كنتُ يوم أمس أتحدث مع أحد الأصدقاء حول ثورة الرابع عشر من أكتوبر ثم تطرقنا لضرورة استغلال هذه الذكرى والحشود التي ستأتي لإحيائها ؛ لإسماع الصوت الجنوبي للعالم . قلتُ لصديقي أننا يجب علينا أن نرفع شعار التمسك بتحرير واستقلال الجنوب في هذه المليونية وتطبيق ما يحمله اسمها. قال لي صديقي لا . لا . هذا الكلام مش وقته حتى يتم حسم المعركة في الشمال ...!! يا للعجب وكأنه وغيره من المؤمنين بأن السياسة عاطفة يجزمون أن التحالف سيمدنا بعصى سحرية تستعيد لنا وطننا بعدما نلتزم الصمت في هذه الفرصة التاريخية !!. تذكرت الكثير من الأصوات التي سمعتها وأسمعها والتي تردد وتؤمن بعبارة " مش وقته " من أناس تأدلجت عقولهم " تكاسلاً " مع هكذا فكرة وهكذا منطق ، وانساقت وتمرنت لنطقها ألسنتهم والتي آمنت بها قلوبهم أيضاً للأسف الشديد دون إدراك لمفاهيم السياسة وبلا وعي للأسس والقواعد التي تبنى عليها السياسة والتي تحتكم لها . الاستقلال مش وقته !!. المليونيات مش وقتها !!. التمسك واغتنام الفرص لاستعادة الجنوب ، وتحقيق استقلاله الذي هتف له جل إن لم نقل كل الشعب ، وقدم في سبيله قوافل من الشهداء والجرحى ، ورفض النيل من إرادة شعب الجنوب ؛ " مش وقته " !! . كل شيء "مش وقته" إذاً في قاموس " الديماغوجيين " الذين يمرنون العامة ويغرسون في فكرهم هذا المنطق ؛ فيتبعهم المهووسون بالإيمان الأعمى بالمصطلحات التي تبدو أكثر واقعية ضاهرياً لكنها خطيرةً في واقعها . على مدى قرون سمعنا وقرأنا عن ثورات تحررية انطلقت شراراتها هنا وهناك ضد مستعمرين خارجيين أو أنظمة وحكام طغاة داخلياً . سمعنا عن ثورات تحررية انطلقت شراراتها قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها . وكذا عن ثورات انطلقت قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها حتى حاضرنا اليوم بتنا نشاهد ثورات هنا وهناك . لكن مالم نسمعه ومالم نقرأه أو نشاهد ثواراً يتحدثون به هو مصطلح " مش وقته " الذي غاب في قواميس كل هذه الثورات لكنه حضر أو أُحضر بقوة في ثورتنا كظاهرة استثنائية في الثورة الجنوبية تماماً كما حضرت فيها موميات وأصنام للعبادة السياسية تتبادل الظهور طبقاً لتعدد المراحل فكتب علينا أن نقول سمعاً وطاعة كلما أطل علينا أحد هذه الأصنام ثم يغيب بعد انتهاء مرحلته فنلعنه ليحل محله مومياً آخر أو صنماً آخر في مرحلة تالية وكالعادة علينا أن نكررها " سمعاً وطاعة " وإلا فنحن خونة في نظر أوتوقراطيي الثورة وجمهور الطاعة العمياء . سمعنا أن في السياسة شيء اسمه رفع الصوت عالياً ورفع المطالب الأقصى والمطالبة بالمزيد لتحقيق الهدف من الثورة ولكن في الجنوب عليك أن تصمت وتقبل وتطالب وتستجدي بالأدنى لتحقق الأقصى وهو الهدف في حالة استثناء غريبة وجديدة على الثوار والثورات . لم نستفد من وقائع التاريخ ولم نتعظ من أحداث عايشناها وكان لتطبيقنا مصطلح مش وقته نتائج كارثية لازلنا ندفع ثمنها حتى الآن . في عام أربعة وتسعين شرع شريك الوحدة الغادر بها ومنذ اليوم الأول للوحدة لتجهيز نفسه وتهيئة شعبه للانقضاض على الجنوب بينما الطرف الجنوبي ضل صامتاً قولاً وفعلاً حتى وصلت القوات الغازية على مشارف الجنوب بينما الجنوبيين لم يلتقطوا فرصة التأييد الخارجي لهم مبكراً إيماناً بمصطلح " مش وقته " فلم يتداركوا أنفسهم ولم يستفيقوا إلا والقوات الغازية على مشارف العند . واليوم تتكرر التجربة فالشمال قد يستفيق ويعيد ترتيب أوراقه وقد يتفقوا في أي لحظة بينما الجنوبيين غارقين في سبات ووهم ' مش وقته ". إن أمامنا فرصة تاريخية إن أضعناها اليوم لن نتداركها غداً وقد لا نحصل على غيرها مجدداً، فلنترك التهافت نحو فتات الوهم وندرك أن السياسة مصالح وليس عاطفة ونبدأ بالتفكير الجيد بكيفية استعادة ألق الثورة ووهجها وتوظيفها لتحقيق أهداف الثورة الجنوبية . كفانا استسلاماً لمصطلحات الوهم وللنهج الانهزامي فلقد انتزعنا بجدارة براءة اختراع لتطبيق مبدأ " مش وقته " .
رسالة للقائمين على مليونية " التأكيد على تحرير واستقلال الجنوب " أن يخرجوا من قوقعة هذا المصطلح ، وأن تنحو جهودهم لتعطي المليونية رسالة مفادها أننا ثوار لثورة لها أهدافها وأننا شركاء للتحالف العربي لكننا لسنا أتباع لأحد يتم استخدامنا كمرتزقين فقط . احرصوا على انتقاء الشعارات واخرجوا من عقدة الزعامة والصور التلميعية . لا نريد صورة للشرعي رقم 1 ولا الشرعي رقم 2 ولا رقم 3 ولا رقم 4 ولا 5 ....الخ . كما لا نريد شعارات تطبيلية لمصطلحات ومسميات لا ندرِ إلى أي الحفر ستنتهي بنا ولا ندرِ ما أهدافها وماهي آلية عملها . . نريد صور الشهداء ترفع عالياً وتتزين بها الساحة . نريد صور المعتقلين على رأسهم احمد المرقشي ... نريد من الجماهير الجنوبية الزاحفة أن ترفع شعاراً واحداً لا سواه وهو شعار الاستقلال واست