مررت الحكومة اليمنية بدعم مباشر من التحالف الذي تقوده الرياض منذ ما بعد تسلم حلفاء القتال الجنوبيون مهام الإدارة والأمن في مدينة عدن الساحلية، دعمًا هائلًا لوحدات عسكرية وأمنية، لكن أيًا من هذا الدعم لم يوجٌه لتفعيل جهاز المخابرات الغائب فعليًا منذ عامين ونصف، عدا حضوره في الصورة شكليا. الاختراق!..
حينما قاد الحوثيون المدعومين من طهران مع حلفائهم من قوات الرئيس السابق، حربهم على الحكومة اليمنية، قبل تقدمهم جنوبًا، شكل عمل الجهاز المخابراتي حينها، عاملًا مكّن تحالف القتال شمالًا من إحداث اختراق واسع للجبهة الداخلية جنوبًا وهذا ساعد على ترجيح كفتهم في البداية وتحقيقهم تقدمًا لافتًا وقت ذاك.
بعدما قاد الحوثيون انقلابهم على السلطة الرسمية في البلاد، بدأ يتكشف على مراحل ان نفوذ الرئيس السابق لايزال وبأنه ممسكًا بأهم مفاصل جهاز المخابرات، ورجّح مراقبون تقديمه دعمًا بارزًا لإنجاح الانقلاب على حكومة الرئيس اليمني التي بدت معتمدة على بعض حلفاء الرئيس الجغرافيين في الجهاز لكنها لا تملك سيطرة أو نفوذ في الجهاز.
خرج الحوثيين مع حلفائهم من قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح من مدينة عدن الجنوبية بعد عدوان دام قرابة الأربعة الأشهر، بعدما أطلقت قوات التحالف العربي حملة عسكرية لتحرير رباعيات المدينة الحيوية، قادتها على الأرض فصائل جنوبية مقاتلة.
خلايا العنف تضرب..
بيد ان فصائل وتنظيمات مسلحة يعتقد أنها على صلة بتنظيم القاعدة، استغلت غياب المؤسسة العسكرية والأمنية في المدينة الجنوبية، وضربت عنيفًا في عديد مناسبات تجمعات لمقاتلين محليين ومراكز عسكرية وأمنية ونفذت عمليات اغتيال منفردة طالت قادة مدنيين وعسكرين وأمنيين كان أبرزها صباح الخامس من ديسمبر/ كانون الأول حينما ركنت سيارة مفخخة في طريق موكب المحافظ اللواء جعفر محمد سعد وقتلت الأخير في الحال في مديرية التواهي جنوبي غرب عدن. إرهاب منظم!..
طيلة حكم الرئيس السابق توغل هذا الأخير في جهاز المخابرات وكان قد أوكل عدد كبير من ضباط وعناصر الجهاز لتنفيذ مهام أمنية في المحافظات الجنوبية والبعض منها أرتبط بشكل كبير بوقوف الأخير وراء هجمات إرهابية استهدفت مواقع حكومية وقادة سياسيين وعسكريين وبدت هذه العمليات منظّمة وقادتها عناصر جهادية بارزة، قبل إن يتضح لاحقًا أن صالح الممول الرئيس لها.
يجمع مراقبون جنوبًا، أن هزيمة صالح العسكرية في عدن كما بدت، دفعت الرجل لإطلاق معركة من نوع آخر، حيث أعاد الرجل الدفع بعناصره في المخابرات لتنفيذ هجمات وعمليات استهدفت بالدرجة الأولى الأمن والقضاء، وهو ما بدا بأنه استراتيجية صالح في حربه الجديدة حيث يهدف لمنع أي تقدم في ملف استعادة الدولة التي تبدأ بالضرورة من القضاء والأمن.
من جانبها بدا حضور السلطات الرسمية وقوات التحالف العربي خجولا ولم ترد بخطوات توازي التحركات التي قادها صالح، وهو ما تداركته سريعا بتشكيل قوات أمنية متخصصة بفرض الأمن ومكافحة الإرهاب نفذت حملات شملت العاصمة عدن وعدد من محافظات الجنوب في مرحلة سابقة ونجحت في لجم جماح خلايا الاغتيالات والإرهاب إلى حد كبير خلال فترة وجيزة، وتستكمل حاليا حملتها في محافظتي أبين وشبوة.
الحلقة المفقودة!.. يوجد في عدن عدد هائل من الفصائل والقوى المسلحة، وتتلقى هذه دعمًا مباشرًا من قوات التحالف العربي، والحكومة اليمنية، وتخوض هي الصراع المسلح مع القوى المعادية، لكن تبقى العملية الأمنية ناقصة مع غياب عمل الجهاز المخابراتي، ما يحول دون التئام سلسلة التكامل الأمني وفعاليته على النحو المطلوب بفقدانه تلك الحلقة الهامة. ويوجد في اليمن كما هو متعارف بالتسمية منذ عام 1990 جهازي مخابرات أثنين وهما: الأمن السياسي والأمن القومي.
نشأ الأول منذ فترة طويلة أبان تقلد صالح فترة الحكم في اليمن الشمالي وأمتد بعدها لفترات حتى انشأ صالح جهاز مخابرات آخر وهو الأمن القومي الذي يرجح مراقبون ان صالح انشأه بعدما بدا ان نفوذه بدأ يتقلص في وحدة الأمن السياسي، أو أن هناك ازدواجية في النفوذ حيث يوجد في الجهاز وكلاء مزدوجون يعملون بشكل مخالف لنهج صالح دعمًا لقوى نفوذ موازية.
