في أيام نظام المخلوع علي عبدالله صالح تمَّ التأكيد على المحسوبية أنها أحد شروط الحصول على المصالح المرتبطة بالدولة والتي عانى منها الكثير من الناس آنذاك ، وكانت المحسوبية نظام ظالم بكلَّ ما تحمله الكلمة من معنى ؛ لأنها معيار لا تتكافا فيه الفرص وسبل الحصول عليها ولا يتساوى فيهِ جميع أفراد الشعب ، فليس كلُّ مواطنٍ يريد الحصول على وظيفةٍ أو عمل أو مصلحة لديه أو أصدقاء في نِظامِ الحكمِ يسهِّلون له الحصول على مصلحتِهِ . وعلى هذا الأساس فقد اقتصرت المصالح على الأفراد والمقرِّبين أو الأقارب أو الأصدقاء الذين لهم أفراد محسوبين على النظام إما بقيَّة الشعب فلهم الفتات والبقايا . فبالرغم من قباحة المحسوبية وكونها سبباً رئيسيّاً في حصول كلَّ تلك المظالم في ذلك النظام البائد إلا أن الكثير من المسئولين المدنيين والعسكريين مازالوا يمارسون نفس الممارسات السابقة إلى يومنا هذا مما يدلُّ على أن النظام والقانون والكفاءة والمساواة استطاع ذلك النظام الفاسد أن ينتزعها من قلوب الكثير ممن كانوا يرفضون تلك المعايير الفاسدة وأسَّس لقناعة اللا قانون وعلى رأسها المحسوبية . وهذه هي المشكلة الحقيقية التي تقف أمام التأسيس لدولة النظام ، والقانون ، والعدالة ، والمساواة التي لن تقوم على أرض إلا متى ما قام رجالها بفرض مبادئ الدولة العادلة التي ينعم بها الجميع دون تمييز أو محاباة ؛ وهذا لن يتمّ إلا متى ما كان كلُّ رجال الدولةِ على يقين وإيمان صادق بمبادئ الدولة العادلة ودولة النظام والقانون ويسعون بكلِّ ما أوتوا من قوَّةٍ بفرضها على أنفسهم أولاً ثم جميع الناس بعد ذلك . ولهذا فإن ماعليهم هو إحترام تلك التضحيات وتلك الداء التي سالت وهي ترفض ذلك النظام الفاسد ، وأن يحقِّقوا أحلام الشهداء الذين قضوا نحبهم في سبيل التأسيس لدولة العدالة ودولة النظام والقانون وفاءً لتلك الدماء الزكية . فالدولة العادلة - ذات النظام والقانون - هي المكسب الحقيقي لكلِّ الناس بمن فيهم القائمين على تلك الدولة وليس العكس . فلا يوجد احدٌ مستفيدٌ من المحسوبيّة حتى ولو توهَّم البعضُ ذلك ، أو فرح ببعض المال ، أو الجاه ، أو السلطة ؛ لأن الإفساد شيءٌ تكرهه النفوس ، والفساد أمرٌ خاطئٌ ، الخطأ وعدم الصواب لا يأتي منه الخير أبداً مهما ظنَّ البعض ؛ ولأن الله لا يرضى بغير الحقِّ ، والحقُّ في المساواة والكفاءة وهذا لا يُخفى على عاقلٍ . فالعقل ، والمنطق لا يقبل بغير العدل الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعبادِهِ خصوصاً بعد كلِّ هذه التضحيات . والعدالة قانون يتساوى فيهِ الجميع بعيداً عن وجود الفروق والإمتيازات ، ولن تكون المحسوبية يوماً ما قانوناً عادلاً أبداً لما فيها من مخالفات صريحة لقانون العدالة الربّاني . كما أن المحسوبية متنافية تماماً مع الأخوَّة بين المؤمنين ؛ فالمؤمنون كُلُّهم أخوة ، وهكذا علَّمنا الله ، والمؤمن يحب لأخيهِ ما يحب لنفسه ، وهكذا علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم. وهما كان للفساد رجال فللحقِّ رجال ولن يتخلّى رجال الحقِّ عن الدولة العادلة ذات النظام والقانون والعدالة وفاءً لدماءِ الشهداء التي سالت وهي ترفض الظلم والفساد في كافَّة الميادين .