كل شيء في العالم العربي يشير إلى فشل النظام السياسي. كل شيء من غير أي استثناء. كل المؤسسات التي هي ركيزة بقاء ذلك النظام فاشلة. كل العناوين التي يتستر خلفها صارت بمثابة إعلان صريح عن الفشل. غير أن ذلك الفشل لم يتسلل إلى نفوس السياسيين الذين يديرون ماكنة ذلك النظام. أولئك السياسيون كانوا دائما الأكثر اطمئنانا إلى بقائهم واستمرار امتيازاتهم من بين سياسيي العالم. لم يظهر ذلك السياسي لعربي الذي يعترف بفشل مشروعه بعد. لا أعتقد أن الواقع بكل تجلياته الثقافية والاجتماعية سيهبنا مثل ذلك السياسي في وقت قريب. نحتاج إلى انقلاب في المفاهيم للوصول إلى ذلك التحول الخطير وهذا لن يحدث عن طريق انتظار سلبي. القاعدة السائدة في العالم العربي أن من يصل إلى موقع في السلطة تتاح له الفرصة لتحويل ذلك الموقع إلى ملك شخصي. ما من آلية ممكنة تقود إلى تداول السلطة. فالروح الحزبية التي تمكنت من المجتمعات والتي لم تتمدن بعد هي بمثابة رافعة يتحول الحزبي من خلالها إلى قائد أزلي، لن يغادر موقعه بأريحية مَن يؤدي خدمته الوظيفية بل عليه أن ينتظر قدوم مَن يزيحه من ذلك الموقع الذي يظن أنه اُخترع من أجله. ولقد كتب على الإنسان العربي أن يظل أسيراً لصور قادته في مختلف مراحل حياتهم، شبابا وشيوخا. بل تظل تلك الصور تطارده حتى بعد موت أصحابها الذين لم يتركوا ما يذكر بهم سوى الفشل. كل الجمهوريات العربية هي عبارة عن ممالك مقنعة. اقطاعيات عفا عليها الزمن ولم يعد في الإمكان تجديدها إلا عن طريق النسف الشامل. ولكن لا قيمة لذلك النسف إن لم تسبقه إعادة صياغة للعقل الذي انتجها. فتلك الاقطاعيات قائمة في العقل قبل أن تقوم على أرض الواقع. إذا أخذنا الأمور على عواهنها وسلمنا بأن سقوط الطغاة في غير مكان من العالم العربي كان نتيجة حتمية فرضتها تحولات العصر فهل كان ذلك الحدث غير المسبوق تمهيدا لقيام نظام سياسي مختلف من جهة القيم التي يطرحها في سياق مشروع تنويري لن تكون السياسة فيه إلا واجهة؟ في حقيقة ما جرى فإن كل شيء يمكن اختزاله باستبدال نظام بآخر. وهو ما أشعل حروبا في العراق واليمن وليبيا. وهو ما يضع تونس في مهب الريح وإن كان المجتمع المدني هناك لا يزال قادرا على تحقيق نوع من التوازن بين القوى التي تحاول كل واحدة منها أن تستقوي بأدوات فشلها على المجتمع معترفة بأنها لا تملك سوى ذلك الخيار. ما لم يفهمه العرب حتى هذه اللحظة أن الفشل لم يصنعه أفراد بعينهم. فلا جمال عبدالناصر ولا صدام حسين ولا حافظ الأسد ولا معمر القذافي ولا حسني مبارك ولا علي عبدالله صالح كانوا فاشلين لو لم تسندهم وصفة فشل جاهزة في كل ما أقدموا عليه. كان المجتمع قد أعد تلك الوصفة تاريخيا. ما لا يمكن انكاره أن حفلة الفشل السياسي كانت معدة سلفا غير أن أسوأ ما فعله العرب أنهم استبدلوا رموز تلك الحفلة برموز جديدة هي أسوأ بالتأكيد من الرموز التي تم تكريسها باعتبارها جزءا من التراث الوطني. حين ظهر حسن نصرالله استبشر اللبنانيون خيرا فالرجل المقاوم لا ينتمي إلى السلالات الاقطاعية التي صارت قدرا وطنيا في لبنان غير أن ربع قرن من التجارب المختبرية أكدت أن نصرالله لا يختلف عن سواه. بل كان أسوأ من سواه حين لم يكتف بالاستقواء على الآخرين بفشله السياسي بل زج بلبنان في مشروع حرب مأساوية دفاعا عن نظام فاشل. بقاء نصرالله هو دليل على أن حفلة الفشل السياسي العربي مستمرة.