المواطنة والمساواة في الحوق والواجبات واحترام القانون والتعايش السلمي وقبول الاخر هي من أهم مبادئ وشروط الدولة المدنية التي يتشدق بها السياسيون وهم أعجز من ان يطبقونها في أسرهم، وهي الدولة التي يتغنى بها الكثير من الناس بوعي وبدون وعي، حتى ان بعضهم يحشر مصطلح الدولة المدنية في غير سياقه بغية تزيين حديثه وتقوية حجته. والحقيقة اننا ابعد ما يكون عن الحياة المدنية ولا توجد في مجتمعنا ارضية مناسبة لها. فالرغبة في تأسيس دولة مدنية حديثة في مجتمع فاقد تماما للثقافة المدنية ليست الا كمن يحاول غرس شجرة في صحراء قاحلة، لأن تأسيس الدولة المدنية ليس خياراً فردياً ولكنه نتيجة طبيعية لسلوكيات مدنية مارسها غالبية أفراد المجتمع فولدت بالتالي ارادة مشتركة لبلورتها ووضعها في إطارها المناسب. اننا نفتقر تماماً للثقافة المدنية الضرورية لإنشاء الدولة المدنية معرفياً وسلوكياً، ولا يمكن لدولة مدنية ان تبنى في وطن لا يتسع الا لمن يؤمن بما نؤمن به حزبيا ودينيا. فالدولة المدنية الحديثة لا تقام في مجتمع يقدس اهله الاشخاص ويفرط في مديحهم ويهجو من يحاول كشف بعض عيوبهم وينهال عليه بالشتم والتخوين. والطامة الكبرى ان تجد من ينادي بالدولة المدنية وهو يشحذ لسانه ويلوح بسيفه على كل من يخالفه الراي ولا يعترف الا بحزبه ومذهبه. فأي مدنية يقصد هؤلاء ان كانوا جادين؟. فليطمئن من يخشى الحياة المدنية أو يخافها فإنها لاتزال بعيدة المنال طالما يتطلب بنائها مجتمع يتحلّى بالصفات والسّلوكيات المدنية التي يفتقدها مجتمعنا اليمني، وفاقد الشيء لا يعطيه.
لقد أثبتت لنا كثير من التجارب المتلاحقة والمتسارعة اي نوع من انواع الحكم نستحقه ويتناسب مع طبيعتنا. فمن عاش تلك التجارب لا اعتقد ان يختلف معي في انه حيثما حكموا انصار الشريعة أو أنصار الله، بغض النظر عن موقفنا من تلك الجماعتين وتحفظنا على اسميهما، تجد الناس ينصاعون للنظام والتعليمات الملقاة بكل يسر وسلاسة وتختفي القرون المؤذية من على الرؤوس، وبصورة تلقائية يتحلى المارة بمستوى عالٍ من الأدب والاحترام عند نقاط التفتيش لأي من تلك الجماعتين. ولمجرد تولّي الحكومة الشرعية حكم تلك المناطق يتنفس المؤذون الصعداء وتظهر القرون مجددا من مخابئها ويصبح التمرد على النظام والقانون هو رمز الرجولة. ولذلك فالعامل المشترك الذي مكّن هاتين الجماعتين من تملك العصاء السحرية هو ما نحتاجه اليوم لكي نستقيم.