النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    الحوثيين فرضوا أنفسهم كلاعب رئيسي يفاوض قوى كبرى    انفجار الوضع بين الهند وباكستان    57 عام من الشطحات الثورية.    إنتر ميلان يحبط "ريمونتادا" برشلونة    مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    الإمارات تكتب سطر الحقيقة الأخير    صرف النصف الاول من معاش شهر فبراير 2021    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    إنتر ميلان إلى نهائى دورى ابطال اوروبا على حساب برشلونة    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    تحطم مقاتلة F-18 جديدة في البحر الأحمر    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    الخارجية الأمريكية: قواتنا ستواصل عملياتها في اليمن حتى يتوقفوا عن مهاجمة السفن    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    محمد عبدالسلام يكشف حقيقة الاتفاق مع أمريكا    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    اليمنية تعلق رحلاتها من وإلى مطار صنعاء والمئات يعلقون في الاردن    صنعاء .. وزارة الصحة تصدر احصائية أولية بضحايا الغارات على ثلاث محافظات    تواصل فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة لليوم الثالث    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الكهرباء أول اختبار لرئيس الوزراء الجديد وصيف عدن يصب الزيت على النار    سحب سوداء تغطي سماء صنعاء وغارات تستهدف محطات الكهرباء    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    اسعار المشتقات النفطية في اليمن الثلاثاء – 06 مايو/آيار 2025    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    حكومة مودرن    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    ودافة يا بن بريك    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وليم ويلسن - قصة مترجمة
نشر في عدن الغد يوم 22 - 07 - 2011

قصص من الغموض و الخيال للقاص و الشاعر الأمريكي الكبير إدجار ألآن بو


وليم ويلسن

سأدعو نفسي في هذه القصة وليم ويلسن، إنه ليس اسمي الحقيقي ، فأنا لا أستطيع إخباركم عن اسمي الحقيقي لأني أشعر بالخجل من ذكره أمامكم ، وهو معروف لديكم ، و جميعكم تحتقرونه و تكرهونه بسبب حياتي المليئة بالشر ، فأنا لم أعد أتمتع بالحب كما لم أعد أشعر بالفخر تجاه عائلتي ، كل عائلتي التي ارتبط اسمها هي أيضا بالشر في هذه الحياة الدنيا. كما أنى لم أعد أملك أي آمال أو طموح.

كما أني لن اصف لكم السنوات المقبلة من حياتي المليئة بالتعاسة و الشقاء وبالجرائم التي لا تغتفر التي ارتكبتها حينما كنت شابا ، فلقد شعرت فجأة بنزعة متزايدة نحو الشر، و بدأ أن الخير كله قد هجرني ، فعادة ما ينزع بعض الناس إلى الشر تدريجيا ، أما أنا فكانت حالتي غريبة حقا فقد تحولت إلى نزعة الشر بسرعة فائقة دون مراحل. و أردت أن أشرح لكم السبب الذي دفعني إلى هذه الحالة الرهيبة من الإجرام ، أن شبح الموت يطاردني الآن و قد اضعف معنوياتي كثيرا ، فأنا أحتاج منكم التعاطف و ربما الرحمة لكل ما اقترفته من جرائم أعترف بأنها لا تغتفر. سأخبركم بقصتي ، ولكن رجائي الوحيد أن تتمهلوا في حكمكم علي و أن تستمعوا لقصتي جيدا فربما تجدوا في قصتي شيئا ولو بسيطا يخفف من شعوركم نحوي بالكراهية و الاحتقار ، آمل ذلك.

أنا الآن أموت من تأثير تجاربي المخيفة و المتوحشة في الماضي ، كما أني أموت لأني أعتقد بأن ساعتي قد حانت، و لكنني أتمنى أن أعيش ليس لأني أريد أن أعيش و لكن كي أخبركم بقصتي كاملة و أترك لكم الحكم فيها. فهيا نبدأ :

