضرر من هذه الممارسات . وتطرقت المادة (6) لحرمة الجسد والعقل , وحظر ممارسة أي شكل من أشكال التَعذيب وفق ما عرفته الاتفاقيات الدولية . وتطرقت المادة (7) لحظر الاختفاء القسري , ويعرض من يأمر أو يوصى أو يرتكب أو يشارك في ارتكابها أو يتواطأ عليها للمساءلة الجنائية والمدنية وفي المادة (8) حظر التجارب الطبية دون سند قانوني , ويجرم القانون الاتجار بالأعضاء البشرية . وفي المادة (9) تطرقت لحق كل انسان في الحرية الشخصية , ولا يجوز تقييد هذا الحق أو المس به إلا بأمر قضائي صادر عن الجهات القضائية المختصة وطبقاً للإجراءات المنصوص عليها في القانون . وفي المادة (10) تم التطرق لحقوق الاشخاص المجردين من حريتهم ( المحتجزين بمقتضى القانون ) , وللمتهم حق الصمت , وكل قول يثبت انه صدر من شخص محروم من حريته على وجه مخالف لذلك يُهدر ولا يعول عليه في أية اجراءات . وتطرقت المادة (11) الى الحق في التقاضي , وتضمن الدولة للجميع حق الوصول الى العدالة وينظم القانون سُبل تمكين الفئات المهمشة والفقيرة من التمتع بهذا الحق . واخضاع العسكريون وأفراد الأمن المتهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وحرياته لولاية المحاكم النظامية المختصة بمقتضى القانون . وفي المادة (12) المساواة امام القضاء , وتلتزم الدولة بتعويض المتضرر من الاخلال بحقوق المتقاضين . ويحدد القانون شروط التعويض وإجراءاته . وفي المادة (13) تطرقت للشرعية الجنائية التي تضمن حظر العقاب الجماعي . بينما تضمنت المواد ما بين (14) الى (26) حق المواطن , في التنقل ومكان الاقامة , الحق في التظلم الاداري . وحق اللجؤ , وحرية الدين والمعتقد , وحرية الرأي والتعبير , وحرية التجمع السلمي , وحرمة الحياة الخاصة , وحرمة المساكن وحرية الاعلام , وحماية الملكية الفكرية , والحق في الملكية , و تقلد الوظائف العامة . بينما تطرقت المواد (27) الى (32) الى حق المواطنين في تكوين منظمات المجتمع المدني باعتبارها هيئة مستقلة , وينظم القانون تشكيلها ومهامها , والجنسية واحكامها وطرق اكتسابها وسحبها والتنازل عنها , وحقوق والتزامات الافراد في حال تعددها . والمشاركة السياسية بمقتضى المعايير الدولية بما في ذلك شروط وكيفية المراقبة المستقلة والمحايدة للانتخابات . وفي المادة (30) تطرقت لحق المواطنين في تكوين الأحزاب السياسية , ويحظر على الاحزاب الحصول على أي تمويل خارجي . وتطرقت المادة (31) الى حق المغتربون ( المقيمون في الخارج ) بحقوق المواطنة كاملة , بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات . بينما تطرقت المادة (32) الى حق المغتربون في تعزيز انتمائهم وهويتهم الوطنية ومساهمتهم الفاعلة في بناء الوطن() . ولو حاولنا اعطاء قراءة مقتضبة لبنود الحقوق المدينة والسياسية , يمكننا القول ان تلك الحقوق , مثل الحظر للتحريض على الكراهية العنصرية أو الدينية أو العرقية , وحظر العبودية , والمساواة أمام القانون , وحظر ممارسة أي شكل من أشكال التعذيب , وحق كل انسان في الحرية الشخصية , وحظر العقاب الجماعي , والحق في الملكية , وتقلد الوظائف العامة , وحقوق المواطنة كاملة للمواطنين في الداخل والخارج بهدف تعزيز هويتهم الوطنية ومساهمتهم في بناء الوطن , وهي حقوق لا زالنا في اليمن نفتقد لممارستها على ارض الواقع , مما شكل ذلك ارضية خصبة في اندلاع الاضطرابات والقلاقل المجتمعية , والتي اسفر عنها نشوب حرب مارس 2015م . تحت شعارات قبلية ومذهبية وطائفية سوف تخلف أثاراً مدمرة على مستقبل اليمن في مختلف مجالات الحياة .