الجهاز الأخطر أمنياً ! يعد جهاز الأمن القومي الأخطر والأكثر فعالية في تنفيذ المهام الأكثر حساسية خصوصًا فيما يتعلق بالأمن القومي ومكافحة الإرهاب، لكن الرئيس السابق علي عبدالله صالح جعل من الجهاز ورقة ضغط يخوض بها صراعة مع خصومه السياسيين في البلاد والإقليم.
يعتقد أن عناصر تتبع الجهاز تقف وراء عدد من الهجمات التي ضربت مواقع أمنية وعسكرية وقادة أمنيين وعسكريين مع انها قدمت في صورة الإرهاب وتماهت الحكومة اليمنية مع ذلك، بيد أن انتظام العمليات وتنفيذها ضد قادة ومواقع معينة وفي عدن تحديدًا ومدن جنوبي اليمن يشير بشكل أو بآخر إلى ارتباطها بفرع المخابرات التابع لصالح.
في الحكومة الشرعية تعاقب ثلاثة قادة حتى الآن على رئاسة جهاز الأمن القومي وأثنان للأمن السياسي آخرهم كان وزير الداخلية السابق عبده الحذيفي الذي يشغل حاليًا منصب رئيس جهاز الأمن السياسي.
تقلّد اللواء علي حسن الأحمدي رئاسة جهاز الأمن القومي قبيل واثناء وبعد فترة الصراع مع الحوثيين وقوات صالح قبل ان يقيله هادي ويعيّن اللواء أحمد بن بريك خلفا له، فيما بات حاليا اللواء أحمد المصعبي الرجل الثالث الذي يتولى المنصب أخيرًا بعد تعيينه بدلًا للثاني الذي لم يظل فيه فترة طويلة.
طول الثلاث المراحل التي قاد فيها ثلاثة ضباط بارزين مهام رئاسة جهاز الأمن القومي لم يحدث أي تطور في عمل الجهاز، وبدا أنه غائب فعليًا عن تنفيذ مهامه عدى اقتصاره على تنفيذ بعض الأعمال في إطار الرئاسة.
منذ ما بعد الحرب لم تفعّل أو تفتح مباني جهاز الأمن السياسي في مدينة عدن أو المدن المجاورة لها، وظهر أن الجهاز حاضر عبر بعض المناصب القيادية، لكن دوره في تعزيز الأمن والحد من انتشار الجريمة والإرهاب غائبًا وباهتاً.
يبدو انتشار قوات أمنية وعسكرية في مدينة عدن بالطريقة البدائية أمرًا غريبًا مع الحضور اللافت لبعض الفصائل والجماعات المعادية، ولتحجيم دور الأخيرة كان لزامًا دعم وإعادة تفعيل جهازي الأمن السياسي والقومي في مدينة عدن لتعزيز حضور الأمن. يعتقد مراقبون انهُ يمكن الاستفادة من رجال المخابرات الجنوبيين وإعادة فتح أجهزة الأمن السياسي والقومي ودعم هذه العناصر من جديد في مدينة عدن والمدن المجاورة، وتكثيف الدعم والتدريب لهم لتشكيل حضور موازي يخوض الصراع بتكافؤ مع رجال المخابرات التابعين لصالح.
مؤخرًا دأبت عناصر يعتقد انها من القاعدة على تنفيذ عمليات اغتيال ضد ضباط مخابرات جنوبيين، وتبرز هنا طريقة (صالح) في استغلال غياب دور الجهاز الأمني بتنفيذ عمليات اغتيال منتسبيه في عدن، وهذا يعني بالضرورة إضعاف المنظومة الأمنية المحيطة بهادي التي باتت تفقد رجالها على مراحل ومعه تفقد نفوذها الأمني والاستخباراتي في البلاد.
اختلال التوازن! طول العامين الأخيرين فُتحت عدد من المعسكرات وانشأت مثيلتها بالتوازي وتم تجنيد عدد هائل من الأفراد في الأجهزة الأمنية والعسكرية وباتت مدينة عدن تكتظ بعدد كبير من حاملي السلاح والمواقع العسكرية، وهذا الوضع يمتد للمدن المجاورة لها.
بالتوازي لاتزال مراكز الأمن السياسي والأمن القومي مغلقة، ولم تباشر قياداتها العمل، وهذا أخل بتوازن العملية الأمنية وأظهر بشكل كبير هشاشة الوحدات الأمنية.
يجمع متابعون أن اغلب الهجمات الإرهابية نفذت عبر عناصر مخابرات ونجحت عند غياب جهاز المخابرات التابع للرئيس هادي.
ويستند هؤلاء إلى أن عدد كبير من المواقع العسكرية والأمنية تنشر أفرادها وتتمركز بعشوائية في ظل غياب عملية اتصال ومراقبة استخباراتية.
يرتبط نجاح العملية الأمنية في عدنوالمحافظات المجاورة لها بضرورة تفعيل عمل جهاز الأمن القومي وإعادة فتح مواقع الأمن السياسي وتمرير دعم واسع للجهازين على أمل ضبط المسرح الأمني ومنع محاولة أي اختراق من قوى ومراكز النفوذ المعادية.
ويعتقد متابعون أن هناك جهات تخترق عمل الحكومة الشرعية ومنظومة عمل الرئيس اليمني، وتقف بشكل أو بآخر وراء تعطيل أو تأخير تفعيل عمل أجهزة المخابرات، في إطار سعي واختراق من جناح الرئيس السابق وقوى موالية للإمساك بزمام الوضع الأمني في عاصمة الجنوب ومحافظاته.