أحببت ان استهل كتابة هذا المقال بقصة واقعية أنتهت بمأساه حقيقية ؛ تلك هي قصة الطفلة (سجى) ؛ سجى الطفلة التي دعاها حظها العاثر ان تخرج الى هذه الحياة في مستشفى لودر ؛ فوقعت بين يدي احدى القابلات ممن كانت تعمل وقت ذلك فأجرت لها الخطوات اللاحقه كأي طفلة مولودة ؛ واخرجت الطفله من المشفى بعد أقل من نصف ساعه ؛ فكانت حالة وضع طبيعية لمولودة مكتملة وفي موعدها المحدد طبيآ !!! (سجى) لم تكن تعلم بان ذلك المشفى هو من عجل سبب وفاتها عندما أخطأ منذ الوهلة الاولى وفي أول إجراء ؛ قطع الحبل السري للمولود عند الولادة يستوجب إستعمال أدوات معقمة بل وشديدة التعقيم حتى لا تنتج مضاعفات كتجرثم للمولود عند قطع الحبل السري ؛ فبعد مرور اسبوع على بدء حياة الطفلة سجى ظهرت عليها آثار صعوبة التنفس فأسرعنا بها الى المشفى كان الوقت حينها السادسة صباحآ فأدخلناها غرفة الطوارئ ظللنا نصيح ونطلب الاطباء والكادر الطبي فلم نجد غير طاقم متطوع يمارس التمريض لا يفقهون شى في التطبيب !!! حاولنا الإتصال ببعض الأطباء والممرضين ولكن دون فائدة ؛ بدأت حالة الطفلة تتفاقم فلم يكن امامنا سوى السماح لاولئك المتطوعين لتركيب ابرة المثبت الوريدي ومع ذلك لم يستطع أحد منهم تركيبها فأستمروا في المحاولات لاكثر من نصف ساعه ولأكثر من عشر محاولات بأدخال الابره في الجلد ثم اخراجها دون فائدة تذكر ؛ وطلبنا اسطوانة غاز الاكسجين ولم نجد إحداهن جاهزة ؛ وذهب أحد المتطوعين لتجهيزها وإحضر ثلاثة اسطوانات أخضعهن للتجربه على الطفلة وبطريقة غير مجديه !!!! بدأت الطفلة تظهر عليها أثار الموت والفتور والشحوب ؛ فقالوا اتجهوا بها الى غرفة عمليات الولادة حيث يتواجد الاكسجين الافضل فنقلناها مسرعين بحثآ عن الاكسجين فذهب احدهم يبحث عن القابله التي تحوز على مفتاح تلك الغرفة فجاءت وادخلتنا فسلمتنا اسطوانة الأكسجين دون ان تكلف نفسها تركيب أنبوب الاكسجين ودون الاكتراث لحال الطفلة وأكتفت بالقول أجعلوا انبوب الهواء ملامس لأنف الطفله ثم انصرفت وتركتنا لأنفسنا مع الطفلة التي تعاني من صعوبة التنفس !!! حينها حضر أحد الاطباء وكشف عنها وقال أعيدوها الى قسم الطوارى فالطفلة بحاجه الى سوائل وريديه فأعدناها الى الطوارى الا اننا لم نجد من باستطاعته تركيب إبرة المثبت المسماه فراشه او كانولا ؛ فأعطونا رقم هاتف أحد الموظفين يقال إنه بارع في تركيب أبر التثبيت فأتصلنا به الا انه اعتذر عن الحضور بحجة ان لديه عمل خاص في احدى العيادات الخارجية ؛ ولم يكن لدينا وقت لاخراج الطفلة الى مكان اخر كون حالتها لم تعد تتحمل الانتقال ؛ حينها حضر طبيب آخر وحاول مع بعض من المتطوعين حتى تم تركيب أبرة المثبت واعطائها بعض السوائل الوريدية وبعض الحقن وأجراء الكشف على جسد الطفلة فقال متعجبآ وهو يكشف علئ موقع الحبل السري هذا( كزاز) أين تمت الولادة فأجبته سريعآ عندكم هنا بالمشفى فألتفت الى زميله وصمت !!! حينها عرفت ان الأدوات المستخدمة عند الوضع لم تكن معقمه وتسببت في تجرثم الحبل السري ؛ فكان القيح او ما يسمى بلغه الطب (Abcess) ظاهر للعيان عندما ضغط ذلك الطبيب على الحبل السري فخرج ذلك التجرثم ؛ وادركت كذلك لو ان الولادة تمت في مشفى اخر او في منزل سيرجعون سبب ذلك التجرثم الى عدم تعقيم الاداة المستخدمة في قطع الحبل السري ؛ فما هي الا لحظات حتى فارقت الطفلة سجى الحياة وصعدت روحها الى بارئها وهي تبتسم في مشهد تقشعر منه الابدان !!! بهكذا انتهت حياة الطفلة سجى وهكذا هي آليه عمل مستشفى لودر الذي لم يقم بأدنى أجراء طبي أو اداري فلم تكلف الإدارة نفسها حتى بتدوين حالة الوفاة واثباتها وكأن الامر طبيعي ولم يحصل شيء الى هذا المستوى يصل بنا الحال في الاستهتار بالارواح الى هذا المستوى يصل عدم الاكتراث بفلذات اكبادنا الى هذا الحال يصل التسيب والاهمال والتقصير في مرافق الصحة الى هذا المستوى بلغ التردي في عمل ملائكة