كما تطرقت وثيقة المرصد اليمني الحقوق الإنسان الى : ثانياً : الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: فقد تطرقت المادة الاولى الى حق كل مواطن في العمل . وان الدولة تكفل الحق في ممارسة العمل واختياره في حدود القانون على أساس المساواة والكفاءة وتكافؤ الفرص . باعتبار العمل نشاط انساني واعٍ هادف , وبالقدر الذي ارتبطت مقاصده الأولى ارتباطاً وثيقاً بتأمين حاجات ومتطلبات العيش الضرورية واللازمة لحياة البشر , فإنه وبفعله تعاظمت وتراكمت ثروات الامم وازدهر عمرانها وهو مصدر إلهام للعقل البشري وبما تحقق له من انجازات ومن نجاحات علمية سخرت لخدمة التطور الاقتصادي والتقدم الاجتماعي . لهذا ارتبط الحق بالعمل بالعديد من الحقوق الأخرى , مثل الحق في تقاضي أجر عادل عن العمل يكفل للفرد معيشة لائقة بالكرامة الإنسانية . فضلاً عن الحق في التأمين في حالة البطالة , حيث لا يتمتع العاطلون عن العمل في اليمن بأي تأمين , فقانون الرعاية الاجتماعية لم يشمل العاطلين عن العمل ضمن الفئات المستحقة لمساعدات الضمان الاجتماعي . ومن اجل توفير كافة الظروف الإنسانية المطلوب هو استراتيجية شاملة للتعبير الحضاري , والتنمية الاقتصادية , والتطوير الاجتماعي الهادف الى تصحيح العلاقات الاجتماعية , وتحقيق الاتزان في حياة الإنسان (). وهذه الاستراتيجية لا يمكن تحقيقها في الواقع إلا إذا غيرنا تقويمنا لاداء العمل العام أي الوظيفة العامة باعتبارها انعكاساً للخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها في المجالات الادارية والعملية , واسلوب ممارسة العمل العام لتأدية المهام المنوطة بالموظفين , والتي على اساسها تتم الترقية الوظيفية . وذلك من خلال توفير الظروف الملائمة لذلك , مثل التدريب المتواصل , ومواجهة البيروقراطية والفساد والترهل , وإيجاد آلية جديدة في توصيف الوظيفة العامة وفقاً للمؤهلات والكفاءات , واتاحة الفرض امام الجميع بما يضمن العدالة للأفضليات , والغاء المحسوبية , بحيث تصبح الوظيفة العامة تلبي متطلبات الواقع , بكل شفافية وحيادية بما يوفر الظروف الملائمة للنهضة المجتمعية في بلد يعيش تحت كل خطوط الفقر والجوع والتخلف والمرض , وفي ظل نظاماً استبدادياً يرتكب كل جرائم انتهاكات حقوق الإنسان دون وازع ديني أو وطني . وهي اسباب حقيقية دفعتنا للنضال من اجل تعزيز حقوق الإنسان وتفعيل دور العدالة الانتقالية.
ثالثاً : موقف الحكومة اليمنية من الحقوق والحريات: صادقت الحكومة اليمنية على العديد من المعاهدات العالمية . ومنها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان , واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المراءة , واتفاقية حقوق الطفل . وبموجب هذه المعاهدات . فإن الحكومة اليمنية ملزمة بحماية حقوق الإنسان من أي انتهاكات يتعرض لها المواطن , بما في ذلك العنف الاسري . اضف الى ذلك ان اليمن ملزمة بالقوانين الاقليمية الخاصة بحقوق الإنسان . وبوصف اليمن بلداً اسلامية , فإن المتوجب عليها هو مراعاة اللوائح التي تنص عليها الاعلان الإسلامي لحقوق الإنسان . ومن المهم , طبقاً لذلك , ان يعمل كل مواطن مسلم وغير مسلم على بناء "مجتمع مدني " () . يمثل العلم والفن والتعايش السلمي أهم مقوماته , من أجل بناء الدولة المدنية.