كانت عائلتي عبارة عن أفراد ذو ميول إجرامية قوية ، و لقد و رثت بعض أسوء صفاتهم ، و كلما كبرت ، كبرت معي هذه الصفات و الميول الإجرامية الموروثة التي أضرت بشكل كبير بي و بمن حولي ، كما أن والدي ووالدتي لم يفعلا الكثير لتحسين سلوكي لأن طبيعة الشر كانت متأصلة بهم كما أخبرتكم سابقا، فعندما كنت صبيا كنت أعمل ما يحلو لي في المدرسة و لم يكن أحد ليجرؤ أن يقف في طريقي. إن ذكريات طفولتي في المدرسة ترتبط بصورة كبيرة بمدرسة كبيرة و قديمة في إحدى القرى الإنكليزية ، كنت طالبا في هذه المدرسة لخمس سنوات ، و كنت خلال تلك الفترة و في ذلك المكان قد واجهت فيه تحذيرات من ميولي نحو الشر. كنت صبيا نشيطا و ذكيا و مشاكسا و أحب السيطرة على الآخرين ، فكنت أسعد كثيرا بهذا الإحساس خصوصا عند السيطرة على الآخرين , و سرعان ما أكسبتني تلك الصفات الزعامة على جميع الأولاد في المدرسة ، ماعدا طالبا واحدا ، و كان هذا الطالب – و يا للعجب- يدعى أيضا وليم ويلسن بالرغم من أنه لم يكن من أحد أقربائي. كان هذا الطالب هو الوحيد الذي نافسني في الدراسة و الرياضة كما رفض سيطرتي على الآخرين بل و تحداني ، كما كان يتدخل في كل خططي التي كنت أضعها للطلاب.

لقد ضايقتني كثيرا معارضة وليم و لسن الدائمة لي ، و بالرغم من تجاهلي له أمام الملأ ، إلا أنني كنت اشعر سرا بالخوف منه ، نعم كنت أخشاه ، فلم أستطع التوقف عن التفكير في أنه أفضل مني ، كما أن الآخرين لم يلحظوا التنافس الحاد الذي كان قائما بيننا ،و قد أدركت بأنه أراد أن يكون التنافس بيننا شخصيا و لا يطلع عليه أحد، فمن جانبه لم يكن لديه الطموح أو القوة التي كنت أتمتع بها ، كما أنه لم يكن يريد السيطرة على الآخرين مثلي ، بدأ و كأن هدفه الرئيسي فقط هو مضايقتي و معارضتي فيما أذهب إليه و إفساد نجاحي ، كما كانت هناك فترات كان يظهر فيها عاطفته نحوي ، و لم أحب هذا السلوك منه لأنه يشعرني بالشفقة تجاهي.

و من عجائب الصدف أيضا بأنني و ويلسن التحقنا بالمدرسة في اليوم نفسه ، و كما أسلفت فإنه لا ينتمي لعائلتي بأي قرابة ، و لكنني و بالرغم من ذلك كله شعرت بالدهشة و ذلك عندما سمعت مصادفة – بعد إنهائي للدراسة الابتدائية- بأن ويلسن كان قد ولد في التاسع عشر من يناير عام 1813م و كان هذا هو بالضبط تاريخ مولدي أنا أيضا.

و بالرغم من تفكيري الدائم بويلسن إلا أنني لم أكن أكرهه ، صحيح بأننا كنا نتشاجر كل يوم تقريبا، كما أنه كان دائما يسمح لي بهزيمته حتى أمام الآخرين أحيانا ، و لكنه أيضا كان دائما ما يشعرني بطريقة ما بأنه هو من يستحق النصر لا أنا. لم نكن عدوين لدودين ، لكننا أيضا لم نكن صديقين حميمين ، لم يكن من السهولة بمكان أن اصف شعوري نحوه ، فقد كان شعوري تجاهه خليط من الكراهية ممزوجة بالاحترام مع كثير من الخوف منه و كثير من الفضول حوله.

لقد أدركت بعدها أن أنسب طريقة لهزيمة ويلسن و دحره هي بأن اسخر منه خصوصا أمام الآخرين، و لكن ويلسن لم يكن ذلك النوع من الناس الذي يمكن السخرية منهم بسهولة. في الواقع كنت مجبرا على الاستفادة من نقطة ضعفه الوحيدة حتى أستطيع الحفاظ على موقعي كزعيم للتلاميذ. كانت نقطة ضعفه تكمن في صوته ، لسبب ما، ربما بسبب مرض في الحنجرة أو ما شابه ذلك ، فلم يكن ويلسن يستطيع أن يرفع صوته كثيرا، فكان صوته أشبه بهمس منخفض. و قد حاولت مرارا و تكرارا من السخرية من نقطة ضعفه هذه ، و لكن و يلسن استطاع أن يثار لنفسه ، و قد أزعجني أكثر مما كنت أتصور . فمثلا كان يقلد حركاتي بالتفصيل ، فقد كان يقلد صفاتي و حركاتي و طريقة مشيي و ملبسي ، و قد نجح في هذا إلى حد بعيد ، حتى بالرغم من ضعف صوته فقد استطاع أن يقلد طريقة كلامي . و الذي ساعد كثيرا في تقليده لي بأننا كنا في نفس الطول و متماثلين في الهيئة حتى ليخيل لمن يرانا بأننا أخوة.

