بداية أجدني مضطرة لأن أخبركم بأني أنتمي إلى حزب الوطن لا غير، الوطن الكبير الذي يتسع للجميع لكنهم أرادوا أن يضيق بنا جميعا، الوطن الذي ننتمي إليه، دون أن يجبرنا على دفع ثمن حبه لنا أو حبنا له، ثم أُذكر بقول الشاعر سميح القاسم( شعوب مُسمنة للولائم)، وهو توصيف لواقع الشعوب. قبل عاصفة الحزم قام الحوثيون وحليفهم صالح بالانقضاض على كل الوطن، غير مكترثين بطموحات الشعب اليمني، الذي يتطلع إلى الحياة المستقرة الآمنة، وبعد أن كنا على مقربة من الدولة المدنية التي خرجت الحشود لتأسيسها سلميا، استمرت جماعة الحوثي بممارساتها التي لا تقيم وزنا للعرف الدولي ولا البروتوكولات بالتحريض والتحدي والاستفزاز بحق الداخل والخارج، وهو ما سمعناه في الخطابات السياسية لبعض قياداتهم والتي اصطبغت بالدين،وهم لا يعلموا عن النبي محمد إلا اسمه، لأنهم لو كانوا يعلموا عن أخلاقه لما قاموا بكل هذه الممارسات بحق مواطنيهم. ويبدو بأن حليفهم صالح الذي عمل على دعمهم كان يدرك المشروع الإيراني في المنطقة، وربما كان تحالفه الخفي معهم في البداية والذي أصبح واضحا الآن، رغبة منه في تحقيق طموحاته السياسية، بعد أن رأى الأذرع الإيرانية تتسلل إلى هنا وهناك في المنطقة العربية، وليس فقط لتصفية حساباته مع الإخوان. وجاءت عاصفة الحزم التي ما زال الجدل واسعا حولها، بعد انهيار الوضع في اليمن، وعجز الرئيس هادي عن النأي باليمن عن كل هذه الصراعات قبل أن تتفاقم، وبعد أن أراد الحوثيون وصالح أن( يكونوا أو يكونوا)،وشكل ما حدث تهديدا حقيقيا للجارة المملكة العربية السعودية، فحسمت أمرها في توقيت حساس للغاية، وبدون الحديث العقيم عن شرعية تلك العملية العسكرية التي يحق لأي يمني أن يستنكرها، حتى لا يذوق ويلات الحرب التي يعانيها الآن وعانى منها، أريد التأكيد على أن تلك العملية العسكرية ما كانت ستكون لو أن اليمن دولة قوية، لها ثقلها على المستوى الدولي والإقليمي، حتى وإن كانت بالفعل دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، معرضة للخطر الإيراني، والذي اقترب كثيرا من المملكة بعد أن بدأ التحرك الحوثي في اليمن مؤخرا، وحقيقة فإن الحديث عن المشروع الإيراني في المنطقة ليس ضربا من خيال، بل هو واقع، والحوثيون المدعومون من قبل إيران ما زالوا ينكروا دعمها لهم، على الرغم من أن الكتب ووسائل الإعلام تعج بالخروقات الأمنية لإيران في اليمن منذ أكثر من عقد، ولم تكن مطالبة الرئيس هادي بالتدخل في اليمنبخطوة جديدة في المسار السياسي اليمني، فاليمن بلد متهالك ومن الدول النامية، وسبق للنظام السابق أن وقع اتفاقيات تعاون مشتركة مع العديد من البلدان لمكافحة الإرهاب، وقامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بعدد من العمليات العسكرية على القاعدة في اليمن، كان ذلك في ظل قيادة صالح و هادي، كما أن استنكار جماعة الحوثي- على وجه الخصوص- لتدخل قوات التحالف لا مبرر له، فالجماعة ارتضت لإيران أن تنتهك سيادة اليمن، وهو