على الصعيد نفسه , لا يلزم الاعلان الإسلامي لحقوق الإنسان أية دولة إسلامية بالتصديق عليها . فهو ينص على حقوق الإنسان الاساسية بالإشارة الى الاعلان العالمي لحقوق الإنسان .ويعتمد هذا الاعلان الإسلامي على القرآن والسنة النبوية . حيث اضطلع بتأليفه علماء وفقهاء بارزون , الى جانب بعض رموز الحركة الإسلامية والفكر الإسلامي المعاصر , وذلك في العام 1980م . وينص هذا الاعلان على حق كل انسان في الحياة والعدالة والمساواة . وبصورة عامة , فإن هذا الاعلان يقدم لوائح عامة للبلدان الإسلامية , ومنها دولة اليمن المعنية في هذا الخصوص , والذي ينص على حماية حقوق الطفل والاسرة . اضف الى ذلك انه لا يتم اكراه أي انسان على الزواج , ولا تنتقص أو تسلب من أي انسان شخصيتة القانونية بسبب الزواج . ومن المعلوم ان اليمن من الدول الإسلامية التي صادقت من خلال وزارة خارجيتها , على اعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام عام 1990م . والذي ينص في المادة (25) منه على أن " الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد الذي يمكن الرجوع اليه لتفسير أو توضيح أي مادة من مواد هذا الاعلان " . ولهذا يبدو الاعلان على انه وثيقة ارشادية لا تقضي بالتصديق عليها . وقد اشير الى انه دليل ارشادي للدول الاعضاء في المنطقة , وانه متوافق مع الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي لم يخصص أي مادة من مواده للعنف ضد النساء أو الاطفال . وتنص المادة (2) من هذا الاعلان على ان " سلامة الإنسان مصونة , ولا يجوز الاعتداء عليها , وكما لا يجوز المساس بها دون مسوغ شرعي وتتكفل الدولة حماية ذلك " ... وفيما يخص النوع الاجتماعي يأتي نص المادة (6) كالتالي : " المراءة مساوية للرجل في الكرامة الإنسانية , ولها من الحق مثل ما عليها من الواجبات , ولها شخصيتها المدنية وذمتها المالية المستقلة , وحق الاحتفاظ باسمها ونسبها " () .
وفي الاطار نفسه , تبنت جامعة الدول العربية الميثاق العربي لحقوق الإنسان الميثاق الاقليمي الرئيسي لضمان حماية حقوق الإنسان عام 1994م . ويعالج هذا الميثاق العديد من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان مثل الحق في الحياة (المواد 5 , 6 , 7 ) والحق في عدم الخضوع للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة ( 8 , 9 , 18 , 20 ) . كما يتطرق الميثاق الى قواعد العدالة ( المواد 12 , 13 , 15 , 16 ,19) والحقوق السياسية ( المواد 20 , 26 , 27 ) والحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية ( المواد 34 , 35 , 36 ) وتتلقى لجنة الخبراء المكونة من 7 اعضاء تقارير دورية من الدول الاعضاء , غير ان هذه اللجنة لا تملك آلية لتلقي الشكاوي من أي دولة من الدول الاطراف أو من أي اشخاص بشأن أي فعل مخالف للميثاق , ولا يتبنى الميثاق أي آلية اخرى للتطبيق أو التقييد ( على سبيل المثال المحكمة العربية لحقوق الإنسان , تلك الهيئة المرغوب في وجودها مع انها غير موجودة حتى اللحظة ) ... وقد صادقت اليمن على المعاهدات الدولية وتبنتها في القوانين الوطنية بما في ذلك الدستور الذي تنص المادة (6) منه على الاتي :
" تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامه " . وتأسيساً على ذلك فإن من المحتم على الحكومة اليمنية ان تلتزم بمقتضيات هذا التصديق() وتشير الوقائع السياسية في العقود الاخيرة الى ان مصادقة اليمن على المواثيق العربية والدولية المتعلقة بالحقوق الإنسانية , تم بعد افراغ تلك المواثيق من مضامينها الوطنية والإنسانية . وتعترف المنظمات الحقوقية اليمنية على حد سوا بالانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها سلطة الأمر الواقع في صنعاء قبل واثناء الحرب . ولو عدنا للتقارير الاستراتيجية اليمنية وتقارير حقوق الإنسان العالمية التي ناقشناها في صفحات اخرى , تمثل ابلغ دليل على ما ذهبنا الية في هذا الخصوص . بينما يمثل الحق الأخر من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية , وهو الحق في الملكية القائم على مبادئ حرية السوق واحترام حق الافراد في الملكية الخاصة , الذي لا يتحقق بمجرد وجود نصوص قانونية , بل يتطلب الأمر , ان تتخذ الدولة إجراءات واقعية على المستويات المؤسسية والقانونية والثقافية والتنموية لحماية الملكية الخاصة , فالحق في الملكية الخاصة في اليمن لازال يشهد انتهاكات عديدة تتمثل ابرزها في ظاهر التعدي على اراضي البناء الخاصة في المدن من قبل النافذين من افراد النخبة التقليدية وكبار الضباط . مما يعكس هذا ضعف مستوى قدرة الدولة على إنفاذ القانون لاسيما وان اثارها لا تقتصر على انتهاك الحق في الملكية , وانما يتعدى ذلك الى انتهاك الحق في الأمن الشخصي , بل إنتهاك الحق في الحياة احياناً() . وهي أوضاع مأساوية , تم تطبيقها بكل قسوة وعنف في عدد من المحافظات اليمنية لا سيما عدن والمحافظات الجنوبية بعد استباحتها لاكثر من ثلاثة وعشرون عاماً .
من هذا المنظور , كانت المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تعتبر(حسب وثيقة مفوضية الأمم المتحدة ) جزءاً من سيادة القانون وتدعيم إقامة العدل . والسلطة القضائية مثلها مثل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لديها وضع مستقل . ولها مجال اختصاص محدد ومفهوم جيد . وأي هجوم على ذلك الاستقلال أو ذلك الاختصاص يعتبر هجوماً على سيادة القانون. وقد يحدث أن تكون السلطة القضائية ضعيفة و ليست مستقلة كما يود الإنسان في بعض البلدان . وحيثما يكون الأمر كذلك , ينبغي بذل الجهود لتعزيزها واستقلالها كقضية مستقلة . وليس من المناسب منح أية مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان دوراً إشرافياً على المحاكم كوسيلة لتحقيق هذه الغايات . وقد انشأ بعض البلدان آليات مثل هيئات الاشراف القضائي . وهي عادة مكونة من قضاة للتصدي للمشاكل المتصلة بسلوك القضاء , بما في ذلك التحيز . ولا يعتبر الاشراف القضائي وظيفة من وظائف المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (). وهذا ما كانت تفتقده المؤسسات الحقوقية والسلطة القضائية باعتبارها ركناً اساسياً في سيادة القانون وتدعيم إقامة العدل . ليس هذا فحسب , بل كانت اليمن من الدول النامية التي وقعت الاتفاقية الدولية المناهضة لكافة اشكال التمييز العنصري على غرار الاتفاقيات الاخرى .
