(أعياد بلا ميلاد) كان ذلك عنوان مقال سابق للزميلة ألطاف الأهدل جاء في آخره "أعيادنا أصبحت مجرد ذكرى جامدة تشبه تماماً تلك الكلمات التي يتبادلها الناس بلا إحساس في فجر عيد وئيد".. ولا أظن أن أحداً لا يتفق معها ومعي على أن أعيادنا اليوم أضحت فاقدة للمعاني، مجردة من أحاسيس الفرح في ظل سوء الحياة المعيشية وهمومها المتلاحقة التي صارت في واقعنا أشبه بذرية موصولة النسل، إلا أن ثمة من لا يزال يدندن في مسامعنا بموال بناء الدولة المدنية الحديثة التي تحقق المواطنة المتساوية يسعد فيها الفقير ويستعيد بها بهجته التي لم تعد حاضرة معه حتى في يوم عيد... فهل يا ترى ستحضر الدولة المدنية ويكون للشعب ما تمنى ويتغنى ويطرب على طريقة الفنان الذي غنى (ونرقص على نغمة الدان)؟ أم أن الشعب لم يستعد ذكرى ألم أم محمد على لسان الفنان الآخر (أحرقتني لا تبك يا محمد أبوك نسى الحنا وحمرة الخد)؟ لن نطيل الحديث عن أحوال اليمنيين في العيد لعلمنا بأن الكل بات يعرفها جيداً.. فالجميع يعيشها واقعاً مراً، يتساوى فيه العيد مع غيره من أيام العام إلا بزيادة هموم النفقات.. لكننا سنضع ولو أطراف أنامل أقدامنا على حافة الأمل مع ظهور بصيص التغيير الذي بدت بعض ملامحه تلوح في سماء الفضاء اليمني وإن كانت تبدو للبعض مجرد أقواس قزح سرعان ما تختفي في بلد تشير تقارير منظمات دولية وإنسانية بأنه بات على شفير هاوية أزمة غذائية كارثية ويحتل الترتيب ال"11" في قائمة الدول الأكثر فقراً وانعداماً للأمن الغذائي ما جعله الأفقر بين دول شبه الجزيرة العربية وفي طريقه لأن يحظى بلقب (صومال آخر) ألا وإنه رغم ذلك هناك من يحاول دغدغة وإثارة "مشاعرنا امدفاقة" على طريقة أهل تهامة، ويدعوننا إلى المشاركة في توزيع موسيقي سمفونية الدولة المدنية الحديثة والمواطنة المتساوية. بذرة الأمل شارك سبعون شاباً وشابة من 7محافظات في دورة تدريبية عنوانها (بناء الدولة المدنية الحديثة وتحقيق المواطنة المتساوية) وهذه كانت ضمن مشروع (دور الشاب والطلاب في التغيير ودعم التحولات الديمقراطية في اليمن) نظمها منتدى الشباب والطلاب مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان في عدن بالتعاون مع برنامج لشراكة الشرق أوسطية، وقد بدأ المشاركون أكثر جدية في التعامل مع المعطيات وفي تداول الآراء وتبادل الخبرات والمعارف في القضايا المتعلقة بالمرحلة الراهنة في بلادنا وقضايا إنجاز مهمات المرحلة الانتقالية والتحولات الديمقراطية من أجل بناء دولة مدنية حديثة تحقق المواطنة المتساوية، حيث استمع المشاركون إلى عدد من المحاضرات والأطروحات قدمها نخبة من الأكاديميين تطرقوا بها لأسس ومعايير الحكم الرشيد وتاريخ الدولة المدنية وسماتها والعوامل المؤثرة التي أدت إلى ظهورها وشروط إقامتها ومدى إمكانية تحقيقها في المحيط اليمني وما الذي يتطلب. الدولة المدنية د/عبد الرحمن السقاف في مداخلته أشار إلى أن الدولة المدنية الحديثة هي آخر أنواع وأشكال الدولة خلال تاريخ الإنسان وهي أرق الأنواع وأكثرها ملائمة للعيش المشترك بين الناس كما أستعرض