اعتبرت محافظات الجنوب «محررة» منذ يوليو 2015م، وذلك في بيانات وإعلام الأشقاء الذين تحمّلوا مسؤولية التدخّل ل«نصرة الشرعية» في اليمن، وهذا الواقع يفرض البدء بمرحلة البناء في هذه المحافظات. فما الذي يحول دون الشروع في هذه المرحلة؟ انقسم أبناء الجنوب وتوزعوا حول أطراف التدخّل الخليجي في اليمن، وفي اعتقادي أن هذا الانقسام هو أهم أسباب تأخّر الشروع في مرحلة البناء التي تعهّدت بها دول التدخّل، فالانقسام أبقانا وأبقى الجنوب رهين التجاذبات، وهو الأمر الذي سمح لدول التدخّل بالتملّص من تعهداتها، بحجة عدم الاستقرار واستمرار الحرب، بل إن ذلك وافق، في اعتقادي، أجندات البعض من أطراف التدخل التي لا توافق على أهداف ثورة الجنوب لتعارضها مع أهدافها البعيدة.! مشروع «التحالف» على مستوى اليمن بات معروفاً تقريباً، فهو يمضي باتجاه استئصال جماعة «الحوثي» التي تتهم بعلاقاتها بإيران، وتتسبّب بقلق للمملكة العربية السعودية بدرجة رئيسية، ولبعض دول المنطقة الأخرى أيضاً، وكذلك يمضي باتجاه استمرارية معركة القضاء على تنظيم «الإخوان المسلمين» والقوى العقدية المرتبطة به، وهي المعركة التي تديرها الإمارات العربية المتحدة بمشاركة دول أخرى أيضاً.! الأسئلة التي تفرض نفسها هي: ماذا تحمل دول التدخل في اليمن للجنوب ومشروعه؟ وماذا تخفي جعبة هذه القوى للجنوب؟ ولماذا تأخر الشروع في البناء لهذا الجنوب؟؟ في اعتقادي أن المؤشرات تؤكد، على الأقل إلى اللحظة، أن قوى التدخل تنظر إلى الجنوب كجزء من الجمهورية اليمنية وهي مقتنعة بهذه الحقيقة، وما يقوم عليها من التزامات، والدليل أن هذه القوى إلى اللحظة لم تمارس في الجنوب ما مارسته في سوريا مثلاً، فهي مثلاً، لم تتبنَ إلى اللحظة دعوة لمؤتمر جنوبي عام يفرز قيادة تكون مهيأة للمشاركة في أي استحقاقات سياسية قادمة، كما فعل مع المعارضة السورية، بل على العكس، فقد ذهبت بعض أطراف هذا التدخل إلى وضع أول بذور التمزبق لنسيج هذا الجنوب الاجتماعي والسياسي من خلال تبني أطراف بعينها ومحاربة أطراف أخرى جنوبية. كما أن المؤشرات تؤكد تمسّك دول التدخل بالوحدة اليمنية، بدليل أنه حتى تلك الأطراف الجنوبية التي تبنتها بعض هذه الأطراف ما زالت لا تحظى بأي اعتراف سياسي من قبل الأطراف التي صنعتها، ناهيك عن الأطراف التي ترفضها أو تتحفّظ عليها في سياق اختلاف وجهات النظر بين تلك الأطراف ذاتها. كذلك، تدل المؤشرات على أن «التحالف» ما زال يرى أن وحدة اليمن هي الضمان لحماية حدود بلدانه ومصالح دوله وسياجه المتين، في وجه التمدد الإيراني الذي يهدد أمنه واستقراره، لأن عودة الجنوب دولة مستقلة يعني سقوط الشمال بيد «الحوثي» الذي يشكل الطرف الأقوى في الشمال، كما أن الجنوب كدولة سبق وأن وقف إلى جانب إيران في مواقف سابقه لم تستطع دول «التحالف» نسيانها أو غفرانها لهذا الجنوب. كل ذلك ومعه سياسة الإبقاء على الجنوب تحت شبح الحرب، يخلق مبررات لعدم الولوج في مرحلة البناء، رغم توافر الظروف للولوج في هذه المرحلة، وهو الأمر الذي يؤكد فعلاً أن دول التدخل لا ترى في عدن والجنوب إلا ورقة ضغط تستخدمها وقت الحاجة لأخضاع خصومها في المعسكر الآخر، وبالتالي فإن جعبة تلك الدول، إلى اللحظة، مازالت خالية من أي حلول للقضية الجنوبية خارج إطار المبادرة الخليجية والقرار الدولي 2216.