يتابع الجنوبيين بقلق بالغ ما يتردد في الاوساط الإعلامية عن قرب حدوث التسوية المرتقبة ,ورغم ان معظم ما يحصل من تطورات ,كعادتها تجري في الصالونات السياسية المغلقة ,من تحت الطاولة ,وليس على سطحها ,الغير متاحه للعامة من الناس ,لكن في الآونة الأخيرة ,برزت مؤشرات قويه عن احتمال التوصل ,الى تفاهمات ,تجمع الاطراف المتصارعة ,الى طاوله حوار لإنتاج حل مرتقب ,ومن هذه المؤشرات ,الزيارة التاريخية للعاهل السعودي الى موسكو ,والاستقبال الحار الذي حظي به هناك ,يعزز القناعة بان تفاهمات معينه تلوح في الافق . روسيا في عهد قيصرها الجديد بوتين ,باتت لاعب قوي ومؤثر ,في المشهد الدولي والاقليمي ,وتعد ضابط ايقاع ,الممسك بخيوط التواصل مع جميع الاطراف المتناقضة ,من اسرائيل ,الى تركيا ,الى ايران والسعودية وغيرها تحاول روسيا الجمع بين المصالح المتناقضة ,للبحث عن قواسم مشتركه بينها في ضوء تراجع لافت للهيمنة الأمريكية ,وانتهاء زمن القطبية الأحادية ,ليحل محله عالم متعدد الاقطاب والمصالح . وفي غياب ,اي تصريحات ,او تأكيدات رسميه عن التسوية القادمة ,عدى التسريب ,الوحيد الذي تداولته صحيفه العرب اللندنية المحسوبة على دوله الامارات ,تضمنت وثيقه فيها ,بنودا كثيره ,عن الاتفاق المزعوم ,سنفصله لاحقا ,لعل التصريح الرسمي الوحيد المعلن ,كان للسفير الامريكي ماثيو تولير ,الذي كشف لصحيفه الشرق الاوسط السعودية مايلي ان الحل في اليمن يجب ان يكون مبنيا على ثلاث اسس هي "وقف القتال ,عدم اعاقه وصول المساعدات ,مرحله انتقاليه تمثل كل اليمنيين ". من حديث الديبلوماسي الامريكي الرفيع ,يمكننا استخلاص المكنون فيه و,مايتم طباخته ,في دهاليز السياسه ,للشعبين في الشمال والجنوب ,واول هذه المكنونات يكمن في انه ينسف نسف بابا ,رواية الشرعية الذي لطالما رددها مسؤولوها على مسامعنا ,كان اخرهم الرئيس هادي ,ووزير خارجيته المخلافي ,بانه لاحل الا وفق المرجعيات الدولية الثابتة ,ومخرجات الحوار الوطني ,الذي اصبحت بالنسبة ,لهم قدس الاقداس ,يتمسكون به في كل مفاوضاتهم مع الخارج . لقد ,علق احد اصدقائي ,في صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي ,واصفا بنود الوثيقة ,التي نشرتها صحيفه العرب ,بانه شبيه بالمبادرة الخليجية الثانية ,الذي لا تشير الى الجنوب ,لا من بعيد ولا من قريب ,ولا بكلمه واحده ,كما هو الحال في المبادرة الاصل ,الامر الذي يعكس نظرتهم الإقصائية الى الجنوب ,كما في العام 2011 لاوجود فيها لا لشعب الجنوب ,ولا لقضيته الوطنية العادلة ,الذي وجدت قبل مبادراتكم وستكون باذن الله بعدها طالما وجد شعب مؤمنا ومتمسكا بها . ان الافكار الواردة في المبادرة الجديدة ,خلت مفرده الجنوب من قاموسها ,كما لو ان من صاغها ,هو نفس مركز القرار الذي صاغ المبادرة الخليجية الاولى ,والذي نصت على ابعاد الرئيس صالح وتعيين نائبه الرئيس هادي ,لكن في جوهرها السياسي والاستراتيجي ,جاءت لمعالجه خلافات ابناء حاشد من ال الاحمر ,بين الجناحين عائله الرئيس صالح من جهه ,وجناح علي محسن وحلفائه اولاد عبدالله الاحمر ,ليتم في النهاية تتويج تيار علي محسن ,واولاد الاحمر وحزب الاصلاح كمنتصرين في المعركة السنحانيه الحاشديه ,تماهيا مع مناخات المنطقة ,في تلك الفترة حيث صعود جماعه الاخوان المسلمين الى .