وقد تضمنت المادة (5) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري لعام 1966 التزام الدول الاطراف بضمان التمتع في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من دون تمييز عنصري . وتنبغي ملاحظة ان الحقوق والحريات المذكورة في المادة (5) لا تشكل قائمة جامعة مانعة . وتتصدر هذه الحقوق والحريات تلك الحقوق والحريات الناشئة عن ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الإنسان . على النحو المذكور في ديباجة الاتفاقية . وقد جرى تناول معظم هذه الحقوق بالتفصيل في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان . وعلية تكون جميع الدول الاطراف ملزمة بالإقرار بحقوق الإنسان وبحماية التمتع بها . وان اختلف اسلوب الدول الاطراف في ترجمة هذه الالتزامات الى نظم قانونية لها . وتتولى الدولة الطرف حماية الحقوق والحريات المشار اليها في المادة (5) من الاتفاقية وأي حقوق مماثلة . ويمكن تحقيق هذه الحماية بأساليب شتى سواء باستخدام المؤسسات العامة أو من خلال انشطة المؤسسات الخاصة . والدولة الطرف المعنية ملزمة , على كل حال بكفالة التنفيذ الفعلي للاتفاقية , وبتقديم تقرير عن ذلك بموجب المادة (9) من الاتفاقية . وبقدر ما يكون للمؤسسات الخاصة تأثير على ممارسة الحقوق أو على توافر الفرص , يتعين على الدولة الطرف ان تكفل ان لا يكون هدفه نتيجة ذلك التأثير ولا أثرة ايجاد التمييز العنصري أو ادامة أمده() . وعلى الرغم من ذلك , اتسمت إجراءات النظام البائد الذي لازال يتحكم في شؤوننا ومصيرنا بالتناقض الفج مع مجمل الاتفاقيات المتعلقة بالحقوق الإنسانية التي وقعتها اليمن . ومن المعروف ان اليمن تحولت في عهد المخلوع صالح الى بؤرة للاضطهاد والظلم والفساد , واشاعة التمييز القبلي – المذهبي بين مختلف فئات المجتمع , وفرض سياسة التجهيل والفقر والعوز والمرض لاسيما مع الشعب الجنوبي , بعد احتلال الشمال لاراضيه في حرب 1994م , مما شكل ذلك ضربه قاسمة لكل أهداف وقيم الوحدة السلمية و تشير العديد من الوثائق الصادرة عن مراكز حقوق الإنسان في صنعاء , ان مشكلة نهب الاراضي والسطو عليها نشأت بشكل ممنهج عقب احداث عام 1994م التي استباحت اراضي الجنوب لمن تصنعوا النصر المزعوم على مشروع الوحدة السلمي من العسكر والقبائل والجهاديين والنافذين من الشمال . على ظهر الدبابة والطقم العسكري . وتلك الحرب الاثمة بنظر الجنوبيين ومعهم كل المثقفين من ابناء الشمال , كانت الضربة القاتلة لظهر الوحدة السلمية الموقعة بشكل طوعي في عام 1990() , وقد تقدم العديد من الدارسين والمهنيين والساسة بالعديد من الوصفات لحل مشكلة نهب الاراضي في الجنوب غير انها لم تجد آذان صاغية من قبل النظام في صنعاء , لعل اهمها ما تقدم به تيار إصلاح مسار الوحدة الذي ظهر بعد الحرب مباشرة و, وطالب بإزالة اثار الحرب وإصلاح مسار الوحدة بأربع نقاط نوردها هنا :
اولاً : إلغاء الفتوى الدينية التي بررت الحرب واباحت الارض والعرض وحولت الجنوب الى غنيمة .
ثانياً : إعادة ما نهب باسم تلك الفتوى أو باسم غيرها من ممتلكات خاصة و عامة باعتبارها من أثار الحرب .
ثالثاً : إعادة جميع المؤسسات العسكرية والامنية والمدنية الجنوبية الى ما كانت عليه قبل الحرب , باعتبار ان حلها من اثار الحرب .
رابعاً : إلغاء الاحكام على قائمة ال (15) لأنها احكام سياسية باطلة , وعودة جميع المشردين من الداخل والخارج الى اعمالهم وإعادة ممتلكاتهم , باعتبار ان كل ذلك من اثار الحرب باعتبار ان ذلك من الحقوق المدنية التي يكفلها الدين الإسلامي الحنيف والاعلان العالمي لحقوق الإنسان () .