السقاف عدة عوامل وأسباب أدت إلى نشأة الدولة المدنية وتطورها في أوروبا، منها موضوعية ومنها مادية ولفت إلى أن قيامها أقترن بفكر الاستنارة بدأً من القرن ال"17" بعد أن انتهى الحال بالإمبراطوريات التي كانت سائدة في أوروبا بمسارات إصلاحية نوعية وبثورات جذرية وتطورات معرفية علمية نشأت معها فئات وطبقات اجتماعية حديثة وظهر اقتصاد صناعي وتجارة عالمية بعد أن كانت سلطة الملوك الأباطرة سلطة مقدسة أبوابه في جوهرها كخلفاء لله في الأرض لا يحق للرعية الاعتراض على سلطة الأمراء مهما فعلوا، معرجاً إلى أحداث سياسية واجتماعية وتاريخية سبقت نشأة الدولة المدنية الحديثة منها الثورة المجيدة في بريطانيا عام1688م والثورة الفرنسية عام1798م ومن ثم الحرب الأهلية الأميركية ونشأة المدن وقيام المجتمع المدني في القرن ال"15". أفكار التنوير ومما أكد عليه د/السقاف بقوله: ولعبت أدواراً محددة في طبيعة التطور السياسي والاجتماعي في أوروبا ما تسمى ب(أفكار التنوير) في كل من بريطانيا وفرنسا وأميركا، حيث ظهرت المدونات الفكرية التي ارتبطت بالتنوير كان أبرز سماتها العقل والطبيعة والمجتمع والحرية والمساواة والتسامح والعلم والتقدم والدين والفضيلة رافقتها تحولات اجتماعية واقتصادية واختراعات، مشيراً إلى أن أفكار التنوير انتشرت في أوروبا وتغلغلت في عقول الناس لأنها جاءت إلى الحياة بنظرات جديدة للحداثة فصورة عادات بديلة للعقل والقلب والوعي والإحساس فالتنوير في بريطانيا ركز على إصلاح شئون البشر وأسس لنظام مثالي للعيش المشترك بين ضمن مجتمع واحد في إطار دولة تجمع الكل اجتماعياً وتاريخياً أساسها الرحمة والتعاطف والشفقة والمساواة بين البشر بينما ركز التنوير الفرنسي على العقل وجعل من الإرادة العامة كياناً متميزاً أما التنوير الأميركي فقد أخذ يركز على الحرية السياسية واعتمد على العقل في إنشاء المؤسسات وعلى الفضيلة لتأسيس حكم سليم. نشوء المجتمع المدني يبدأ نشوء المجتمع المدني عندما يتحذ عدد من الناس مكونين مجتمعاً واحداً يتنازل فيه الفرد عن سلطته التنفيذية للقانون الذي يسري على الجميع في الحياة والعيش والمجتمع المدني كما أورد د/السقاف في محاضرته التي هي بعنوان (التعاون والتكافل الاجتماعي ينظم فيه الناس أنفسهم ككيان تعاوني مستقل عن الدولة يحقق الحماية للجميع ويدافع عن المصالح العامة)، مشيراً إلى أن أسس الدولة المدنية الحديثة شمولية الحق الطبيعي (الشؤون البشرية) شمولية الحق الطبيعية (الشؤون البشرية) وشمولية العقل ومرجعيته وشمولية العقد الاجتماعي وشمولية الحقوق الفردية. وقال السقاف ان الأشكال المتنوعة التي اتخذتها الدولة المدنية الحديثة في نماذجها الثلاثة تعود إلى خصوصية العملية التاريخية ومساراتها لكل من أداتها الأصلية، لكنها تتفق في مضمونها الإنساني مع تطلعات غالبية سكان الأرض، وكان هناك دور فعال لإبداع العقل الإنساني في تحقيقه عناصر الدولة المدنية الحديثة وهو الذي كان نتاجاً لخصوصية العملية التاريخية ومساراتها. الإرادة والعقل وتناول د/عبد الواحد هديش، تناول في ورقته المراحل