كانت أولى عمليات إدارة الرئيس دونالد ترمب ضد الإرهاب فاشلة بالنسبة للأمريكيين وأكثر سوءا لليمنيين حيث قتل وجرح وشرد فيه عددا من القرويين ورأى البعض مواشيهم التي يعتمدون عليها من أجل كسب قوتهم قد قتلت أيضا. وتؤسس إدارة ترمب أول تغيير في استراتيجيتها الراديكالية في الشرق الأوسط عبر تصعيد التورط الأمريكي في الحرب الاهلية في اليمن. ومن المفترض أن يكون البلد الذي أنهتكه أعوام من الحرب المكان الذي ستواجه فيه التأثير الإيراني في المنطقة ككل. ومن أجل هذا الهدف، ستزيد الولاياتالمتحدة من دعمها العسكري للسعودية وللإمارات العربية المتحدة وحلفاء يمنيين في الداخل بدعوى قلب الطاولة على الحوثيين- وهي الحركة الشيعية المسلحة والقوية في شمال اليمن- والتي تقاتل بجانب الجيش اليمني، الذي يظل مواليا للرئيس السابق علي عبدالله صالح. إذا ما توجب الابتعاد عن ثمة حرب معقدة وغير منتصرة، فهي هذه رغم المزاعم السعودية، هناك ثمة دليل في ان الحوثيين يحصلون على المزيد من الدعم الإيراني فإنه أقل بكثير من ما تحصل عليه السعودية من الولاياتالمتحدةوبريطانيا. ولا يوجد مؤشر في ان القصف الذي تقوده السعودية والذي يستمر منذ عامين سينهي المازق العسكري. وان كل ما انجزه التدخل السعودي إلى الان هو جر اليمن إلى مجاعة عارمة. ويقول جامي ماكولدريك، مساعد الأممالمتحدة في الشئون الانسانية لليمن في مناشدة للمزيد من المعونات " يقترب سبعة ملايين يمني من المجاعة." لكن في هذه اللحظة بالذات التي تحذر فيها الأممالمتحدة من كارثة تواجه اليمن، منحت الإدارة الأمريكية تصريح من أجل استئناف تمويل السعودية باسلحة ذكية. وكانت مثل هذه الصفقات قد أوقفت في أكتوبر الماضي بقرار من الرئيس أوباما بعد أن قصف الطيران السعودي صالة عزاء في العاصمة صنعاء وقتل أكثر من 100 من المعزين. ومنذ أن بدات السعودية حملة القصف في مارس 2015، كانت الولاياتالمتحدة تمول طائراتها بالوقود وكان معها مستشارين في مراكز قيادة العمليات السعودية. وبالنسبة لاستمرار صفقات الأسلحة كل ما يقتضيه الأمر هو إذن من البيت الأبيض. 2.1 مليون طفل يواجهون المجاعة في اليمن ولعل العامل الغريب في قرار ترمب لخوض الحرب ضد إيران في اليمن هو أن الإيرانيين يقدمون دعما ماديا وعسكريا قليل جدا. وتتحدث الدعاية السعودية، غالبا ما تجد صداها في الاعلام الدولي، عن الحوثيين أنهم مدعومون من إيران بينما تعمل القوات السعودية البرية والجوية والبحرية على عزل اليمن تماما عن العالم الخارجي. حتى واردات الغذاء، التي يعتمد عليها اليمنيون كاملة، بدأت تواجه صعوبة في الدخول عبر ميناء الحديدة الذي دمر نصفه ويقع على الساحل الغربي اليمني. ولا يعتبر استئناف التمويل بالأسلحة والذخائر الذكية المؤشر الأول الذي ترى فيه إدارة ترمب اليمن كمكان جيد من أجل تطبيق استراتيجية الصقور في اليمن. وفي 29 من يناير، وبعد ايام من توليه السلطة، أرسل ترمب أكثر من 30 عنصرا من البحرية الأمريكية مدعومين بطائرات هيليوكابتر لمهاجمة قرية فقيرة في البيضاء، جنوباليمن. وحسب البنتاجون كان الغرض من الغارة جمع معلومات استخباراتية- لكنه ظهر انها محاولة فاشلة لقتل اواعتقال قاسم الريمي، زعيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ومهما