منذ بداية الحرب الباردة كانت الدول الرأسمالية تغبط الدول الاشتراكية الشمولية بمقدرتها على الحد من حرية شعوبها متى شاءت وكيف شاءت ،فبالرغم من عزف الدول الغربية على سمفونية حقوق الإنسان لكنها كانت تراه ميزة لا تتوفر لديها ، على ما يبدو أن الحفاظ على الأمن دون المساس بكامل حرية الناس عملية معقدة و مرهقة للأجهزة الأمنية و هي معضلة أخلاقية في ميزان العالم الحر. يذكر احد الحقوقين الامريكيين من أنه تم صياغة العديد من مسودات القوانين التي كانت تسمح للحكومة الفدرالية الأميركية بانتهاك خصوصية المواطن الأميركي و الحد من حريته ولكنها جميعا لم ترى النور خارج عتبة الكابيتول هول (مبنى مجلس الشيوخ الأميركي) لانها بكل بساطة كانت تتعارض مع مبدأ الحرية التي كفلها دستورهم بسياج حديدي ، ولكن بعد هجمات سبتمبر 2001 وما تلاها من هجمات الجمرة الخبيثة في أكتوبر من نفس العام و التي استهدفت الكونجرس وفي غمار كل هذه الأحداث و في عتمة الهلع الذي أصاب المواطن والمشرع الأمريكي آنذاك تم تمرير جميع القوانين والتشريعات التي تسمح للحكومة بانتهاك الحرية الشخصية مقابل حصولهم على كامل الامان من الهجمات الإرهابية المحتملة في ما عرف لاحقاً بقانون مكافحة الارهاب. و تلى ذلك لاحقا باعوام في أوروبا من عمليات الدهس الإرهابية ونحوها ! و التى من خلالها استطاعت فرنسا وغيرها من سن قوانين تقيد حرية مواطنيها . يبدو جليا أن المستفيد الأكبر من العمليات الإرهابية هي الحكومات الغربية و اجهزتها الامنية ولست هنا بصدد خوض احتمال تورط أجهزة الاستخبارات الغربية في صناعة أو تسهيل العمليات الإرهابيةفنيوجرسي ولندن و باريس كانت تحتضن في التسعينيات رواد الفكر التكفيري قبل ظهور القاعدة و داعش على المسرح كفزاعات للداخل والخارج الغربي . لا ريب أن النسخة العربية من قوانين مكافحة الإرهاب ستكون بطبيعة الحال أكثر انتهاكا للحرية، هذا إذا افترضنا جدلا ان هناك قوانين في مكافحة الإرهاب أو في غيره يعمل بها و أن هناك حكومات تحترم حرية الإنسان و أن مواطنيها ليسوا أبخس من شسع نعل كليب ؛ و بإسقاط هذا المفهوم علي ما يحدث اليوم في عدن من عمليات اقتحام للأحياء فجرا و انتهاك حرمات البيوت و التى حتى لم تسلم منها المستشفيات و لم تعد تفرق بين ذكر وانثى ؛ اقول ان إثارة الفزع بين الناس بهذا الشكل ليست مكافحة للإرهاب قطعا بقدر ماهي صناعة له. مكافحة الإرهاب عملية تكاملية تبدا من تجفيف منابعه المالية و الفكرية و والاجتماعية و إنتهاء بالقبض على المتهمين و الوصول من خلالهم للعقول المدبرة في الداخل والخارج ،ان الفرقعات الاعلامية و تضخيم الإنجازات الامنية لا تصنع امنا للوطن والمواطن فصناعة أمن حقيقي تختلف كليا عن فبركة وهم الأمن لتلميع قائد أمني هنا أو هناك، يتساوى في تحمل مسؤولية حفظ الأمن رجل الشرطة و الامن الذي هو واجبه و يتقاضى عليه أجر و المواطن العادي الذي يجب عليه التبليغ للجهات ذات العلاقة عن اي نشاط مريب ، أن انتهاك حقوق البشر المدنية و التشهير بهم و تشويه سمعتهم و تغييب دور النيابة و القضاء و منع مساعدي النائب العام من زيارة السجون ، كل هذه الممارسات تفقد المواطن الشعور بالانتماء لوطن صدرت فيه أدنى حقوقه الادمية و في نفس الإطار يفقد الأجهزة الأمنية مصدرا مهما للمعلومات ، لذا إن لم تقنن هذه الآلية في مكافحة الارهاب والجام عمليات المداهمات بالحقوق المدنية للناس ستتحول بقعة الأرض التي نقف عليها إلى معتقل كبير كلنا من الممكن أن تشير إليه بنان الإتهام ويعتقل دون مصوغ قانوني او امر قضائي و تنقلب المعادلة من أن المتهم برئ حتى تثبت ادانته آلى العكس. لا شك أنني كمدني أدرك المخاطر الجسيمة التي يتعرض لها رجل الجيش والشرطة والأمن و لكن هذا لا يعني إطلاقا أن لا ننوه اذا ما حصلت تجاوزات فمن يسكت اليوم لن يتحدث غدا .