ثلاث سنوات مرت منذ أن سيطر الانقلابيون من جماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي صالح على صنعاء، وخلف جدران مستشفياتها ومدارسها وأبنيتها التاريخية، أزمة إنسانية كبرى. فقد خلف الانقلاب على الشرعية معضلة سياسية وأزمة إنسانية عميقة وحرباً أشعل فتيلتها المتمردون، ترتب عليها تردي الوضع في البلاد أو بالأحرى في المحافظات التي يسيطر عليها الانقلابيون. فماذا خلف الانقلاب الأسود على الشرعية في اليمن؟. آلاف من النازحين والقتلى والجرحى والمصابين بالكوليرا، والملايين الذين يواجهون خطر المجاعة، وآلاف المدارس المغلقة، وملايين الأطفال في سن الدراسة خارج مقاعد الدرس. حلم مراد، الفنان التشكيلي الثلاثيني، خلال مشاركته في احتجاجات عام 2011، التي طالبت بالإصلاح السياسي، بأن تنعم صنعاء «بالسلام والحرية»؛ لكن الحلم تبخر مع سقوط صنعاء في أيدي الحوثيين في 21سبتمبر/أيلول 2014، والحرب التي أشعل فتيلتها ميليشيات الحوثي وصالح الانقلابية في مارس/آذار من العام التالي. ويقول مراد متحدثاً لوكالة «فرانس برس» عبر الهاتف «عشنا حرية حقيقية بين 2011 و2014، حرية صنعناها نحن؛ لكن منذ ثلاث سنوات، تغيرت الأمور بسرعة، وتدهورت الأوضاع الإنسانية والصحية، وعاد الخوف يسيطر علينا. لقد أصبحنا مكشوفي الظهر». ويتابع «صنعاء اليوم ليست صنعاء ما قبل 2014. الآن هي مدينة يحكمها الكلاشينكوف». في يوم الأحد 21 سبتمبر 2014، تمكن الحوثيون في فترة الظهر، وعبر تحرك عسكري سريع بمساندة من مناصري الرئيس السابق المخلوع علي عبدالله صالح، من احتلال المباني الحكومية في صنعاء، وإحكام السيطرة عليها دون مواجهة كبرى. ويقول سكان في المدينة، إن سقوط العاصمة كان مفاجئاً وصادماً. نهب الحوثيون، الذين ليس لهم سابق خبرة في الحكم، والمنحدرون من كهوف مران المصرف المركزي، وتوقفوا عن دفع رواتب موظفي الدولة، وحولوا الأموال؛ لتمويل حربهم؛ وللثراء الحرام؛ وللحصول على الربح السريع. وتراجع مستوى الخدمات العامة، وازداد الغلاء. وتشهد صنعاء أزمة غذائية كبرى، في وقت يعيش نحو سبعة ملايين يمني في أنحاء متفرقة من البلاد على حافة المجاعة. وفي السنوات الثلاث الأخيرة بات عشرات الأطفال يبيتون في الشوارع يأكلون ويشربون فيها، بينما يتسولون المال والطعام. وفي المدارس التي لا تزال أبوابها مفتوحة، تكتظ الصفوف بالطلاب بفعل تحول معظم المدارس الأخرى إلى مأوى لآلاف النازحين من مناطق مجاورة تشهد اشتباكات، أو تتحول إلى معسكرات يدرب فيها الحوثيون مجنديهم المغرر بهم، كما تم تحويلها إلى ثكنات ومخازن للسلاح والعتاد. وتوقفت في اليمن عموماً 1640 مدرسة (من بين نحو 16 ألفاً) عن التعليم، ما حرم 1,84 مليون طفل من الدراسة؛ لينضموا إلى نحو 1,6 مليون طفل آخر لا يرتادون المدرسة منذ فترة ما قبل النزاع. ويبلغ عدد سكان اليمن أكثر من 27 مليون نسمة، نصفهم دون سن ال18. وفي خضم الفوضى، التي خلقها الانقلاب على الشرعية وعلى الدولة، تدهور القطاع الصحي أيضاً بشكل كبير، وانتشر مرض الكوليرا في صنعاء، وامتد إلى مناطق أخرى بعد انتشار النفايات في شوارع العاصمة، حاصداً أرواح مئات المدنيين. ودفع المرض منظمات إغاثة على رأسها الصليب الأحمر إلى التحول من التعامل مع مصابي حرب، إلى المصابين بأمراض لا تتسبب بوفاة المرضى في بلدان أخرى. وتتحول صنعاء إلى مدينة أشباح مع حلول الليل وانتشار نقاط التفتيش فيها، وبينما يواصل النزاع حصد أرواح المدنيين في كل أنحاء اليمن؛ حيث قتل أكثر من 8400 شخص حتى الآن؛ بسبب الحرب التي أوقد نارها الانقلابيون، ينشر الحوثيون لافتات في شوارع صنعاء احتفالاً بذكرى «النصر» المزعوم.