و لكن عزائي الوحيد في هذا الوضع بأنه لم يلحظ أي شخص التشابه القائم بيننا في الشكل، ولكن كان ويلسن الوحيد الذي يجرؤ على الضحك في وجهي ، لماذا لم يلحظ الآخرون خطط ويلسن تجاهي ؟ سؤال لم أتلقى إجابة عنه إلى الآن.

كانت هناك خاصية أخرى لويلسن بجانب خاصية التقليد ، فقد كان يحب النصح لي، فكان كثيرا ما يشعرني أثناء تقديمه النصح لي بأنني بأمس الحاجة لنصائحه مما كان يثير غضبي كثيرا، فلم أحب هذا الأسلوب كما أنني رفضت الإصغاء لنصائحه، و يجب أن أعترف اليوم بأن كل نصائحه التي أسداها لي كانت صائبة و حكيمة، كما كان سلوكه أكثر استقامة من سلوكي ، و كان من المؤكد بأنني كنت سأكون أسعد حظا و أفضل حال إذا ما اتخذته خليلا لي.

ازدادت كراهيتي لويلسن خصوصا عندما كان يتدخل في شؤوني الخاصة ، و نتيجة لذلك كثر شجاري معه و الغريب أن ويلسن كان يرد علي بأسلوب أكثر تأدبا من أسلوبي ، لوهلة اعتقدت بأني أعرفه من قبل أن التقي به في المدرسة ، و لكن هذا الشعور كان قد اختفى فجأة ، وأنا أذكره الآن لأن تلك كانت آخر مرة كنت قد تكلمت -أو بالأحرى تشاجرت- فيها مع ويلسن في المدرسة.

في إحدى الليالي ، و قبل أن أترك المدرسة ، قررت أن أقوم بآخر سخرية تجاه منافسي . بينما كان الكل يغط في نوم عميق ، استيقظت و توجهت نحو غرفة ويلسن و كنت أحمل معي قنديل ، فأزحت الستائر حول سريره، و رأيته نائما ، و أنا أنظر إليه شعرت برعشة باردة تهز جسدي ، فاهتز قنديلي و بدأ أن الدم كان قد تجمد في عروقي، فشعرت برعشة و خوف ، و بينما كنت أجاهد للحصول على نفس أروي به كليتاي ، قمت بتقريب القنديل من وجه ويلسن النائم ، هل هذا هو وجه وليم ويلسن؟ و تأكدت بأن هذا بالفعل هو وجهه ، و لكنني ارتجفت لما رأيت ، فلم يكن ويلسن – وهو نائم – يبدو مثلما يكون وهو مستيقظ ، لقد كان يشبهني تماما و هو نائم ، صورة طبق الأصل مني، يا للعجب !! نفس الاسم ، نفس الهيئة ، نفس يوم الالتحاق بالمدرسة و نفس يوم المولد. و في نفس اللحظة تذكرت تقليد ويلسن الدائم لي ، هل هذا الشبه الكبير الذي يصل إلى حد التطابق هو نتاج هذا التقليد الدائم لي ، بعدها قررت مغادرة الغرفة ، و قبل حلول النهار كنت قد تركت المدرسة و أقسمت بأن لا أعود إليها ثانية.

بعدها بأشهر توجهت لكلية إنكليزية مشهورة تدعى إيتون ، و درست بها مدة من الزمن ، و هذا التغيير ساعدني على نسيان مدرستي الأولى ، كما بدأت أنسى ويلسن . كانت حياتي الدراسية في إيتون مليئة بالإهمال كما كانت حياتي الخاصة مليئة بالعبث و اللامبالاة ، و لا يمكنني أن أصف لكم كيف كانت الثلاث سنوات التي قضيتها في إيتون التي من خلالها بدأت جذور الشر بالتأصل في شخصيتي. و ذات مساء بعد أن شربت كثيرا ، دعوت بعض من أصدقائي لحفلة في شقتي ، التقينا في ساعة متأخرة من الليل - و كنا عادة ما نسهر حتى الصباح ، و كنا عادة ما نشرب النبيذ حتى الثمالة ، كما كنا نستمتع بلعب القمار – أتى الخادم و أخبرني بأن هناك شخص على عجلة من أمره يريد مقابلتي ، و بمجرد توجهي للظل – كان الفجر مازال مظلما- رأيت هيئة شاب في مثل طولي و حجمي و كان يرتدي معطف أبيض تماما مثل معطفي، اندفع باتجاهي و امسك بذراعي و دنى برأسه تجاهي و عندها قال لي – بصوته الهامس الضعيف- "وليم ويلسن" ، ورفع إصبعه تجاهي محذرا ، و كانت حركته هذه قد جلبت لي العديد من الذكريات الماضية و قد زلزلت كياني و اختفى بعدها مباشرة.

