مازن رفعت قصة قصيرة الراقص مع الثعابين عاشر طفل يسقط ضحية للأفاعي التي غزت القرية ، ونشرت الرعب بين أهلها ، لا يكاد أحدهم يغادر منزله حتى تصيبه لدغة سامة ، معظمهم لم ينجو ، وقليلُ من كُتِبت له الحياة . كافح أهل القرية بشتى الوسائل للتخلص من الأفاعي ، لكن دون جدوى ، انتشرت الأفاعي في كل أرجاء القرية حتى قيدتها. اجتمع أهل القرية ، يتباحثون في الخطر المحدق بهم . زعيم القرية : علينا أن نجد حلاً سريعاً قبل أن تتمكن هذه الأفاعي من التسلل إلى منازلنا ومحونا من الوجود ! _ اقترح أن نغادر القرية ! _ ماذا ؟! أتريدنا أن نترك أرضنا ! أرض أجدادنا وآباءنا ؟! _ إما أن نتركها ! أو نترك الدنيا ! _ إنه على حق أيها الزعيم ! فلا قِبلَ لنا بهذه الأفاعي ! _ لا تنصت لهم أيها الزعيم ، إنهم جبناء !! _ جبناء لأننا نود أن ننجو بأنفسنا وأسرنا ؟! _ جبناء لأنكم تتخلون عن أرضكم بهذه البساطة دون أي قتال ! _ وكيف تريدنا أن نقاتل الأفاعي ، بالسيف أم البارود ؟! _ أنتم لا تستحقون الحياة !! _ حذار ِ أيها الكهل ، أنت تتعدى حدودك ! _ أنتم لا حدود لكم ! _ كفى !! صرخ الزعيم موقفاً الشجار ، نطق أحدهم : أعتقد أن هناك حل ! تركزت العيون عليه بلهفة ، استطرد : عندما كنت في المدينة أبيع محصول أرضي لهذا الموسم ، سمعت أن أهل القرية المجاورة عانوا من نفس مشكلتنا ، وأنهم استعانوا برجل طرد كل الأفاعي من قريتهم . تساءل الزعيم : استعانوا برجلٍ واحد ليطرد الأفاعي ؟! أومأ الرجل قائلاً : هذا ما سمعت ! _ هل ذلك الرجل مشعوذ ؟ _ يقولون أنه متخصص في التعامل مع الأفاعي ، ويلقبونه بالراقص مع الأفاعي ! _ الراقص مع الأفاعي ؟! قصة غريبة لابد من أن نتأكد من أهل القرية أنفسهم ! _ هذا صحيح ! وبالفعل ذهب الزعيم إلى أهل القرية المجاورة الذين أكدوا صحة الرواية ، وأخبروه أن الراقص مع الثعابين أخذ منهم بقعة أرض كبيرة ثمناً لجهوده، أنطلق الزعيم فوراً حتى صار وجهاً لوجه مع الراقص مع الثعابين ، الذي كان يرتدي رداءً طويل يغطي كل جسمه حتى وجهه كان جزءه العلوي يختفي تحت قلنسوة . _ لقد جئتك .. _ أعلم لما جئت !.. فالناس لا يلجئون ألي إلا لسبب واحد .. الأفاعي ! _ أجل هذا صحيح ! _ أعتقد أنك على علم بالثمن ؟! _ أجل ! ولكنه كثير ! _ هذا ثمني ! والقرار لك ! لم يكن لدى الزعيم خيار سوى الموافقة ، ساعات وصار الراقص مع الثعابين واقفاً وسط القرية ، أهل القرية يراقبونه من بعيد، خلع عنه رداءه ، ليكشف عن جسدٍ عاري ضئيل ، وعينين غائرتين براقتين ، عظام الوجنتين بارزتين ، وجه جامد قاسي بدا كمومياء ، يرتدي حلق حول معصميه وساقيه متصلة بسلاسل من العظام الصغيرة ، تغطي ساقيه ومعصميه ، يحمل عصا ، في قمتها نفس الحلق العظمية ، ولكن بشكل أكثف ، هز عصاه في الهواء وهوى بها على الأرض ضارباً ، لتصدر