مر وقت طويل منذ تحرير عدن ولاتزال إذاعة عدن مهمله وميكرفونها مهجور فلم تسارع السلطة الشرعية على اعادة تشغيلها كما كانت التوقعات ، لكن السلطة ظلت صامتة وتتهرب وتسوّف في اتخاذ قرار شجاع بالسير في اعادة بث إذاعة عدن ، فكان من الواضح تعمد السلطة في موقفها هذا ، وإبقاء صوت اذاعة عدن مفقود، ويعود ذلك حسب اعتقادي لسببين الاول وهو الاهم حتى تتفادى ظهور خلافات حول الخطاب والنهج السياسي للإعلام الرسمي ومساره المرسوم من قبل الحكومة والذي لا يتفق مع بعض تطلعات الكثير في الشارع . والسبب الثاني حتى لا تتحمل السلطة اعباء ضخ مبالغ مالية للميزانية التشغيلية للإذاعة ، لذلك تركت باب صوت إذاعة عدن مغلق ولم تفتحه واخذت بالمثل الشعبي القائل ،، باب يجيك منه الريح سده واستريح ،، فطالت فترة غلقه وبدأت الحكومة تشعر بالحرج وهي ترى اهمية عودة اذاعة عدن وضرورة فتح بابها ، والسؤال المطروح اليوم هو .. هل اذاعة عدن ستقهر الظروف المحيطة بها وتعود لجمهورها ؟ الاجابة هي نعم متى ما شعرت القيادة السياسية بأهمية هذا الصرح الاعلامي وحاجتها لتوظيفه في خدمتها من خلال نشر الوعي وتوضيح الكثير من الحقائق للرأي العام في ظل انتشار اخبار وتحليلات خاطئة وبعيدة عن الواقع في كثير من الصحف الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ، وتقدر كذلك رغبة وشوق جمهور كبير من مستمعي إذاعة عدن لعودة سماع صوتها يصدح عالياً ، ومتى ما بددت مخاوفها من ردود الفعل على خطابها السياسي واتخذت خط متزن ونهج مقبول وتحلت بنوايا صادقة وعزيمة حقيقية لعودتها ، حينها ستعود الروح لإذاعة عدن ويعود بث اثيرها الذي اختفى عن سماء عدن بعد ان تعودت على استقباله في كل صباح يوم جديد لسنوات طويلة تفوق الستة عقود وتنثره في الهواء لياخذ اكبر مساحة في فضاء وطننا ويبلغ ابعد مدى تسمح بقذفه طاقة جهاز البث ليصل اثيره الى خارج الوطن . لقد جاءت التعيينات الاخيرة الذي اصدرها فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي في وزارة الاعلام ببارقة امل في عودة إذاعة عدن ، ولكن جاء لقاء الاخ صالح الحميدي وكيل وزير الاعلام لقطاع الإذاعات -وهذا المنصب استحدث حيث لم يكن في السابق بهذه التسمية، فقد كانتا الاذاعة والتلفزيون مشتركتان في منصب الوكيل - اثناء لقاءه مع موظفي إذاعة عدن في مبنى الإذاعة وطرحه لخطوات سير الوزارة في طريق تجهيز الإذاعة واعادة تشغيلها لم تحمل نوايا حقيقية لعودة سريعة لإذاعة عدن، وانما تمرير مساحة من الوقت وبناء الامال من خلال القيام باعمال الصيانة للمبنى ، ومثل هذا الكلام سبق ان سمعناه قبل عدة شهور حين اعطت توجيهات من الاخ المحافظ وصرفت مبالغ للقيام بالصيانة للمبنى، ولم تنجز بالشكل المطلوب ، واليوم كما يبدو ان السير في المشاريع هو من اجل اسدال ستار على توقف الإذاعة واعطاء صورة مزيفة باهتمام السلطة متمثلة في وزارة الاعلام واتخاذها خطوات لاعادة تشغيلها بينما في الحقيقة هي مجرد مسكنات ، فإعادة تشغيلها ، يتطلب فقط تخصيص ميزانية تشغيلية واستكمال تجهيز جهاز البث على الموجة المتوسطة الجديد في محطة الارسال بالحسوة ، واما ميكرفونها فهو سليم في استديوهات الاذاعة في انتظار من يخاطبه بعبارة هنا عدن . هنا عدن تاق لسماعها جمهور عريض من مستمعي إذاعة عدن ويتردد صداها في ذاكرة الكثير من مستمعيها فهذا المنبر الاعلامي الهام الذي تمثله إذاعة عدن العريقة والتي خلبت قلوب محبيها وعاشقيها وسحرت عقول والباب مختلف شرايح المجتمع لملامستها اذواقهم واضفاء نكهات خاصة عليها من خلال تناولها البرامج المنوعة التي تحاكي المثقف والعامل والجندي والاسرة ، فتابعها بل وادمن على سماع صوتها جمهور عريض وطرقت عبارتها ..هنا عدن ..القلوب قبل الاذان ، وبذل كوادرها ومبدعيها جهود جبارة في تطوير اداء عملها والاستفادة من الخبرات السابقة لهامات كبيرة من الفنانين والمثقفين والادباء ورجال الدين الذين اثروا مكتبة إذاعة عدن ببرامج متنوعة وهادفة واعمال درامية وغنائية جميلة وساحرة فاجتهدوا واضافوا عليها الجديد والمفيد والممتع حتى صارت هذه المكتبة هي الإرث الحقيقي لإذاعة عدن وكنزها الثمين فهي تزخر بالمئات من الاشرطة المتضمنة لكل ما قامت الإذاعة بتسجيله في استديوهاتها او في الحفلات والمهرجانات التي قامت بتغطيتها وتسجيلها خارج مبنى الإذاعة وذلك منذ تأسيسها في السابع من اغسطس 1954م الى يوم توقفها عن البث ودخولها في موت سريري إثر الحرب الظالمة التي قطعت اوصال عدن الباسلة وعرقلة استمرار عملها ، ويحتوي ذلك الكم الهائل من اشرطتها على تراث فني وثقافي هام فيه الاغنية والنشيد والاعمال الدرامية والبرامج السياسية والثقافية والدينية واللقاءات التي اجرتها الاذاعة مع شخصيات سياسية هامة ومبدعين في الادب والفن على مدى مسيرة عملها الطويلة ، كما خصصت بعض رفوفها لتحتضن الارشيف الوثائقي لحفظ جميع التسجيلات السياسية التي قامت بها الاذاعة لمهرجانات وخطابات سياسية واحداث وفعاليات هامة ومنعطفات سياسية خطيرة مر بها جنوبنا الحبيب وقد وثقت بالصوت لتكون خير شاهد للحقيقة ومرجع هام لمراحل التاريخ السياسي الذي مرت به بلادنا فيجب صون وحماية محتويات هذه المكتبة والعمل على نقله من النظام القديم وهو الاشرطة المغنطيسية الى النظام الرقمي الحديث للحفاظ على ثقافتنا وتاريخنا وجهود اجيال متعاقبة من المبدعين ، ولن يكون ذلك الا بعد عودة صوت اذاعة عدن من جديد والذي لا يبدو عزم السلطة على اعادته في وقت قريب.