بعد عدة أسابيع تساءلت كثيرا عن هذه الحادثة ، و قد عرفت بالطبع بأن زائري غير المرغوب فيه هذا كان منافسي في المدرسة وليم ويلسن الذي ظننت بأني كنت قد نسيته ، و لكن من أين أتى بعد كل هذه السنوات ؟ و كيف عرف طريقي؟ و لماذا يتدخل في شؤوني الخاصة؟ و قد حاولت معرفة أخباره و لكني فشلت ، شيئا واحدا عرفته بشأنه وهو أنه ترك المدرسة التي درسنا بها سوية نتيجة لحادثة وقعت لعائلته في نفس اليوم التي تركتها أنا.

بعدها بسنوات قليلة انتقلت إلى جامعة إكسفورد و هناك أيضا كانت حياتي لاهية عابثة فكنت دائما ما ابحث عن المتعة ، كما أن في هذه الجامعة تعلمت الغش في الامتحانات و لم يكن من يجرؤ على منافستي في هذا المجال و كنت أتحصل من ذلك على الدرجات العالية ، و كنت سعيدا بهذا ، كما كنت أغش زملائي أنفسهم أثناء لعب القمار و لم يتمكن أحدا منهم من كشف الحقيقة لسنوات عدة ، و كان هناك شاب غني يدعى جلندنينج ، و كان يدرس معنا في الجامعة ، كما كان ذا شخصية ضعيفة و بدأ الشخص المثالي بالنسبة لي للاحتيال عليه ، و كنت كثيرا ما ألعب معه القمار و كنت أدعه يكسب في البداية مبلغا كبيرا من المال حتى أوقعه في الفخ ، وأخيرا أصبحت خطتي جاهزة ، فالتقينا عند منزل أحد الأصدقاء الذي لم يكن يعلم شيئا عن خطتي ، كنا حوالي ثمانية أصدقاء نلعب القمار ، و قد لعبنا لوقت طويل، حتى لم يعد في الطاولة سوى السيد جلندنينج و أنا أما البقية الباقية فأحاطوا بالطاولة يرقبوننا ، و لفترة قصيرة كان جلندنينج – و كان ثملا جدا- يدين لي بملغ ضخما من المال ، و قد تضاعفت ديونه لي كثيرا كلما طال اللعب بيننا ، و بعدها رأيته و قد شحب وجهه وبدأ أنه منهار تماما ، عندها اقترحت بوقف اللعب ، و سمعته بعدها يصرخ صرخة منهارة و علمت عندها بأنني قد حطمته تماما.