الرحمة ؛ لا أستطيع ان أصف مقدار دهشتي وصدمتي لذلك الموقف والطريقة والاجراءات التي تمت ؛ ولكن ما شد انتباهي اثناء المعمعه التي مررت بها أن كل المتواجدين في ذلك المشفى يجعلون جل اهتمامهم في الحالات التي ترتاد المشفى وتعاني من إسهال فيهرعون فقط الى تصويرها واثباتها وقيدها في السجلات الخاصه بالكوليرا ؛ بغض النظر عما اذا كانت تندرج ضمن حالات الاسهال الحاد او الكوليرا من عدمه ؛ مكتفين بترقيدها في ذلك القسم ثم التخابر فيما بينهم بارتفاع عدد حالات الاصابه بالكوليرا !!! حينها تكشفت لي الكارثه ان ذلك الاهتمام المبالغ فيه لم يكن بوازع عملي او اخلاقي او دافع نبيل وانما من اجل لفت انظار القنوات والجهات الحكومية بأنتشار وباء الكوليرا ومن ثم رفد ذلك المشفى بالادويه وجلب التبرعات من الجهات الحكومية والخيرية واستمرار المنظمات في ارسال مبالغ ماليه لثله ممن يعملون بذلك المشفى سواء كانوا موظفين رسميين او متطوعين كمكافئة لهم لجهودهم الطبية !!! هكذا تنتهي الاخلاق ويموت الضمير عندما يختلط جشع المال مع مهنة الطب الساميه ؛ وهكذا يستفحل الفساد في اهم مرفق طبي عندما يسمح للموظفين المختصين والمؤهلين والمكلفين بعلاج ومعاينة المواطن بالبقاء في المنازل او ممارسة اعمال خاصة مقابل استقطاع جزء من مرتباتهم واستقطاب اشخاص لا تتوفر فيهم ابسط مقومات العمل كمتطوعين مقابل تلقيهم مبالغ ماليه زهيده لتسيير عمل المرفق في اهمال متعمد للمرافق الحكومية !!! هكذا تهدر مبالغ الموازنات التشغيلية ومبالغ الاستقطاعات من المرتبات ومبالغ التبرعات الحكومية والخيرية ومبالغ دعم المنظمات لصالح افراد اشباعآ لرغباتهم الجشعة مستغلين غياب النظام والقانون غير آبهين بالارواح البريئه ؛ كل ذلك يتم علئ حساب المواطن وحقه في تلقي العلاج والرعاية من اشخاص مؤهلين وذو كفاءة اوجب عليهم القانون القيام به !!! هنا تظهر لنا تساؤلات كم عدد الحالات التي لم تتلق الرعاية الطبية الصحيحة ؟؟؟ و كم عدد حالات الوفاة الراجعة الى إهمال واخطاء طبية لعدم وجود كادر مختص ؟؟؟ و كم عدد حالات الوفاة التي حصلت لم يعلم سببها لدى ذوي المتوفي لقلة وعيهم او نظرآ لاستسلامهم بوضع حال البلد ؟؟؟ وما سبب تجاهل السلطة المحلية بالمحافظة لحقيقة ما يجري ؛ وما سبب عدم وجود جهه رقابية تفتيشية تختص بالمراقبة الحثيثة للاداء الوظيفي في اهم مرفق صحي يعنى بحياة المواطنين !!! فهل مات الضمير الحي عند كل هولاء مقابل الاسترزاق والحصول على اموال مشبوهه عائدة من سياسة الفساد المسموح بها والمعمول بها على مرأى ومسمع الجميع !!! لم أشرع في كتابة ذلك الا بعد التريث والتردد على ذلك المشفى لعدة مرات وذلك للاطلاع والتعرف عن كثب للطريقة والآليه التي يدار بها وكيفية التعامل مع المواطن المريض ؛ فوجدت من الاساليب والطرق البارعة في الفساد والتضليل ما يشيب له راس ولدآننا ؛ سوف نكشفها في مقالات ومنشورات توضيحية لاحقه .....!!!! ان السبب الذي دفعني الى كتابة ذلك هو حجم الألم ومقدار الجزع وعمق الجرح الذي ألم بي عند تذكري لسبب وفاة الطفله سجى ؛ والخوف من تكراراها او الاستمرار فيها بحق اطفال اخرين لا حول لهم ولا قوة ؛ فتزهق ارواحهم ويدفعون حياتهم ويخسر الاهالي فلذات اكبادهم ويعانون حرقة فراقهم بسبب سياسة الجشع وطمع حب المال لدى الجهات المسؤلة وممارسته على مرأى ومسمع ومباركة من الجميع !!! وينبغي علينا عدم السكوت عن حال المرافق الصحية والآلية التي تعمل بها ؛ ويحتاج الامر الى وقفة جادة من الجميع جهات حكومية ومواطنين ومنظمات وإعلاميين والمطالبة بتفعيل دور الجهات الرقابية المتولية تقييم عمل المرافق الصحية وإظهار الجهات والاشخاص المستفيدين من ذلك وتحديد مسؤلية كل منهم تمهيدآ لمحاسبتهم وفقآ للقانون ووصولآ الى أداء وظيفي وخدمي بما يحقق مصلحة الوطن والمواطن !!!
والله من وراء القصد وهو الهادي الى سواء السبيل...... !!!!