لماذا يفضّل التحالفُ أن يتعاملَ مع المقاومة الجنوبية كمليشياتٍ مشتتة ضعيفة متعددة الولاءات في وقتٍ يعلم هذا التحالف أن للجنوب جيشاً كان من أقوى الجيوش في الجزيرة العربية تأهيلاً وخبرة ؟! لماذا الإصرار على تهميش وإقصاء كوادر الجيش الجنوبي والاكتفاء بالتعامل مع "أطفال" قاصرين عسكريا ومتأخرين مهنيا ؟! لماذا يتحاشى التحالف إعادة بناء الجيش والأمن في الجنوب بشكل نظامي ومهني ؟! هذه التساؤلات عبارة عن فرضيات لمحاولة البحث في ضبابية التعامل الخليجي (التحالف) مع الشأن العسكري في الجنوب ؛ لبلوغ الهدف الذي تعمل عليه إستراتيجية التحالف وتوجهاته ، فالجيش والأمن الجنوبيان اللذانِ تعرضا لتدميرٍ ممنهج من النظام اليمني بعد اجتياح الجنوب في العام 94م ولإقصاءٍ وتهميش مُتعمَّد لكوادره وخبراته العسكرية خلال الفترة عينها. هاهو اليوم يُعامَل بالأسلوب ذاته وبالمصير نفسه من قبل قوات التحالف العربي ؛ لأسباب لا أعتقد أن من بينها ولو فرضية واحدة لوجود عقلية علي عبدالله صالح بالنسبة للحكم والتخطيط والخُبث واللؤم لكن البقر تشابه علينا !! فكانت النتيجة واحدة هي استبعاد الخبرات العسكرية المؤهلة والمجرِبة والاعتماد على الغوغائية والارتجاليه ، وبالتالي تغييب العمل العسكري النظامي والمنهجي والارتهان للمليشياوية والفئوية . من مصلحة دول التحالف العربي ،والسعودية بدرجة أساسية، في الجنوب هو إعادة بناء جيش نظامي على أسس وطنية يتسم فيها بالمهنية والاحتراف والتخصص ويتميّز بعلاقات طيبة ومصالح مشتركة واستراتيجات دفاعية مع دول الجوار ، وبالتالي خلق نوع من التوازن أمام الجيش العشائري والقبلي في الشمال الذي يكنُّ للسعودية والمنطقة عداءً واضحاً ويتحيّن فرصا مناسبة للانتقام جراء ما خلفته عاصفة الحزم في اليمن . المصلحة الحقيقية للتحالف هي إعادة بناء المؤسسة العسكرية الجنوبية (جيش وأمن) واستدعاء منتسبيها الذين سرحتهم وأقصتهم الأنظمة اليمنية المتلاحقة وترتيب أوضاعهم في هذه المؤسسات بعد استكمال تجهيزاتها فنيناً وتقنيناً . الدعم الحقيقي للمقاومة هو إعادة فتح وبناء الكليات والمعاهد والأكاديميات العسكرية الجنوبية لتأهيل شباب المقاومة وفق مناهج حديثة وأسس علمية وعلى أيادي الخبرات العسكرية والأكاديميين الذين أقصاهم وهمّشهم النظام اليمني ، ومصلحة المقاومة تبقى دائما في وجود جيش نظامي تندمج فيه وتحتمي إليه وتحفظ من خلاله المصلحة العليا للجنوب . إن الدرس في الشمال ،حيث عملت المليشيا على احتواء الجيش النظامي في إطارها وتحت تصرفها، كافٍ تماماً لأن تتعظ السعودية ودول الخليج بعدم تكرار هذه المأساة في الجنوب . هنا ورغم أن المقاومة قامت على أسس وطنية إلا أن دمجها واحتواءها ضمن جيش وطني محترف وتأهيل منتسبيها ضرورة أخلاقية على أقل تقدير ، أما محاولات تضييع ما تبقّى من كوادر الجيش الجنوبي بين "المقاومات" وتمييع قدراتهم وخبراتهم هنا وهناك لتتحكم بها كيانات أشبه بالمليشيات أو تعمل تحت توجيه "أطفال" لم يتقن بعضهم لبس البزة العسكرية بعد فهذا أمتهانٌ وتحقير للعُرف العسكري والمهنية والوطنية برمتها !! أعود في الأخير وأحاول -اجتهادا- وضع إجابة للفرضية التي أوردتها في المقدمة وأقول إن التحالف يلعب في الجنوب -حتى الآن - بشكل تكتيكات مرحلية وليس لديه أية استراتيجيات من هذا النوع ومنها بناء جيش وطني يُعنى بالجنوب ، وإن بعض دول الخليج العربي لديها إرث تأريخي وحساسيات من الجيش الجنوبي ؛ لذا فإن إعادة إنتاج هذا الجيش فيه مخاوف وإعادة نظر ، أو أن الجنوب كمنطقةِ نفوذ خليجي لم تُحدَد بعد لمن ستكون وماهي مقاييس وإمكانات الجيش الذي سيُبنى فيها !!