اليمانيون يتسابقون على الموت في مشهد مأساوي غاية في التعقيد، حمم المعارك مستمر وخيوط النجاة تتلاشى وهذا طبيعي فكلما ارتفعت أصوات المدافع خفتت أصوات العقل والمنطق في أعماق الجحيم. حرب لم ينج منها أحد، من لم يدفع ثمن الحرب القذرة أحد أفراد بيته أو أبناء عمومته أو عشيرته دفعها من قوته وطمأنينته وسكينته. كل الأطراف يدٓعون حب الوطن، لكن كل طرف يريد أن يبني لنا دولة مفصلة وفق رؤيه شخصية أو حزبية أو طائفية أو مناطقية وليس وفق رؤية العقل والمنطق وهذه مصيبة كبرى. كل الأطراف يدّعون حبهم الجهنمي للمواطن فاحرقوه بنيران المدافع وغلاء المعيشة. كل الأطراف اليمنية تحاول تغطية فشلها في عدم قدرتها على الحسم باتخاذ خطوات تزيد الوضع تعقيدا. الحل في اليمن لن يتحقق بتحالف سياسي ظاهر بين المؤتمر وأنصار الله لأسباب عديدة. كما أن الأطراف الدولية التي تغض الطرف عن هذا التحالف بصمتها أو بنقده على استحياء تستثمر الموضوع اليمني لتحقيق مصالح عليا ليس إلا. والحل في اليمن ايضا لن يتحقق بدخول صنعاء، والسبب يعود إلى: أننا في حرب أهلية تريد لها أمريكا والغرب أن تستمر ولذلك ستستمر لأن الغرب يأخذون بأسباب النصر التي أمرنا الله تعالى بها فأبّينا، كما أن دخول صنعاء أو الخروج منها ليس شرطا لتوقف الحرب. الحل لن يتحقق إلا بقيام تحالف يكون الجميع طرفا فيه، وحتى إن كان هذا التحالف هش. المشروع الأمريكي الغربي الهدّام المرسوم لليمن سَيُفرض على الجميع،لأن أطراف الداخل وأطراف الخارج والقوى الأقليمية العربية لا يمتلكون القدرة على مواجهته. وعليه ما على الجميع إلا محاولة القفز أو التحايل على هذا المشروع حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. إن على الأطراف اليمنية أن تركز على إجراءات ما بعد الفترة الانتقالية وليس على ما قبلها. إن مسألة إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، وتهيئة المناخ السياسي والاقتصادي والأمني لإجرائها هو أهم من نسبة تمثيل كل طرف في الحكومة الانتقالية المؤقتة، وأهم كذلك من كل المسائل الإجرائية التي يختلفون عليها الآن. فالانتخابات إن تمت ستوحد إلى حدا ما الجبهة الداخلية بشكل حقيقي، وسيقف ورائها الجيش المنقسم، وستتعالى أصوات الجماهير المنقسمة دفاعا عنها، وستبدء الأطراف السياسية في التعاطي مع المشاكل المصاحبة لتلك التغيرات بشكل مختلف. هناك عشرات الألآف من أفراد وضباط الجيش بقسميه ينتمون إلى الجنوب ومثلهم ينتمون إلى المحافظات الوسطى ومثلهم ينتمون إلى الهضبة، وكل هؤلاء هم قوة توازن، ومن المتوقع أن يحافظ هؤلاء على الوضع الجديد ، لأن مآسي تخليهم عن دورهم في الحفاظ على الدولة خلال السنين الماضية قد ذاقوا وذاق الشعب مرارته. ومن غير المعقول أن يسمحوا للوضع أن ينهار مرة أخرى. على القوى السياسية المدعومة خليجيا أن يتعاملوا مع الواقع وفق وضعهم اليوم وليس وفق وضعهم مع اتفاق السلم والشراكة. لأن المشهد اختلف تماما فلديهم قوة و أرض يسيطرون عليها وعناصرهم موجودة في تشكيلات الجيش. أي أن قوة التوازن موجودة بأيديهم مثلما هي موجودة بأيدي غيرهم. صحيح أن القوى السياسية في الداخل والخارج أصبح لها أذرع عسكرية وهذا وضع مأسآوي فوضوي لكنه يساعد على تقارب الأخوة الأعداء. إن فتح السعودية لخط تفاوض مباشر مع الرئيس السابق سيساعد على تقصير زمن الحرب وربما ايقافها، بل ربما أنها خط من خطوط القفز على المشروع الغربي. على الأطراف السياسية اليمنية أن تعي أن الأطراف الدولية تشجع الجميع ضد الجميع. وأن استمرار الحرب لن يحقق النصر. على الأطراف اليمنية جميعها أن تعي بان إلغاء الآخر مستحيل، وأن وجود الدولة هو الحل. على اليمنيين أن يدركوا بأن غياب الدولة سبب مشاكلهم على مر التاريخ. على قادة الأحزاب أن يفهموا بأن القوى الدولية لن تسمح باستقرار اليمن، لذلك سيسعى الغرب لفرض حلول ترقيعية هشة ولكن عليهم استثمارها. على النخب السياسية اليمنية أن تعي أن استحضار مفاهيم الماضي القريب أوالبعيد لن تؤتي أكلها لبناء دولة يمنية في الحاضر والمستقبل.العالم سيدخل خلال الخمسين السنة القادمة عصر ستتغير فيه كل مفاهيم الحياة. العصبوية التي نتمسك بها اليوم ستضمحل، والروابط المناطقية أو الطائفية التي نحاول تجميع الأفراد حولها لنحمي أنفسنا أو نحمي حقوقنا الحقة وغير الحقة ستصبح خرافة. على أبناء شمال الشمال أن يتركوا التعصب وفكرة التقديس والهيمنة. والغريزة القتالية عند أبناء الجبل لابد أن تتبدل حتى لا تظل هذه الكتلة البشرية وقود حروب قادمة. وهذا لن يتم إلا بمشروع تعليمي مقرون بمشروع اقتصادي يخصص لأبناء هذه المناطق. بالمقابل ينبغي أن تتلاشى النزعة الاستقلالية والتشاؤمية عند الآخرين من أبناء جلدتنا، فالإنسان هو رأس المال وليست الثروة، وليعلم القاطنون على بحيرات النفط والغاز أو غيرها من الثروات بأن عدالة السماء أودعت في أرض غيرك ثروة لا تقل أهميتها عن ما لديكم. ينبغي على الرئيس السابق علي عبدالله صالح أن يكف عن الانتقام من خصومه. على الإخوان والناصريين والاشتراكيين أن يكفوا عن شيطنة الرئيس السابق لما ينتج عنها من ردود فعل كارثية. على قادة الأحزاب أن يفتحوا أمام بعضهم البعض أبواب التوبة. على أنصار الله أن لا يتخوفوا من المستقبل، وعليهم أن يتخلوا عن فكرة الاضطهاد التي ستصيبهم لو تخلو عن السلاح الثقيل. على أنصار الله أن يكونوا جزءً من مكونات الإصلاح والمؤتمر والإشتراكي والبعث والناصري إذا تيقنوا أن بقائهم في إطار الحزب الواحد سيخرجهم من دائرة المشاركة المباشرة في السلطة. إن ربط الجيش اليمني بعملية التنمية وتعميق عقيدته القتالية للوطن الجامع هي الطريقة الوحيدة لبناء جيش متماسك يحمي الدولة ويحمي الأرض والإنسان.