ما يؤكده العديد من المطلعين في الشأن اليمني. وفي ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة بل العالم بالتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني مؤخرا، وبدء عاصفة الحزم قبلا، بدا أن خارطة التقسيمات الجديدة التي تحدث عنها المحللين قد بدأت معالمها تتضح، وبالنظر مشروع القرارالخليجي الذي تقدمت به الأردن إلى مجلس الأمن بشأن الوضع في اليمن، فإن اليمن قد تكون مقبلة على مرحلة جديدة تدعمها كل أغلب الدول، قائمة على الحل السياسي، إذا دعمت إيران هذا التوجه وكانت جادة في ذلك، وهذا يعني تخليها عن مشروعها الطائفي في اليمن الذي يعد امتدادا لمشروعها الذي بدأته في سوريا والعراق ولبنان، والذي يعد بوابة إيران لدول الخليج، فإيران لن تكون قادرة بالفعل على مواجهة التحالف السني الكبير في المنطقة، الذي بدأ بعاصفة الحزم، والمدعوم من قبل دول إسلامية قد تتجه بشكل جدي السعودية إلى التحالف معها مثل تركيا، على الرغم من المصالح الاقتصادية المشتركة بينها وإيران،فهي تحاول أن تبقى على مسافة واحدة بين إيران والسعودية، ولكن ما هي الضمانات التي سيقدمها الحوثيين للعودة إلى طاولة المفاوضات؟ وهم ما زالوا مستمرين في الحديث عن القتال، أو قد يكون اتفاق لوزان بشان البرنامج النووي الإيراني بداية الحرب، وبداية سباق تسلح نووي في منطقة الشرق الأوسط كما أشار إلى ذلك العديد من المراقبين، وهذا بدوره ينعكس على الوضع في اليمن،وفي كل الأحوال وسواء كان قد تم تبنى مجلس الأمن مشروع القرار الخليجي ذاك أو لم يتبنهِ، فإن إيران على ما يبدو ستواصل مشروعها- وإن كان بشكل غير مباشر-عن طريق التخريبوالإرهاب الذي تتبعهفي سياساتهاوبأيدي الحوثيين، وسيواصل علي عبدالله صالح تحالفه معهم لينتقم من الشعب، وتصفية حساباته مع مختلف القوى في الداخل اليمني، إذا قرر المضي في تدمير كل اليمن، كما يفعل بشار الأسد في سوريا, على الرغم من الضربات الموجعة جدا والفعّالةالتي تعرضوا لها من قِبل عاصفة الحزم، وهم في حقيقة الأمر في الموقف الأضعف الآن. وفي الوقت الذي تسعى فيه إيران إلى وقف الضربات الجوية للتحالف، إلا أنالتصريحات الموجهة للسعودية والتي وردت على لسان بعض مسئوليها غير مطمئنة،كما أن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الإيراني حسن روحاني بقوله:" ستمرغ أنف السعودية بالتراب"، وقيام إيران بإرسال قوة بحرية إلى مضيق باب المندب وخليج عدن، وكاناليوم قائد القوة البحرية للجيش الايراني الادميرال حبيب الله سياري قد صرح بأن مهمة هذه المجموعة البحرية تستغرق نحو ثلاثةأشهر، وقيامها مؤخرا بإرسال بضعة سفن أخرى،وهذا يعد استفزازا في مثل هذا الظرف،ومتناقضا مع الدعوات الإيرانيةعبر وسطائها إلى الحل السياسي، و وقف الحرب في اليمن،لكن الرد السعودي والرد الأمريكي على القوة البحرية الإيرانية لا يدفع إلى انفجار الوضع بين إيران والسعوديةعلى الأقل في الوقت الراهن، ما لم تستجد أطماع جديدة لدى هذا الفريق أو ذاك في بلد متهالك كاليمن، ويعملون على استمرارالحرب فيها، فهل ستتوقف إيران عن دعمها للإرهاب، أم إنها ستعمل على البحث عن حلفاء جدد للعبث بأمن المنطقة العربية؟