صوت يشبه الخلخال لكنه أقرب إلى صوت الأفاعي المجلجلة ، ظل الراقص يضرب العصا بالأرض بطريقة تصدر نغمة معينة ، بعد لحظات احتشدت آلاف الأفاعي زاحفة نحوه ، ، غير من طريقة ضربه للعصا ، ليغير النغمة ، شكلت الأفاعي حلقة حوله ، استمر في الانتقال من نغمة لأخرى ، اتضح لأهل القرية أنه يسيطر على هذه الأفاعي من خلال تحكمه بإيقاع ضرب العصا على الأرض ، بعد وقت ليس بالطويل ، شكلت الأفاعي طابور ، وزحفت بشكل منظم نحو صندوق كبير أحضره الراقص معه ، لتدلف إلى داخله واحدة تلو الأخرى حتى خلت القرية منها تماماً ، أغلق الراقص الصندوق بإحكام ، وألتفت إلى زعيم القرية وهو يتصبب عرقاً ، وقال لاهثاً : لقد أنتهيت ! _ كان هذا مذهلاً ! _ أجل ! هذا العرض لا يتكرر كثيراً ! غادر القرية مع الثعابين بعد أن تملك بقعة كبيرة من قريتهم اختارها بنفسه ، عاد الأمن والاستقرار إلى القرية مجدداً ، وأنتهى الخوف ، لكن ليس تماماً ، فبعد بضعة أسابيع ، حدث شيئاً غريباً في القرية ، عادت الأفاعي ، لكنها استقرت في بقعة راقصها ، ولم تتعداها ، أثار هذا خوف أهل القرية وحيرتهم في آن ، ولم يستطيعوا له تفسيرا ، مضت الأيام والأفاعي لم تبرح منطقتها ، وعَلِمَ أهل القرية أن كل القرى المجاورة التي استعانت بالراقص ، حصل معها نفس الشيء ، تحرك زعماء القرى إلى مقر الراقص ، الذي كانت تحيط به الأفاعي ، رادعة إياهم من الاقتراب ، نادوا عليه ، خرج عليهم . _ ما الذي يحدث أيها الراقص ؟ _ ماذا هناك ؟ _ استنجدناك من الأفاعي فتعيدها إلينا ! _ هل آذتكم ؟ _ كلا ! _ إذن لما الشكوى ؟ _ إنها ترعبنا ! _ هي تحرس أرضي ! _ إذن أنت من جلبها إلينا لتنهب أرضنا ! _ أجل فعلت ! _ لقد خدعتنا ! _ أنتم من أتيتم لي .. لا أنا ! _ خطت لهذا منذ البداية !! _ صدقوني ! .. هذه الأفاعي صمام آمان لكم ! فكما هي تحرس أرضي هي تحرس قراكم ! _ لا نريدها ! أخرجها من قريتنا وإرحل عنا ! _ أرحل ؟! لابد أنكم واهمون ! بدوني لن تنعموا بالأمن والأمان ! ستغير عليكم هذه الأفاعي وتبيدكم ، لذا أعلموا أن في بقائي حياتكم ! _ لن تنجو بفعلتك ! _ تحركوا من هنا قبل أن آمر الأفاعي بقتلكم جميعاً ! عادوا منهزمين ، مستسلمين للأمر الواقع ، مضت الأيام والشهور ليجدوا أنفسهم يطعمون الأفاعي النصيب الأكبر من خيراتهم ، وبين ليلة وضحاها صاروا عبيداً للراقص مع الثعابين ، يحيا بعرقهم ، ويتزوج ما طاب له من نساءهم . ذات يوم استيقظ أهل القرية وقد اختفت الأفاعي عن بكرة أبيها من كل القرى ، وكأن الأرض ابتلعتها ، لم يصدقوا أعينهم ، وظنوا أنها ستعود ، لكن لا أثر للأفاعي حتى بعد مضي يومين ، توجه زعماء القرى إلى مسكن الراقص ، ليجدوه ملقي على الأرض وقد استحال جثة متعفنة ، وآثار لدغة أفعى على عنقه ، فقال أحد الزعماء : هذه نهاية الرقص مع الثعابين !