الواقع ان عدم استجابة النظام البائد للإصلاحات المطلوبة بهدف إصلاح مسار الوحدة . دفع شريحة واسعة من الشعب الجنوبي للمطالبة بالانفصال . وقد حددت التوصية العامة الحادية والعشرون للجنة القضاء على التمييز العنصري لعام 1996م الى حق الجماعات والاقليات العرقية أو الدينية في تقرير المصير باعتباره اساساً للادعاء بالحق في الانفصال . وفي هذا الصدد حددت اللجنة وجهات النظر التالية :
ان حق الشعوب في تقرير المصير هو أحد مبادئ القانون الدولي الأساسية ... وينص علاوة على ذلك على حق الاقليات العرقية أو الدينية أو اللغوية في التمتع بثقافتها , أو في المجاهرة بدينها وممارسة شعائرها أو في استخدام لغتها .
تؤكد اللجنة أن من واجب الدول , وفقاً لإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الامم المتحدة , وهو الاعلان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها المؤرخ 24 تشرين الاول / اكتوبر 1970م , أن تقرر حق الشعوب في تقرير مصيرها , لكن تنفيذ مبدأ تقرير المصير يقتضي من كل دولة ان تعزز من خلال الإجراءات المشتركة والاجراءات المنفصلة , الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الاساسية , وفقاً لميثاق الأمم المتحدة .
وفيما يتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها , ينبغي تمييز جانبين : فحق الشعوب في تقرير مصيرها له جانب داخلي أي حق جميع الشعوب في السعي بحرية لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من دون تدخل خارجي . وفي ذلك الصدد , توجد صلة بحق كل مواطن , في الاسهام في ادارة الشؤون العامة على جميع المستويات . على النحو المشار اليه في المادة (5) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري , ويتعين على الحكومات , بالتالي , أن تمثل السكان كافة دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الاصل القومي أو الإثني .ويعني الجانب الخارجي لحق تقرير المصير ان لجميع الشعوب الحق في حرية تقرير مركزها السياسي ومكانتها في المجتمع الدولي , استناداً الى مبدأ تساوي الحقوق , وتأسياً بتحرير الشعوب من الاستعمار وبمنع إخضاع الشعوب لاستعباد الاجنبي وسيطرته واستغلاله .
و من أجل تحقيق الاحترام التام لحقوق الشعوب في دولة ما , يتعين ان تدعى الحكومات مرة اخرى الى التقيد بالصكوك الدولية لحقوق الإنسان بما يضمن الحرص على حماية حقوق الأفراد من دون تمييز , لاسيما حقهم في العيش الكريم وفي المحافظة على ثقافتهم وفي المساواة في جني ثمار النمو القومي وفي القيام بدورهم في حكومة البلد الذين هم من مواطنيه . والحق في الاضطلاع بالأنشطة التي تتصل على وجه الخصوص بالحفاظ على هوية أولئك الاشخاص أو تلك الجماعات .
ترى لجنة القضاء على التمييز العنصري فيما يتعلق بالحق في تقرير المصير , ان القانون الدولي لم يعترف بحق عام للشعوب في ان تعلن منفردة الانفصال عن دولة ما , وفي هذا الصدد , تأخذ اللجنة بالآراء الواردة في خطة السلام (25) , وهي ان تفتت الدول قد يضر بحماية حقوق الإنسان فضلاً عن ضرورة الحفاظ على السلم والأمن . بيد ان هذا لا يستبعد امكانيات وضع ترتيبات , يتم التوصل اليها باتفاقيات حرة بين جميع الاطراف المعنية() .ولو عدنا لقيم الإسلام ومبادئه السمحة يتأكد لنا ان الإسلام حرم الممارسات العنصرية بين البشر منذ عصر النبؤة , في قول رسولنا الكريم : "لا فرق بين عربي ولا اعجمي الا بالتقوى " . فضلاً عن آيات قرانية وأحاديث شريفة اكدت المساواة بين البشر في الحقوق الواجبات .
