رأيته وكان...وما زال للأسف يتمشى و يتبختربخطىً متثاقلة بطيئه وكان كبيرالجثه بشع الهيئه كرشه متدليه أسنانه صفراء بارزة و ابتسامته صفراء بشعة بكل ماتحمله الكلمه من معنى..إبتسامه صفراء لا تدل إلا عن شر و نار متوقده وخبث و لؤم. وعيناه حمراوين كأنهن حجرتين من جهنم. فقلت في نفسي: قطعة من جهنم أم آدمي آثم بعث من قعر الحجيم حتى أن الطيور كانت تحلق في الأفق البعيد هرباً منه والأزهار تذبل وينطفئ بريقها بمجرد مروره..
رآني حتى تجمدت أطرافي وجفلت وكادت تنطفئ أنفاسي وجلاً قال لي بصوته الغليظ ورائحتة المنتنه لا تفارق انفاسة : الى أين ايتها الحالمة الصغيرة ؟
قلت: ياصاحباالسمو والسعاده الى الجامعه ..
ضحك حتى أثار رياح شديده تساقطت معها أوراق الشجر
ثم قال متهكماً و بسخرية :الاتعرفين من أنا أيتها الصبية الطموحة؟!
أجبته بصوت كتوم يكاد أن يختفي من العبرة و شدة الخوف: لقد ناديتك بصاحب السمو والسعاده لأني أرى لك كل الحفاوه والتقدير بين هؤلآء القوم المساكين.. المغلوب على أمرهم.. ولأن كلماتك تبدو مسموعه عند كل كبير و صغير ولكني لا أعرف من أنت و من تكون ..
فأجابني بصوت ملئه الكبر والغرور وكلمات لاتخلو ابداً من التعجرف والغطرسه: أنا ملك الملوك والطغيان والجبروت وأنا الأول والآخر والأعدل والأمثل و الناهي و الآمر .. في هذه المملكة الشاسعة.. وكلمتي هنا كالسيف على رقاب الجميع.. وأنا هنا عادات الجاهليه الأولى ولكن بطريقة أخرى ففي الجاهليه كنت أقوم بوأد البنات يوم ولادتهن أما الآن فأني لااقتلهن بل اتفنن بتعذيبهن بطرق أخرى أدعهن يعشن ثم اقوم بدفنهن وهنّ أحياء أكثر من مره ينبتن كالزهور حتى تكاد تتفتح وأمنع عنهنّ الهواء والماء حتى يذبلنّ في صباهن و ريعان شبابهن .. وأما رجال هذه المدينه فهم أتباعي وخدم لدي او بالمعنى الأصح هم كقطيع الخرفان أسوقهم حيث أشاء وهم عبيد يمتثلون لأوامري التي أمليها عليهم حرفاً حرفاً هم لايستطيعون شيئاً إلا تنفيذ اوامري بكل بلادة وخضوع .....
أما النساء فهنّ الجواري الخاضعات والمظلومات الصامتات والسجينات القتيلات
وهذه كرشي المنتفخه المتدليه من لحوم ضحاياي انهش لحومهن وهنّ أحياء حتى أصاب بالتخمه و النهم و حينما أجوع أنتقل الى ضحية أخرى ضحاياي هنّ الكثير والكثير من النساء
فهل عرفتي من انا ايتها الصغيرة الغرة؟ أنا '' الجاهلية الأولى ,, ولكن بصورتها العصرية الحديثة .... انا ,, الجاهلية الأولى'' ولكن بثوب جديد..انا العادات والتقاليد القاهرة بسيفها الحاد التي لا ترحمك أيتها الفتاة الشبابة ..
فقلت وقد تملكني الغضب والقهر: نعم لقد عرفت من أنت أنت صاحب الظلم والتعاسه انت جزار البراءة والسعادة نعم لقد عرفت من أنت أنت خبيث لئيم بشع الخَلق والخُلق رديء القلب والقالب سيئ الطبع والطالع أنت قطعه من الحجيم فغرت جهنم فاها حتى لفظتك ..
ولا ألومك على هذا كله فرجال هذه البلده من سمحوا لك بأن تنتشر وتستشري في المجتمع كالمرض الخبيث عندما يستشري في الجسد ويجعله عليل مصاب حتى يقضى عليه.. وهم من سمحوا لك بأن تدوس على ظهورهم و تحني رؤوسهم و تسلط سيفك العتيق فوق رقابهم جميعاً.
فبدا عليه الإستياء الشديد فقال لي: عودي من حيث أتيتي أيتها الشابه الطامحه
فقلت: إن ضحاياك تعدوا الألف والألفين بل إن ضحاياك ملايين الملايين من النساء أما يكفيك قتلاًوتدميراًوظلما.. ! امايكفيك قتلك زهوراًفي عمر الصبا.. !..
قال لي وقد بدا عليه الغضب وتطاير من عينه الشرر: لن أكتفِ أبداً..اذهبي ولكنكِ ستكونين ضحيتي القادمه.
فتبسمت بسخرية..وأجبت: سوف أذهب... ولكن.. سوف أذهب الى مملكتي حيث الجدران الفولاذيه والأسقف الرخاميه والارض الجليديه والشباك الصغيرذو القضبان التي من الحديد الصلب.. حيث سأكون سجينة الجسد.. ولكني سأبقى دوماً طليقة الروح وحرة الفكر.. ستحلق روحي في السماء متنقلة بين السحب من سحابةً الى أخرى قاطفة من السماء نجمات الضياء لكي أضعها في سلة الأحلام و بوتقة الأماني.. وسوف أكون في ضوء الشمس ونور القمر بين نجمات الضياء وفي ماء السماء وقطرات الندى ورائحة المطر وأوراق الشجر وفي نسيم البحر.. أنني هنا وهناك وفي كل مكان ولن أكون ابداً إحدى ضحاياك ربما أكون سجينة الجسد ولكني لن أكون أبداً أسيرة الروح و الفكر وذهبت بين طرقات الحياة ومنعطفات النسيان وصعدت سلالم الأحلام وتسلقت سحاب الأماني ملهمة حتى وصلت مملكتي الصغيرة جنتي هناك.. فردوس و نعيمٌ أبدي .. حيث وجدت نفسي هناك
و تركته ورائي بكل بشاعته وفظاعته مليء بالجشع و عوامل الإنهيار و الشقاء.. يهتف بداخله و يقول:هل من مزيد؟ هل من مزيد؟ تركته وهو يجلد من يجلد .. ويأكل من يأكل.. و يسبي من يسبي.. بنهم شديد و بطش طاغٍ.. بلا نهاية في مسلسل لا ينتهي من التعاسة الأبدية التي نسجتها يديه بكل فنون و اقتدار.. يجلد عبيدة بتلذذ بسياط حمراء من نار , ويضع ضحاياه داخل توابيت خشبية وهم أحياء..يضعهم..ويجرهم الى مقبرة المدينه المترامية الأطراف .. أشباح تتوافد الى نهايتها الحتمية بلا رحمة و دون توقف .. حيث اللا شيء .. حيث اللا عوده .. حيث اللا نهاية ..