شكلت أول عملية لإدارة ترامب في مجال مكافحة الإرهاب فشلا للولايات المتحدة وأسوأ من ذلك بكثير للقرويين اليمنيين الذين لقوا حتفهم، وأصيبوا، وأصبحوا بلا مأوى، وكل مواشيهم، التي كانوا يعتمدون عليها في معيشتهم، قتلت جميعا. إدارة ترامب بدأت بتدشين أول تغير جذري لسياستها في الشرق الأوسط من خلال تصعيد التدخل الأمريكي في الحرب في اليمن. للأسف، فإن اليمن الذي عصفت به صراعات دموية لسنوات، ربما يكون البلد الذي سيبدأ ترامب فيه مواجهة النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط عموماً. وتحقيقا لهذه الغاية، فإن الولاياتالمتحدة ستزيد من الدعم العسكري للمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة وحلفائها المحليين في محاولة للإطاحة بالحوثيين -وهم حركة شيعية مسلحة قوية في شمال اليمن- الذين يقاتلون إلى جانب الكثير من عناصر الجيش اليمني، الذي لا يزال مواليا للرئيس السابق علي عبدالله صالح. إذا ما كانت هناك حرب بالعالم لا يمكن تحقيق أي انتصار فيها لكثرة تعقيداتها، فهي الحرب باليمن. وعلى الرغم من المزاعم السعودية، فهناك القليل من الأدلة على أن الحوثيين يحصلون على المزيد من الدعم من إيران وهذا أقل بكثير من الدعم الذي تتلقاه المملكة العربية السعودية من الولاياتالمتحدة وبريطانيا. ليس هناك ما يشير إلى أن القصف الجوي بقيادة السعودية، وعلى مدى عامين كاملين، قد حسم أي انتصار عسكري، سوى أن ما حققه التدخل السعودي هو جعل اليمن على مقربة من المجاعة. وقال جيمي ماكغولدريك، منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة لليمن في نداء للحصول على مزيد من المساعدات هذا الأسبوع، "إن سبعة ملايين يمني أقرب من أي وقت مضى إلى الموت جوعا". ولكن في اللحظة التي حذرت الأممالمتحدة حول الكارثة التي تواجه اليمن، أعطت وزارة الخارجية الأمريكية إذنا للاستئناف بتوريد الأسلحة الموجهة بدقة إلى المملكة العربية السعودية. عُلقت هذه المبيعات في أكتوبر الماضي من قبل الرئيس أوباما بعد أن قصفت الطائرات السعودية قاعة عزاء في العاصمة صنعاء، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 من المشيعين. ثمة عنصر غريب في قرار ترامب لاتخاذه هجوما ضد إيران في اليمن، وهو أن المساعدات الإيرانية للحوثيين لا تكاد تذكر مقارنة بالدعم الذي تتلقاه السعودية من الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة. الدعاية السعودية -كثيرا ما يتردد صداها من قبل وسائل الإعلام الدولية- تتحدث عن أن الحوثيين مدعومون من إيران، ولكن اليمن انقطع بالكامل تقريبا عن العالم الخارجي من قبل القوات السعودية البرية والجوية والبحرية. حتى الواردات الغذائية، التي يعتمد اليمنيون عليها كليا، يصعب إدخالها بصعوبة كبيرة عن طريق ميناء الحديدة المحطم نصفه بسبب الغارات السعودية المكثفة. استئناف توريد الذخائر الموجهة بدقة ليست أول إشارة إلى أن إدارة ترامب ترى اليمن كمكان جيد لوضعها موضع التنفيذ لاستراتيجية أكثر تشددا في المنطقة، ففي 29 يناير، بعد أيام من توليه منصبه، أرسل ترامب حوالي 30 عضوا من فريق قوات البحرية الأمريكية، مدعومة بطائرات هليكوبتر لمهاجمة قرية فقيرة تدعى الغيل في محافظة البيضاء وسط اليمن، والغرض من هذه الغارة، وفقا للبنتاغون، جمع