السلطة في العديد من دول ما عرف بالربيع العربي . واليوم يكرر الخليجين ,ومن خلفهم حلفائهم الامريكيين ,المؤثرين على حركه الاحداث في بلادنا ,حيث جاءت الافكار الجديدة لتأخذ بعين الاعتبار النجم الصاعد الجديد في الساحة الشمالية "الحوثي ",تراعي مصالحه وهواجسه ,ويبدو من عناوين هذه المبادرة نوايا ساذجة وغبيه من بعض الاطراف ,الذين لم يتعلموا من دروس الماضي ,عبر محاولتهم ترميم واحياء جناح الرئيس السابق المتهاوي عفاش ,ومنحه حقن دعم سياسيه تعيده الى واجهه الاحداث ,على امل كما يتوهم صانعي هذه المبادره ,من تمكين تيار الرئيس صالح وحزبه المؤتمر لمقارعه الحوثي مستقبلا بعد ان بات حزب الاصلاح اخوان اليمن خارج التغطية ,تماشيا مع التوجه الاقليمي الجديد ,بابعاد تيار الاسلام السياسي عن صداره الاحداث في المنطقة . فاذا كانت المبادرة الخليجية الاولى نصت على تقاسم الحصص بين فرقاء الشمال الاساسين الرئيس صالح وعلي محسن وتوابعهما ,فالأفكار والبنود الحالية تهدف الى تقاسم الكعكة الشمالية ,بين اللاعب الجديد القوي الحوثي من جهة ,وحزب المؤتمر وحلفائه من جهة اخرى ,اما الجنوب فهو كما في الحالة السابقة مجرد تفصيل في قضيه الشمال الكبرى ,يتم ترحيل كل القضايا العالقة الى ما يسمى الحوار الوطني وبكلمات اخرى دفن تلك القضايا في ارشيف التاريخ ,نقول ذلك من خبرتنا التاريخية بنخب الشمال ,الذي لا تلتزم لا بعهود ولا بمواثيق ,منذ ايام وثيقه العهد والاتفاق ,الى زمن اتفاق السلم والشراكة وغيرها من الاتفاقيات الذي لم تنفذ نخب صنعاء منها ,الا ما يتوافق مع اجنداتها فقط حتى الاشارات الواردة عن الحزام الامني .تنص على الاستفادة منه ,فكيف بالله عليكم ستتم الاستفادة من الحزام الامني في ظل وجود نص يدعو بصريح العبارة الى توحيد كل التشكيلات العسكرية والحاقها بالجيش اليمني ؟ماذا يعني هذا في الواقع العملي ,هذا يعني انضمام كل التشكيلات في جيش الحوثي ,الذي اسسه وشيده خلال الفترة الماضية ؟هل رأيتم مثل هذا الغباء الاستراتيجي ؟حتى الفقرة التي تقضي بأبعاد عناصر الحوثي المسلحة ,سيتم التحايل عليها لان الحوثي لم يعد مليشيا بل اصبح هو الدولة هو الجيش هو كل المؤسسات في صنعاء ,وسيتم اخراج مسرحيه شكليه ,يتم بموجبها تسليم بعض الأسلحة الى اللجان المفترضة ,وهو امر لا يضر الحوثي في شئي بعد ان سيطر على كل مفاصل الدولة المدنية والعسكرية في الشمال ,وكلنا يتذكر المعزوفة الشاذة بعد احداث العام 2011 ,الذي صدعوا بها رؤوسنا بما اسموه حينها ,بهيكله الجيش والامن على اسس وطنيه ومهنيه ,ولكن كيف كانت النتيجة ؟