وقد تعمل الولاياتالمتحدة على دعم إيران لمواصلة قتال داعش، وهو ما قد تفعله في دول أخرى، وهنا سيحتم على العالم العربي أن يمضي في مواجهة المشروع الإيراني، وقد تكون السياسة الأمريكية هذه تدميرا لإيران- كما يقول المحللون- التي تلهث وراء طموحاتهابهذا الجنون. وبعد أن أَعلن عن توقفعاصفة الحزم، وبدء عملية إعادة الأمل فإن نجاحهماوفي كل الأحوال مرتبط بشكل كبيربدعم المقاومة الشعبية في مختلف أنحاء الوطن، والتي تشكلتنتيجةلممارسات الحوثيين الإرهابية وتعنتهم وصالح،وقد بدأت في عدن والضالع ولحج و إب ومختلف المدن اليمنية، وهي وحدها من ستعيد لليمن استقراره، مع العلم بأن عمليات عاصفة الحزم لن تنجح في القضاء بشكل تام على الحوثيين وصالح، لأنهم من الشعب، كما أنهم حتى اللحظة ما زالوا يعملونعلىاستقطاب المواطنين وشراء ولائهم، ماضين في تخريبهم، وكما يعلم الجميع فهم بدون صالح ليسوا أكثر من مجرد عصابة، وعليه فعلى كل مواطن أن يرفض أن يبيع وطنه للحوثيينوحلفائهم مقابل بعض المال، لأنهم يذكوا نار الحرب أكثر وأكثر والتي ستأتي على الأخضر واليابس،واستمرار الحوثيين وصالح في هذا الجنون سيؤلب الشعب عليهم أكثر وأكثر، وقد فشل الحوثيون في تقديم أنفسهم، ولن يكون لهم مكانا في المشهد السياسيباستمرارهم في حربهم ضد كل أبناء اليمن، هم وصالحالمخولون باللجوء إلى السلام والتعايش مع كل الشعب اليمني، لأن ما يقوموا به لن يوصلهم إلى شيء، وينبغي أن يجنبوا البلد هذه العذابات. وضريبةهذه الحرب الشعواء يدفعها وسيدفعها الوطن والمواطن، ولن ينجو الوطن من الإرهاب الثلاثي المتمثل بالحوثيين وصالح والقاعدة في جزيرة العرب، والأخيرة ستجلب لليمن ويلات كثيرة، إذا ما وجدت حاضنة جيدة من قبل المواطنين الرازحين تحت وطأة الجهل والفقر، وتم تغذيتها من قبل أطراف الصراع. وطننا منكوب بنا جميعا، بالنخب السياسية والدينية، وبالصفوة التي مارست وما تزال الاستبداد بحق الناس، وبالشعب الذي سمح للآخرين أن يقودوه كالقطيع وفقا لتوجهاتهم، وبالجيش"الذي كان"، وبعد أن وقع الفأس بالرأس علينا أن نحقن دماءنا التي ستسيل بأيدينا وأيدي غيرنا. نحن أمام مشهد يندى له الجبين، فالقوى التقليدية في اليمن تعمل بذات العقلية، وجزئية الاقصاءات التي تمارسها هي والقوى الصاعدة في اليمن، تدخلنا في مآزق كبيرة للغاية، صالح مثلا أثناء فترةحكمهعمل علىتسليم أغلب المراكز القيادية والمناصب لمناصريه، وبمثل تلك العقلية عمل الإخوان والحوثيون، وبهذه العقلية لا يمكن أن نؤسس لدولة أبدا، وما زال هناك أحرف كثيرة بحاجة إلى وضع النقاط عليها متعلقة بالأحزاب المهترئة في اليمن، وبالمتاجرين بدماء الشعب، وبالقيادات التي تخلت عن المواطنين، وبالإعلام الذي أغفل الجانب الإنساني، ولم يلتفت له إلا مؤخرا وبشكل طفيف.