كان غرض الهجوم، فقد تحول إلى كارثة دموية، قتل فيه 29 مدني في قرية يكلا مع أحد البحارة الامريكيين وهو الضابط وليام اونز. ويبدو تفسير البنتاجون لما حدث مشابها لمحاولات عديدة في التبرير لقتل وجرح المدنيين خلال النصف الثاني من القرن الماضي في فيتنام وافغانستان والعراق. وتحدث رئيس العمليات المركزية الأمريكية العميد جوزيف فوتيل في جلسة لمجلس الشيوخ أنه بين أربعة إلى 12 مدني قتلوا في الغارة مضيفا ان المراجعة التي أجريت بعد العملية أظهرت عدم فعالية الغارة سواء في سوء اتخاذ القرار أو الحكم السيء. من جانبها، حاولت إدارة ترمب إغلاق أي تحقيق عن ما حدث بالفعل في يكلا قائلة ان الاستجواب سيكون جارحا لموروث الضابط المقتول وليام اونز. وانتقدت هذه الخطوة. وواجه هذا الموقف انتقادات سريعة من والد الضابط القتيل، بيل أونز، والذي قال أن الحكومة مدينة لابنه باستجواب. وقال:" لا تتحججوا بموت ابني لمنع استجواب." وفي هذا الحدث، توارت البيت الأبيض والبنتاجون بنجاح نسبي من أي فحص حقيقي لتدمير هذه القرية البعيدة، ربما استنتجتا أنه لا يمكن لأي صحفي مستقل أن يقوم برحلة خطيرة إلى موقع الهجوم. لكن يدحض تقرير مطول حول الموضوع كتبته ايونا كريج ( صحفية بريطانيا كانت تعمل في اليمن) بعنوان " موت في يكلا" ويظهر في موقع مجلة انترسبت، يدحض النسخة الرسمية عن الاحداث والتي احتوت قليل من المعلومات الصحيحة. و اقتبست كريج كلام للناجين من القروين وهم يقولون ان فريق البحرية تعرض لإطلاق نار كثيف منذ البداية ثم بعد ذلك أرسلت مقاتلات الهيلوكابتر. وتقول في التقرير:" وفيما بدى على انه وجع أعمى، قصفت المقاتلات كل أجزاء القرية وخربت اكثر من عشرة منازل ودمرت المساكن الصغيرة المبنية من الحجارة التي تنام فيها الأسر وكنست اكثر من 120 ماشية وحمار." وقتل ما لا يقل عن ستة نساء وعشرة أطفال وهم نائمون في منازلهم عندما انهالت القذائف على أسطح المنازل المسقوفة بالقش والخشب أو أثناء خروجهم للعراء. وتقول إدارة ترمب كانت هذه" عملية ناجحة للغاية" وكان هناك هجوم على مجمع سكني محصن- عدا أنه لم يكن هناك مثل هذه المجمعات في القرية. وزعم ترمب انه تم الحصول على" كمية كبيرة من المعلومات الحيوية" واطلقت البنتاجون لقطات فيديو اخذت في القرية لتقر في النهاية ان اللقطات اخذت قبل عشر سنوات ولم تحوي شيء جديد. ومما يدعو للسخرية، فإن القرويين الذين ردوا على هجوم البحرية ينتمون إلى قوى معارضة للحوثيين وقوات موالية لصالح، وفي ليل الهجوم" افترضت قبائل مسلحة ان الحوثيين قد وصلوا للاستيلاء على القرية." وأدركوا أنهم يقاتلون الأمريكان فقط عندما رأوا أشعة ليزر تخرج من أسلحة القوات المهاجمة. ومع الرد على الفريق ومقتل واحد وجرح اثنين، فإن الطائرة MV-22 التي كانت ستلتقطهم من الموقع أسقطت وتوجب تدميرها بطائرة أمريكية أخرى. وتركز التغطيات الإعلامية على الحرب في سوريا والعراق لكن في تلك الدول يتابع ترمب والبنتاجون سياسات وخطط أوباما. وفي اليمن فقط بدأت تظهر سياسات جديدة لإدارة ترمب والتي بدأت تنفذ عمليات مواجهة الإرهاب ضد القاعدة- مهما كانت النتائج- ذبح المدنيين مع تغطية فاشلة. قد تلحق اليمن قريبا حروب أفغانستان والعراق في طموحات أمريكا التي لم تدخلها قط.