رابعاً : الإسلام والعدالة الانتقالية :يمثل الاستبداد بكافة اشكاله , وما يفرزه ذلك ,من تمييز بين الفئات الاجتماعية في مختلف مجالات الحياة , سياسياً , اقتصادياً , اجتماعياً , ثقافياً ... الخ . تناقضاً صارخاً مع قيم الإسلام ومبادئه . كما يمثل الفساد بكافة أشكاله لاسيما الفساد السياسي الذي تمارسه السلطة الحاكمة , من خلال نهب المال العام وتسخير كل مقدرات الدولة لمصلحة قيادتها واقاربهم ومن يدور في فلكهم في الجهاز الاداري . واذا كان القضاء على الفساد السياسي يقتضي تغيير النظام القائم , فإن الحد من الفساد الاداري على نحو كبير وذلك اذا ماتوافرت الرغبة والارادة السياسية لاسيما اذا صاحبتها الاصلاحات اللازمة في المؤسسات التشريعية , والتنفيذية و الرقابية بهدف إصلاح النظام الضرائبي الذي تم افساده بسبب الاتصال المباشر بين دافعي الضرائب ومحصلي الضرائب من موظفي الحكومة ... غير ان اعظم الفساد , هو الفساد الذي ساد الخطاب الديني الذي تم تأسيسه لأغراض دنيوية . ولعل ابرز مثال على ذلك أنه يرفض إلى يومنا هذا التصدي لظاهرة التطرف والعنف التي تجتاح مجتمعنا , والدعوة الى طاعة ولي الأمر دون إيضاح الشروط الواجبة باعتباره امراً قاطعاً يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان . لهدا يمكننا الاشارة إلى ما يلي : ان تعاليم الإسلام و قيمه لا يمكن ان تتناقض مع المصلحة العامة بدليل القاعدة الشرعية القائلة :"فحيثما تكون المصلحة العامة يكون شرع الله".
ان الإسلام يعتبر الدين الوحيد الذي يرفع من قيمة الإنسان باعتباره خليفة الله في الارض , لهذا حثت العديد من الآيات القرآنية الإنسان على نشر العدل و رفع الظلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والقتال في سبيل الله لنصرة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان , وعدم إنتهاك حقوق الاخرين الى درجة أن حقوق المخلوق مقدمة على حق الخالق . وفي الحديث النبوي الشريف :" لان تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إنتهاك كرامة انسان " .
ليس هذا فحسب , بل ان الله عز وجل بشر المقصرين في اداء واجبهم بالحساب والعقاب . ولا عذر لمستخلف بتقصيره بحجة عدم قدرته فالرسول عليه الصلاة والسلام قد اوضح وابلغ الحجة , فالذي لا يستطيع ان يزيل المنكر بيده فبلسانه وان لم يستطع بلسانه فبقلبه وهو اضعف الايمان . والمقصود بإزالة المنكر بقلبه ان لا يمارس هو هذا المنكر وان لا يبدي الرضا لمن يمارسه أو يتعاون معه وذلك ما يسمى اليوم " المقاومة السلبية " . وفي النهاية يمكن القول باختصار ان ارتباط حقوق الإنسان بدوره في الحياة جعل منها واجبات مقدسة لا يجوز التنازل عنها ولا يجوز سوء استخدامها كما لا يجوز تعطيلها وعدم استخدامها في اداء الدور الذي اراده الله للإنسان في هذه الحياة .
