عبارة «المراهقة السياسية» تمثل الوصف الرئيسى الذى يخلعه الإعلامُ السعودى على الممارسات القطرية، وهو ذات الوصف الذى يطلقه الإعلامُ القطرى على الممارسات السعودية. أظن أن كل طرف منهما محقّ فى استخدام هذا الوصف، لكنه يفتقر إلى التقييم الأمين للذات إذا كان يعتبر نفسه الطرف الأنضج فى الأزمة الخليجية. هذه الأزمة بالفعل أساسها المراهقة وغياب «دور الحكيم» الذى يمكنه القيام بمهمة التدخّل من أجل وضع كل طرف عند حدّ وإفهامه خطأه. كان من الممكن بالطبع أن تقوم مصر بهذا الدور، لكن الظروف الحالية لا تتيح ذلك، كما أن مصر دخلت على خط الأزمة وانضمت إلى كل من المملكة والبحرين فى مقاطعة قطر، واتهمتها بتمويل ورعاية العمليات الإرهابية التى تشهدها. تستطيع أن تستجلى حالة «المراهقة السياسية» من مراجعة آخر تفاعُل تم على مستوى هذه الأزمة، والمتمثل فى المكالمة التى أجراها «تميم قطر» مع الأمير محمد بن سلمان ولى عهد السعودية. فقد ذكرت وكالة الأنباء السعودية أن «تميم» أبدى خلال الاتصال، رغبته بالجلوس على طاولة الحوار ومناقشة مطالب الدول الأربع (مصر، السعودية، الإمارات، البحرين)، بما يضمن مصالح الجميع. فى المقابل ذكرت وكالة الأنباء القطرية أن الاتصال جرى بناء على طلب من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى وبحسب البيت الأبيض، شدد خلال محادثة هاتفية مع أمير قطر على ضرورة «الوحدة»، وذلك بعد ساعات على استقباله فى البيت الأبيض أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، الذى يقوم بوساطة لحل الأزمة الخليجية. الملاحظ أن كلاً من الطرفين السعودى والقطرى يحاول أن يؤكد أن الطرف الآخر هو الذى سعى إليه وهرول نحوه، وكاد يقول له «أنا غلطان ومحقوق لك.. واللى انت عاوزه أنا هعمله». الأمر يبدو وكأنها مباراة بين فريقين فى عالم الكرة، وليس خلافاً أو أزمة سياسية بين عدد من الدول. هذا النمط من الأداء يضعنا أمام معادلة «المراهقة السياسية» بامتياز، ويدلل على أن مصائر الشعوب أصبحت بين أيدى صناع قرار يريدون الانتصار لأنفسهم، أكثر مما يستوعبون فكرة «الحسابات السياسية» و«تحقيق الأهداف» و«إنجاز المصالح». ولا يوجد دليل على ذلك خير من المليارات التى يتم دفعها ل«ترامب الولاياتالمتحدة» الذى ظهر فى بداية الأزمة كمشرف عليها، ويظهر الآن كراعٍ لحلها. هل تؤثر حداثة السن فى أحيان على أداء من يحكم فتوقع به فى شَرَك «المراهقة السياسية»؟. ربما صح ذلك فى أحوال، «الملك فاروق» على سبيل المثال تولى حكم مصر فى سن مبكرة جعلته مغنماً جيداً لرجال الحاشية الذين لعبوا به كيفما شاءوا، وكانت النتيجة أن خسر مُلكه فى النهاية. حداثة السن فى حد ذاتها ليست عيباً فى الحاكم، بل قد تكون ميزة، لو كان يمتلك التركيبة والتكوين الذى يؤهله للحكم وإدارة ملفاته المعقدة، لكنها من جهة أخرى قد تمثل بوابة جيدة ينفذ منها الطامعون فى السيطرة وتوجيه دفة الحكم فى اتجاه مصالحهم، بما يمليه عليهم ذلك من ميل نحو منافقة الحاكم، ومداعبة غروره الإنسانى بصورة تؤدى به إلى الخسران المبين.