المعلومات الاستخبارية، على الرغم من أنها فشلت في قتل أو اعتقال الهدف المطلوب، قاسم الريمي، زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. مهما كان هدف تلك الغارة فإنها سرعان ما تحولت إلى فشل دموي، وأسفرت عن مقتل 29 مدنيا يمنيا، وجندي أميركي. رواية البنتاغون عما حدث بالغيل تشبه كثيرا محاولات تفسير مقتل المدنيين بفيتنام وأفغانستان والعراق خلال الخمسين عاما الماضية. وقال رئيس القيادة المركزية للجيش الأمريكي، الجنرال جوزيف فوتيل خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ إن ما بين أربعة و12 مدنيا قد قتلوا في الغارة، مضيفا "اتخذنا قرارا على أساس أفضل المعلومات المتوفرة لدينا لكن ذلك تسبب في سقوط ضحايا، ما بين أربعة و12"، مضيفا أنه يقبل تحمل المسؤولية عن أوجه القصور في العملية. من جانبها، حاولت إدارة ترامب إغلاق أي تحقيق في ما حدث في قرية الغيل بالقول إن التحقيق سيكون إهانة لإرث وليام أوينز الذي قتل هناك. وقد انتقد هذا الموقف على وجه السرعة والد القتيل، بيل أوينز. في هذا الحدث، يعتقد البيت الأبيض والبنتاغون أنهم سيخفون بنجاح الكوارث والتدمير الذي تسببوه في تلك القرية اليمنية النائية، وربما يعتقدون أنه لن يتمكن أي صحفي مستقل بالمخاطرة إلى موقع الهجوم. لكن الصحفية البارزة ايونا كريغ البريطانية، خاطرت بنفسها إلى موقع الهجوم وكتبت تقريرا مطولا، بعنوان "الموت في قرية الغيل" ونشرته مجلة التحقيقات والاستقصاءات "ذي انترسيبت"، كانت رواية مقنعة للطعن في الرواية الرسمية من قبل البيت الأبيض والبنتاغون. ايونا كريغ التقت بالقرويين الذين نجوا من العملية، أكدوا لها أنهم تعرضوا في البداية لإطلاق نار كثيف من الجنود الأمريكيين وطائرات الهليكوبتر، قصفت الطائرات القرية بأكملها، وضربت أكثر من اثني عشر مبنى، وتهدمت المساكن الحجرية حيث تنام الأسر، وقتلت أكثر من 120 من الماعز والأغنام والحمير. "ستة على الأقل من النساء و10 أطفال قتلوا في منازلهم عندما مزقت القذائف منازلهم الصغيرة. تقول إدارة ترامب إنها كانت "عملية ناجحة للغاية"، وإنه كان هجوما على مجمع محصن للقاعدة، إلا أنه لا توجد أي من هذه المجمعات العسكرية في القرية. ادعى ترامب أنه حصل على معلومات مهمة للغاية وعرضت وزارة الدفاع الأمريكية لقطات فيديو ادعت بأنها حصلت عليها من قرية الغيل، لكن سرعان ما اكتُشف أن الفيديو يعود إلى عقد من الزمن. ومن المفارقات، أن القرويين الذين قاتلوا فريق البحرية الأمريكية ينتمون فعلا إلى قوات المعارضة ضد الحوثيين والقوات الموالية لصالح. وكان أهلها يعتقدون في بداية الغارة بأن الحوثيين والقوات الموالية لصالح هاجموا قريتهم للسيطرة عليها، ولم يتبينوا حقيقة الأمر إلا بعد أن رأوا أشعة الليزر تصدر من أسلحة الغزاة. دأبت وسائل الإعلام في العالم على التركيز على ما يجري في العراق وسوريا، إلا أن إدارة ترمب تتبع في هذين البلدين -إلى حد كبير- سياسات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. اليمن صار مكانا لظهور السياسات الجديدة لترامب بالمنطقة، على حساب الأبرياء المدنيين الذين تم ذبحهم. اليمن ربما تنضم قريبا لأفغانستان والعراق، حيث ستتمنى أميركا لو أنها لم تدخلها أبداً، فاليمن عصية ومعقدة. * كاتب بريطاني شهير