سوف تظل مسألة هيبة الدولة واحدة من شواغلنا المعاصرة اذ ان هناك خلطا واسعا بين هيبة الدولة والانظمة الدكتاتورية، مع محاولة لربط بينها وبين مركزية الحكم في العهود الشمولية حتى وقر في أذهان الكثيرين ان الديمقراطية تعني التنسيب واللامبالاة وحق المواطن في ان يفعل ما يريد متى شاء وبالطريقة التي تروق له وهو مخلوط يعبر عن ميراث اجتماعي مترهل لا يعكس روح العصر ولا يدفع نحو التطور ولا يفتح الطريق الى المستقبل.. أن من المعايير المهمة التي يقاس بها تقدم الامم ورقيها احترام النظام العام والشعور العام والنفع العام والمال العام والامن العام والسكينة العامة والقانون والسلام الاجتماعي وردع كل فوضوي مخالف بدون هوادة او مجاملة او محسوبية يسيء الى سمعة الدولة وهيبتها . زيد القانون ينطبق على الصغير والكبير نزيد قانون تنفذ لوائحه ونظمه .. لا نريده قانون يظل حبرا على ورق اذا لم يجد من ينفذه تمت صياغته بعيدا عن مشاركة المتأثرين به، واذا كان سابقا لتطور المجتمع او متأخرا عن هذا التطور كما يظل حبرا على ورق اذا لم يجد من ينفذه او يراقب الالتزام بقواعده.. ان ما يجري اليوم في بلادنا انتشار ظاهرة خرق القانون وتجاوزه والتحايل عليه والالتفاف حوله ادت هذه المخالفات الى زعزعة هيبة الدولة وبدء القلق يتسرب الى قلوب المواطنين نتيجة لذلك.. وأصبح من السهل جدا ان ترى مخالفات جسيمة لقوانين قائمة فعدد كبير من المواطنين ينشئون أبنية عشوائية مخالفة للتخطيط الحضري ويلقون بقامتهم في الطريق العام ( عيني- عينك) لا خجل ولا حياء ويستخدمون مكبرات الصوت في أنشطة متنوعه ولأغراض مختلفة وإطلاق الاعيرة النارية (بنادق وطماش) وغيرة ليلا ونهارا بأسلوب يهدد راحة المواطنين وحقهم في السكينة والتركيز ويلصقون الاعلانات او يكتبونها ويشوهون بها الابنية ويهدمون الابنية بغير ترخيص ويقومون بالاستيلاء على اراضي الدولة او على ممتلكات المواطنين.. كما تقوم كثير من المنشآت والانشطة بألقاء مخلفات الصرف الصناعي والصحي في المجاري والقاء مخلفات الهدم والبناء على الأرصفة او في عرض الطريق العام كما تلاحظ الباعة والمحلات التجارية( البسطات العشوائية وتقام صالات العزاء والافراح في الشوارع (عيني- عينك)).. وترى البعض وهم يقودون سياراتهم في الاتجاهات الممنوعة مستخدمين الات التنبيه بصوت مرتفع مزعج وأصبح من المألوف ان يقارن المواطنون بين ما يحدث عندنا وما يحدث في بلدان مجاوره لنا حديثة العهد بالتحديث والمدنية وتكون المقارنة فيما يتعلق باحترام القانون في مصلحة هذه البلاد ووجود الهيبة لها.. ان التساهل مع جميع من يخالف القوانين او يتحايل عليها انما يؤثر في النهاية عبى هيبة الدولة : لأن أهم وظيفة للدولة تظل هي أعمال القانون ومراقبة تطبيقه وفرض احترامه على المواطنين والمؤسسات دون تمييز بين غني وفقير ، كبير أو صغير قوي أو ضعيف، تطبيقه بحزم دون تهاون لأنه بغير هذا تتأثر وتهتز وتضيع هيبة الدولة. أن المبدأ التقليدي المستقر في الدساتير الحديثة والذي يقضي بالفصل بين السلطات الثلاث : التشريعية والقضائية والتنفيذية انما يقدم ضمانا لازما لتأكيد هيبة الدولة ورسوخ احترام القانون وسيادة مفهوم النظام العام. لذلك فأن طغيان أحدى هذه السلطات – خصوصا التنفيذية- على غيرها أنما يعني بالضرورة افتقاد مناخ الحريات وغياب سيادة القانون. لذا فأننا نوضح أن هناك رموزا تبدو في ظاهرها بسيطة ولكنها في واقع الامر تعتبر مقياسا لهيبة الدولة كلها بدءا من احترام المجتمع للقاضي ، ومرورا بمهابة ضابط الشرطة ووصولا الى رجل المرور الذي ينظم حركته حتى ان الحكم على هيبة الدولة يبدو للوهلة الاولى من طبيعة السلوكيات في الشارع العام والعلاقة بين السيارات والمارة بين الركاب والمشاة.. أن هيبة الدولة في لنهاية – وبكل المعايير المقارنة- هي كل لا يتجزأ وصفقه متكاملة فيها القانون واحترام والعدل وشيوعه والاقتصاد واستقراره ، والديمفراطية ورسوخها والحريات واحترامها .. أننا نعرف هيبة الدولة من رموزها ونتعرف عليها من مظاهر وجودها الى ان الإحساس العميق لدى الجميع بالانتماء للوطن . كان دائما هو الاب الشرعي للحضارة ومركز الثقل عبر التاريخ وحامل الشعلة على مر العصور.