النتيجة رأيناها عندما اجتاح الحوثي صنعاء ,بموافقه وتواطؤ من هذا الجيش ,الذي اعتقدوا بانهم هيكلوه ,ليصبح جيشا وطنيا ,لكنهم مره اخرى اخطأوا في التقدير والحساب ,فظهر الجيش بانه قبلي عائلي ,يغير انتمائه وولائه بتغير اسياده ,في قبائل شمال الشمال ,ورغم دروس وعبر الماضي ,هاهم صانعي القرار في الخليج يعيدون نفس الخطيئة مع قوى الشمال ,من خلال مبادرتهم العقيمة ,الذي لا تلامس جذور المشكلة ولا بحقائق الواقع التي تكرست ,على الارض في الشمال والجنوب . لقد بات الراي العام الجنوبي على قناعه تامه ,بان الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة ,تريد اقصاء الجنوبيين ,من اصحاب الاستقلال من المشهد ,وفي نفس الوقت اضعاف الحوثي في صنعاء ,هذه هي المنهجية المتبعة ,من فلسفه المبادرة الجديدة ,فلا يخفى عليكم ان مسار الاحداث ,لم يأتي بالنتائج المأمولة منه ,واخذ منحى مغاير لكل تطلعات واجندات تلك الجهات ,فصنعاء اصبحت حوثيه خالصه وهو امر لا يروق لها ,اما الجنوب فرددت سمائه وبحره وبره نشيد الاستقلال والحرية ,تحت قياده المجلس الانتقالي وهو ايضا امر لا يريد قبوله صانع القرار الاقليمي والدولي . ان الافكار المتداولة لحل المعضلة المحلية ,لن يكتب لها النجاح من وجهة نظرنا المتواضعة, لأنها لا تراعي حجم واوزان الاطراف على الارض ,حيث تم استثناء المجلس الانتقالي كممثل للجنوبيين وعوضه عنه تم اختزال التمثيل لثلاثية الشرعية والحوثي وصالح ,,وهذه جريمة لا ينبغي للقوى الجنوبيه السكوت عنها فمن يمثل الجنوبيين هو المجلس الانتقالي ,فكما اعترفتم بالحوثي المليشياالقادمه من مديريات صعده ,كقطب قوي في المعادله المحليه وكذا الرئيس السابق صالح الذي لم يعد له نفوذ يذكر بعد ان استطاع الحوثي تذويبه ,في الجليد الصنعاني واستماله اجنحه المؤتمر الى صفوفه ,عليكم في الوقت ذاته ,الاعتراف بالجنوب ومجلسه الانتقالي ,في اي صيغه قادمه للحل ,اذا كنتم حريصين على الاستقراروالتوازن الاستراتيجي في المنطقه ,المختل في غير مصلحتكم . كما ان تحالف الشرعيه وحزب الاصلاح لن تقبل بهذه التسويه لانها تخرجه من المشهد نهائيا ,وهو امر لن توافق عليه ,وقد راينا بعض مظاهر هذا الرفض بانفجار موديه صباح هذا اليوم ,بعد ان تم تحريك ورقه القاعده التابعه لجناح علي محسن ,كاولى رسائل الرفض للمبادره المذكوره ,والبقيه تاتي والله يستر على شعب الجنوب من المجهول القادم لان اطراف الشرعيه افصحت بوضوح لالبس فيه ,ان الرئيس هادي لن يتخلى عن السلطه الا لرئيس منتخب وهذا بحد ذاته المستحيل بعينه . كما ان الحوثي لن يقبل بالصيغه المتداوله ,وسيسعى حتما الى تمييعها وافراغها من مضمونها الاساسي باغراقها بالتفاصيل وهي مهمه اتقنتها قوى الشمال ,بحيث لاتبدو في الشكل معارضه لاي تفاهم دولي ,لكنها ستعمد على تعديله ,كما فعلت في مفاوضات الكويت وجنيف , فالشرعيه كانت تصر على المرجعيات الدوليه كاساس للمعالجه ,بينما الحوثي كان يركز على انها ماده للتفاوض والنقاش ,وبالفعل تم التخلي عن كل تلك المرجعيات ولم يعد احد معترف بها ,الا الشرعيه الحالمه الغارقه في حاله انفصام عن الواقع ,فاذا كان سلوك الحوثي هذا عندما كان في وضع اضعف ,فكيف سيتصرف اليوم وهو سيد صنعاء المطلق والحاكم الناهي فيها ,هل يعقل ان يقبل بتقديم تنازلات لصالح الطرف الاضعف بعد ان تمكن من ابتلاعها في الشمال ,وكل ماسيقوم به الحوثي وليس من باب التنجيم بل من واقع التجارب السابقه ,في كونه سيتعهد الى ضمان امن حدود المملكه كبادره حسن نيه احتراما لرغبات الخارج روسيا تحديدا ,اما في الداخل فلن يتزحزح قيد انمله لمصلحه الخصوم المتهالكين ,وكل ماسيقدم مجرد اجراءات شكليه رمزيه لاتمس ولاتؤثر في بنيه الحوثي السياسيه والعسكريه . ان التسويه الناجعه التي تحقق الاستقرار الدائم وتضمن حقوق الجميع هي التي تنطلق من اسس واقعيه وصحيحه تراعي موازين القوى الجديده بحيث ترسي الامن والاستقرار في الشمال والجنوب لتنعم المنطقه ,بحاله سلام ووئام دائمين ,لان قانون عالم الفيزياء نيوتن الجاذبيه الكونيه يؤكد مايلي "ان اي جسمين يجذب كل منهما الاخر بقوه تتناسب طرديا مع ناتج كتليتهما ,وتتناسب عكسيا مع مربع المسافه بينهما "ومن هذا القانون يمكننا التاسيس لحاله من التوازن التعادليه ,بين عده قوى متضاده ,بينها قدر من الترابط وقد تكون مدخل للاستقرار المنشود . بعبارات اخرى يمكننا التاكيد انه بدون الاعتماد على القوى الفاعله في الجانبين لن يكتب لمحاولتكم النجاح ,بل ستكون مجرد اطفاء مؤقت لحريق كبير قد يندلع في المستقبل القريب بصوره اكبر واشمل وافدح الاضرار والاثمان ,فالحوثي في الشمال هو اللاعب القوي بغض النظر عن رغباتنا وامانينا ,فجماهير الشمال بايعته ودانت له بالولاء والطاعه ,انكار هذه الحقيقه هو عبث ومضيعه للوقت ,لن يغير في خريطه المعادله القائمه هناك . وفي الجنوب يوجد المجلس الانتقالي الوريث الشرعي لنضالات الحراك الجنوبي وبعدها المقاومه الجنوبيه الباسله وهذه ايضا حقيقه تاريخيه اخرى تكرست على ارض الجنوب ,وانكار وتجاهل هذه الحقيقه الساطعه ,هو كمن يحاول تغطيه عين الشمس بغربال وهذا عمل غير واعي ,ويدل على قصور في فهم واقع الجنوب الفعلي ,وليس الافتراضي وهي خطوه الى الطريق المجهول المحفوف بالمخاطر والمحاذير . على المجلس الانتقالي في هذه المرحله التاريخيه الفاصله الاضطلاع بمسوؤلياته التاريخيه والوطنيه ,الذي فوضه بها شعب الجنوب ,وعليه قول كلمته الفصل في كل مايدور حولنا من تطورات واحداث ,بصراحه وامانه ,مستعينا ومتوكلا على الله سبحانه وعلى شعب الجنوب الملتف حوله ,الذي لن يستطيع احد في هذ الكون مهما كبر او صغر ان يتجاوزها ,لانها غدت واقعا مغروس في الوعي والوجدان الجنوبي ,فليستلهم ويسترشد المجلس الانتقالي بالكلمات المضيئه والرائعه للنائب هاني بن بريك ,الذي قال فيها "علينا الاعتماد على الله والاعتماد على انفسنا وانه لم يوعدنا احد في الخارج بتقديم لنا الاستقلال" لانه ببساطه الدول تبحث عن مصالحها الخاصه وبدوره على الجنوبيين البحث عن مصالحهم في هذا العالم المنافق والمتلون ,عليكم فرض انفسكم واهدافكم العليا على الجميع ,بقوه اراده شعب الجنوب ,والذي عندما هب للنضال من اجل حقوقه المشروعه ضد الاحتلال الشمالي ,لم يطلب الاذن من احد في الخارج ,بل انطلق من ايمانه بعداله قضيته ,,الذي هي من حركت فيه روح النضال ,روح المقاومه ضد الغزاه الهمجيين ,روح التضحيه والفداء قربانا للحريه والاستقلال .