هناك مقولة في السياسة ( إذا لم يعجبك ما على الطاولة فاقلبها ) لإعادة ترتيب الأمور بشكل جديد أفضل أو بما يتناسب مع المصلحة العامة. لا أعلم لماذا أعتقد أن اللواء عيدروس الزبيدي هو من قلب الطاولة ويريد أن يغير قواعد اللعبة، فتصريحه " الصريح " عن الأوضاع ودور الحكومة في العرقلة وعدم الالتزام، كان جريء جداً ولم يكُ متوقعاً، والسياسة تحتاج إلى استراتيجية، والتخطيط الاستراتيجي هو علم عسكري في المقام الأول. وعيدروس لم يعد ذلك القائد الفذ في ميادين القتال والجبال فحسب ويمثل رجاله وأهله، ولكنه أصبح اليوم أكبر بكثير ويمثل الكثير، أثبتت الأيام أنه رجل ذو كاريزما، أقلق الكثيرين من رموز السلطة والشرعية، وبات القضاء عليه هدف أهم من القضاء على مليشيات الحوثي وعصابات علي عبد الله صالح، سيصبح قائد سيقلب موازين القوى في اليمن، وسيصبح للجنوب ثِقَل، غير تلك القيادات المهترئة والتي يجري في عروقها الفساد منذ عقود، ولن يتم إعادة تغيير الوضع الجيوسياسي لليمن فحسب بل حتى التركيبة الديموغرافية الحالية للجنوب، ما سينتج عنه سيطرة كاملة للجنوبيين على أرضهم ومصيرهم، وستعود الندية في التعامل في مختلف المسائل والقضايا المصيرية؛ هناك قوى جنوبية استقرت ما سيحدث، فبدلاً من أن تكون جزء من الحل أصبحت جزء من المشكلة، اعتقدوا أن الوضع استقر والحرب وضعت أوزارها، وبدأت تبحث عن لعب دور أكبر في العاصمة عدن، ونحن جميعاً نعرف أهمية عدن ومكانتها، ولكنهم للأسف أهملوا أهم مُعطى وهو أن عدن لازالت جريحة تحتاج إلى تضميد جروحها، لازالت في حاجة إلى أبناءها جميعاً، فلا يهم من الذي في المقدمة، وعيدروس ليس في المقدمة بل هو على نفس الخط الذي يصطف عليه أبناء عدن والجنوب كافة. اللواء عيدروس الزبيدي قائد عسكري متمرس ويعلم جيداً أن قوىً تريد أن تجره إلى معركة قد حددوا ميدانها وتوقيتها، وأعداءه هم أعدائنا ويريدون جرّه إليها، وإذا أنساق لمعركتهم سنخسر جميعاً هذا مؤكد، ومن الطبيعي في أي صِدام أن تكون هناك خسائر، لكن الخسائر المحسوبة تكون أهون الشرين - كما يُقال - والطرف الذي يستطيع أن يتحكم بالميدان والتوقيت وحساب الخسائر سينتصر.. وصراحةً لدي قناعة أن أي شخص مسؤول ليس بالضرورة الدفاع عنه وإذا أخطأ فلا يستحق الدفاع عنه؛ وبالنسبة للواء عيدروس الزبيدي عمله وانجازاته، ترسه ودرعه، فإن فشلا في الدفاع عنه فهو من صنعهما، ومنصب المحافظ ليس النهاية وما هو إلا خُطوة في طريق نهضة الوطن، والقرار بيد الشعب، وعيدروس منذُ اليوم الأول ينصاع لإرادة الشعب.
المسألة ليست إني ضد عيدروس أو معه، فالمسألة لا تؤخذ بهذه الطريقة فشخصنة الأمور لا تترك فرصة للعقل والمنطق لقراءة الواقع والمتغيرات لإيجاد حلول أو حتى تسويات سياسية، فيبرز أشخاص يعتبرون المصلحة الشخصية والمصلحة الوطنية وجهان لعملة واحدة، وهؤلاء أسوأ أنواع الساسة، حيث يخلطون بين المصلحة الشخصية السياسية وبين الطموح السياسي، فالأخير يكون في ظل دولة ووضع سياسي مستقرين. وفي الأخير عيدروس أصبح رمز لا يمثل منطقته وإنما يمثل مرحلة جديدة وعهد جديد، فرضته إنجازاته وتاريخه ويده النظيفة، وفرض هذا العهد أيضاً حب الجنوبيين له وثقتهم فيه، وننتظر تطور يُحدِث تغيير جوهري في الوضع السياسي وشكل الشراكة بين الجنوبيين والشرعية والتحالف.