لأول مرة في التاريخ المعاصر يظهر مقاتل على شاشات التلفزيون بعد أسره ليعلن استعداده للقتال في صفوف خصومه، (ذلحين نرجع معاكم وما بش حصل خير)، هكذا بكل بساطة قالها الشاب المحسوب على جماعة الحوثي عندما كان محاطاً بجنود تابعين لشرعية الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، وهو يتعاطي القات ويلوح بيده بقنينة ماء بارد منحه إياها أعدائه بالأمس ممن عرض عليهم الاستفادة من قدارته القتالية مقابل عتق رقبته. قد يبدو المشهد الذي بثته قناة يمن شباب، لمعارك في صرواح مأرب مؤخراً في مجمله سريالياً، أو مجرد جزء من حلقة في برنامج الكاميرا الخفية، لكن في أرض اليمن العجائب تتحقق على مدار الساعة، وتكاد تنهمر مثل المطر، خصوصاً في زمن فوضى الحرب،! والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا، ما هو المنطق الذي دفع بهذا المحارب ليتفوه بهذه الكلمات ببراءة وسذاجة، وكأنه كان يشارك في لعبة استغماية أو جولة شطرنج، حاجته للعشرين ألف، وكسوة العيد، كما قال، مزايا الضمان الاجتماعي، ووو.. إلخ. كل هذا جائز، حتى تعميم هذا النموذج الحي الصغير، على تجارب سياسية عشناها طوال السنوات الثلاث الأخيرة ومن المتوقع أن نصادف تقلبات مواقف شخوصها الكبار في أي لحظة. هنا أذكركم فقط برئيس حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء عبدالعزيز بن حبتور، الذي كان واحداً من أقوى رجالات عبدربه منصور هادي عندما وقع تحت الأسر في صنعاء، وهدد من عدن بطلب النجدة من دول الجوار لوضع حد لمغامرة الحوثيين بعد السيطرة على صنعاء وكل الشمال، ثم اختفى مع بداية الحرب ليظهر في العاصمة اليمنية معلناً العداء لهادي وشلته. أحمد عبيد بن دغر، هو الآخر كان محسوبا على علي عبدالله صالح، وجلس إلى جواره عندما أطلق تهديده قبل أيام من اجتياح عدن للقيادات الجنوبية بتحديذ منفذ واحد للهروب هذه المرة عبر البحر، انطلقت عاصفة الحزم فانضم إلى مؤتمر هادي، وعين لاحقا رئيساً للوزراء، وها هو اليوم يعبث بعدن. أليست غالبية حكومة الرئيس اليمني من صنيعة نظام الرئيس السابق وربما تدين له بالولاء حتى اللحظة، ألم تهدد قيادات في الإصلاح علانية أو ضمنياً بفرط التحالف مع السعودية والإمارات والالتحاق بجبهة صنعاء، في حال مورست ضغوط بحق قياداتها بعد أزمة قطر، و تضييق الخناق على مواردهم المالية المفتوحة من الرياض أو الدوحة، مطالبة بالقضاء على المجلس الانتقالي الجنوبي بقرارات من هادي مثل التي أصدرها بالأمس. من هنا نخلص إلى أن هذا الشاب هو أبن الطبقة السياسية النفعية التي ترعرع في أحضانها، سمع وشاهد العشرات ممن بدلوا جلودهم لأن مصالحهم تغيرت وموازين القوة اختلفت، فالمانع إذا من أن يبدل موقعه في ميدان القتال عندما تقتضي الحاجة وأي حاجة ينشدها غير أن يبقى على قيد الحياة حتى ولو كان قد قبل أن يظل أحد أدوات الحرب القذرة في بلاده اليمن. قصة هذا المقاتل تستوجب عقد مقارنة بسيطة بين حالته البائسة وحال العشرات أن لم يكن المئات من أمثاله ممن يقادون للمحرقة بثمن بخس ووعود كاذبة بمقعد وظيفي أو مكافأة نهاية جولة من الصراع، تسد رمقه ورمق أسرته، فأي شخص في مكانه من السهل خداعه والتلاعب بعقله وجعله عجينة بالإمكان إعادة تشكيلها للاستثمار في سوق النخاسة الحربي.