التي سبقت الثورات في أوروبا وأدت إلى انتقالها إلى عصر النهضة ومن ثم الحداثة بعد أن كانت غارقة في عصور التخلف من القرن ال"5" حتى القرن ال"16"، عرفت بالحقبة المظلمة سُلب الإنسان فيها من كل شيء، حيث هيمنت الكنيسة على الحياة وحرمت التجارة إلى أن بدأت تشكل نواة لبناء المدن والتي أصبحت عبارة عن ملاذ للعبيد الواقعين تحت هيمنة الإقطاع وصارت نشاطاً مدنياً أدى إلى ظهور طبقة اجتماعية اعتمدت على الاقتصاد المدني نتج عنه بناء المعاهد والمدارس وانتعشت الحركة الثقافية في أوروبا عن طريق الطبقة البرجوازية التي احتضنت الفنانين والمبدعين والمثقفين تشكلت معها الحركة الإنسانية أدت إلى مرحلة انتقالية حصلت فيها تطورات اقتصادية واجتماعية وثقافية تخلصت بها أوروبا من أفكار القرون الوسطى. ولفت د/هديش إلى أنه لا يمكن بناء الدولة المدنية الحديثة دون أن تكون هناك حركة ثقافية علمية لأن العقل والثقافة هما من يجعل الإنسان أكثر إنسانية، كون العلم هو الإنسان الحق والحركة الإنسانية حركة تؤمن بطبيعة الإنسان وأصالة الخير فيه وتريده حراً فهي بطبيعتها حركة إصلاح للفرد والمجتمع. هل بالإمكان؟ عقب إشارة د/هديش للأحداث التي شهدتها أوروبا بعد التطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أدت إلى بداية الثورات في القرن ال"16" تبعتها أحداث ضخمة تمثلت في الكشوفات الجغرافية والثورات الاقتصادية عرفت بالتجارة المثلثة (أوروبا أفريقيا الولاياتالمتحدة) ثم اكتشافات علمية وتقنية، لفت د/هديش إلى أن الثورات في أوروبا قامت على أساس فكري تنويري جوهره المفاهيم والأهداف والمبادئ (الحرية والإخاء والمساواة واحترام حقوق الإنسان في الحياة). وتساءل هديش: هل بالإمكان عند الشروع في الحوار من أجل إقامة الدولة المدنية الحديثة هل الإمكان أن تقوم بدون التغلب على نمط البنية القبلية التراتبية؟ هل يمكن أن تقوم الدولة المدنية الحديثة بدون القضاء على ظاهرة السلاح؟ هل يمكن أن تقام الدولة المدنية الحديثة دون حصول حل بواسطة العقل دون حشر المرجعية الدينية في السياسة؟ ختاماً.. الطاقة الفاعلة أ/محمد قاسم نعمان رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان عدن يرى أن الشباب هم الطاقة الفاعلة في المجتمع لافتاً إلى أن الثورات التي شهدها العالم كان يقف خلفها الشباب فسبتمبر وأكتوبر كان قاداتها شباب.. وأضاف نعمان: ثورة التغيير التي شهدها اليمن في فبراير2011م كان الشباب هم القوة الأساسية في الفعل الثوري ألتف بعدها الشباب حولهم فالشباب قوة الفعل لكن تحويل دور الشباب إلى قوة الفعل الإيجابي والزخم المعبر عن نبضات الشعب لا بد أن يرتبط بالمعرفة والعلم لأن القوة والحماس وحتى الإرادة بدون معرفة أساسية علمية وبدون الاستعانة بالخبرات والكفاءات يمكن أن تعطي نتائج سلبية قد تضر وتسبب الهزائم، لافتاً إلى ضرورة توظيف طاقات الشباب في مصلحة وحاجة المجتمع المدني ولبناء مجتمع متطور يقوم على أنقاض العادات المختلفة والممارسات الفاسدة والعمل على ترسيخ حقوق المواطنة في مجتمع يسوده العدل والمساواة.