إجمالاً , يمكننا القول ان قوة الإسلام تنبع من قوة حجته وعظمة مبادئه وروعة سنته وتمسك المسلمين نابع من ايمانهم الراسخ الذي صمد امام كل المصاعب . ولهذا فإن من غير المعقول ان الخوف من قتل المرتد هو الذي حمى الإسلام من ارتداد المسلمين عليه . مثل هذا القول يسيئ الى الإسلام ولا يخدمه . فقناعة المسلمين بدينهم هي التي حفظت الإسلام في صدورهم وعظمة مبادئه و قوة حجته وبرهانه هو الذي يشد الى الإسلام المئات ممن يعتنقون الإسلام كل يوم . وفي البيئة الحرة يزدهر الايمان , أما البيئة المغلقة فلا تسمح بأكثر من الحفاظ على الظاهر والطقوس . والمساس بحرية العقيدة يجر حتماً الى المساس بالحريات الاخرى فهي أم الحريات . وحين تحرم حرية العقيدة سوف يجر الى تحريم حرية الفكر والى الرقابة على حرية التعبير , وبالتالي الحد من الحرية السياسية والسير على طريق الاستبداد والحكم بالقهر والإكراه وهذا ما نعيشه اليوم ونتجرع مرارته من جراء الحرب المذهبية الطاحنة التي مزقت اوطاننا ودفعت شعوبنا الى المجهول , ولهذه الاعتبارات كلها لما سبق من توضيح موثوق بالأدلة القاطعة فإن اغلب المفكرين الإسلاميين المحدثين وعدد من المتقدمين يقفون بوضوح مع حرية الاعتقاد ومن هؤلاء (الرخسي) و (ابن القيم) و (الامام محمد عبده) و (جمال البنا) و (راشد الغنوشي) ومن رجال القانون الدستوري (فتحي عثمان ) و (عبد الحميد متولي ) و(حسن الترابي) . ومن مفكري الإسلام وعلمائه الذين يقفون مع حرية الاعتقاد الاستاذ ( عبد المتعال الصعيدي ) الذي يقول :
" الحرية الدينية حق عام لكل شخص في الإسلام . فلكل شخص في دولته , من مسلم وغيره , ان يعتمد ما يشاء وان ينتقل من دينه الى دين آخر في كل وقت وفي كل مكان ولا فرق في هذا بين دين ودين ويجب ان يدخل في هذا الحكم دين الإسلام نفسه حتى لا يؤخذ عليه أنه يستعمل سلطانه ويميز في هذا نفسه على غيره() " الواقع ان الأمر يتطلب تغيير أجهزة السلطة ومؤسساتها مما يتطلب هذا تغيير البنية السياسية القائمة على الاستبداد القبلي والطائفي الى سلطة وطنية تقبل بمبدأ التداول السلمي للسلطة بهدف توسيع دائرة المشاركة الشعبية في شؤون الحكم , بهدف المطالبة بالعدالة الانتقالية .من خلال إصدار : قانون العدالة الانتقالية استناداً لمبادئ حقوق الإنسان والمحددة في التشريعات الدولية ووفقاً لمبادئ روزنبرغ السبعة الخاصة بالعدالة الانتقالية وتحديد آلياتها التنفيذية . والتأكيد على اهمية توفير المؤسسات التي تنفذ برامج اعادة التأهيل والادماج المجتمعي لضحايا الجرائم التي ترتكب خلال فترة الصراعات المسلحة والنزاع على السلطة .
والاسراع بإصدار قانون الحق في الحصول على المعلومة , وذلك لما له من اهمية ترتبط بإظهار السجلات وفتح الارشيف العام للدولة أمام اللجان الوطنية والمنظمات والهيئات القضائية . وعلى الدولة اشراك منظمات المجتمع المدني في كافة الهيئات و اللجان التي تشكل لمعالجات ملفات الصراعات المسلحة والنزاعات على السلطة , وذلك لأنها تساهم في التعبير عن المجتمع وباقتراح التدابير الهادفة الى كشف الحقيقة وضرورة وضع استراتيجية وطنية لمعالجة شاملة تعني بتوفير العناية والرعاية اللازمة واعادة الادماج لأسر جرائم الاختفاء القسري . ليس هذا فحسب , بل و تطوير المنظومة التشريعية بحيث تستوعب الظروف الزمنية التي ترتكب فيها الجرائم ضد النساء والاطفال خلال مراحل الصراعات المسلحة والنزاعات السياسية . والعمل على إحداث توعية مجتمعية بأضرار النزاعات المسلحة والاضطرابات الاجتماعية وتأثيرها على انهيار الحقوق والقيم الإنسانية . وان يتم التشاور مع المنظمات النسوية وحقوق الإنسان للتواصل الى تعريف "الضرر" كما في الافعال التي تندرج تحت التعذيب والنزوح والتشرد والذي يتضمن الاعتداءات والاهانات و جرائم اخرى () . وهي مسائل لها اهمية قصوى في الحرب الظالمة التي تعيشها بلادنا في وقتنا الراهن .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.