كان هناك صمتا مطبقا في الغرفة ، و كانت نظرات الآخرين تجاهي مليئة بالاحتقار و اللوم على ما فعلته ب جلندنينج ، كنت متوترا و لم أكن أعي تماما ما فعلته ، بعدها مباشرة انفتح باب الغرفة الرئيسي و دخل الهواء الغرفة فأطفأت المصابيح ، كان الوقت مازال مظلما في الفجر ، و بمجرد انطفاء المصابيح بفعل العاصفة الهوجاء دخل شخص غريب الغرفة و وقف بيننا ، والتفت تجاهي ، و سمعناه يقول بصوت هامس ضعيف و لكنه لا ينسى : " أيها السادة ، إنني لا أعتذر عما قمت به من تطفل بدخولي خلسة إلى شقتكم لأنها مهمتي ، وأنتم جميعا لا تعرفون حقيقة الشخص الذي لعب معكم القمار الليلة و الذي كسب مبلغ ضخما من المال من السيد جلندنينج ، فأنا أنصحكم جميعا بتفتيش ما بداخل كمه الأيسر و جيوب معطفه الكبيرة" ، بعدها غادر الغرفة مباشرة. كيف يمكنني أن أصف لكم شعوري بعد ما حدث ؟ فلم يعد لدي كثيرا من الوقت للتفكير فقد امتدت كثير من أيادي الحاضرين لتفتيشي ، كما أضيئت الأنوار، وجد الأصدقاء العديد من صور ورق اللعب الضرورية في الفوز في كمي الأيسر و جيوب معطفي .
لقد احتقرني أصدقائي بعد كل ما شاهدوه ، و قد شعرت بحرج شديد و لم أستطع أن أبرر فعلتي تلك لديهم ، بعدها قال لي مضيفي و الاحتقار بادي بوضوح على عينيه " يكفي ما قد رأيناه منك اليوم يا سيد ويلسن ، آمل أن تغادر شقتي الآن ، بل وتترك إكسفورد كلها. بعد تلك الليلة مباشرة في الصباح الباكر غادرت إكسفورد إلى باريس و كنت أشعر بمرارة الألم و الخزي، و لكن عبثا كانت كل محاولاتي للفرار قد باءت بالفشل ، كان قدري الرهيب يطاردني أينما ذهبت ، أيضا في باريس طاردني ويلسن و كان يتدخل في أموري و يفسد خططي ، و كذلك في روما عطل الكثير من نجاحي و كذا في فيينا و موسكو ، و كنت أحاول جاهدا الهروب منه و لكن دون جدوى، أستمر هذا الحال لسنوات عدة ، حتى أنني بدأت أشعر باليأس، وكان ويلسن يفسد خططي لسبب واحد في نفسه ألا وهو منعي من تحقيق طموحي ، فشعرت بالعذاب الشديد نتيجة لعلمي بهذه الحقيقة ، كما أنني أيضا شعرت بغضب شديد تجاهه ، و قد استمر هو لسنوات عديدة في تقليدي في ملابسي و طريقة مشيي و لكنني لم استطع رؤية وجهه بشكل مباشر منذ طفولتنا ، عموما كان بالنسبة لي وليم ويلسن تلميذ المدرسة التي ننتمي إليها كلانا – ذلك المنافس العنيد الذي امقته بشدة.

و لكن – أيها القارئ – دعني اعجل في إخبارك بنهاية قصتي هذه. خلال هذه الفترة ، أصبحت أعاقر الخمر بشكر كبير مما افقدني كثيرا من صبري تجاه منافسي الممقوت ، فكنت في روما في العام 1847 م و قد قررت أن أضع حد لكل معاناتي تلك ، ففي أحد الأيام و بينما كنت في روما ، دعاني أحد النبلاء إلى بيته لحضور حفلة راقصة ، و كان كبير في السن متزوجا من حسناء شابة و مرحة ، و قد خططت لملاقاة السيدة في حديقة المنزل ، و لن أخبرك – أيها القارئ – بتفاصيل هدفي من هذا اللقاء ، و يكفي أن تعلم بأنه هدف غير شريف. فأسرعت إلى هناك و لكن سرعان ما شعرت بيد توضع على كتفي و سمعت ذلك الصوت الهامس المألوف لدي. فانحرفت يمينا و كلي غضب و أمسكت بياقته بشدة ، و حين نظرت إليه كان يرتدي – كما توقعت – نفس الملابس التي كنت أرتديها و كان كلانا يحمل سيفا. فقلت صارخا بغضب " أيها الملعون ، لن تعذبني بعد الآن ، أشهر سيفك و قاتلني" ، فتردد للحظة ، و لكن بعدها قرر الدفاع عن نفسه.

كنت حينها مهتاجا هياجا شديدا و أتوق لقتله لإنهاء معاناتي ، و بعد قتال دام لبرهة من الزمن ، اصبح هو تحت رحمتي ، و بدون أي تردد قمت بغرز سيفي بكل قوة إلى صدره.
لبرهة قصيرة سمعت وقع أقدام من خلفي فنظرت فلم أجد شيئا ، فسرعان ما ألتفت إلى غريمي وهو يموت. و لكن و للحقيقة لم استطع وصف تلك الرهبة و الخوف اللذان سيطرا علي في تلك اللحظة عندما نظرت إليه. كان شاحبا جدا ، و مغطى بالدماء ، و لكن و بالرغم من ذلك استطعت أن أتبين بأن كل قسمة من قسمات وجهه و كل خيط من ثيابه كانت – و يا للمفاجأة- مثلي تماما .

لقد كان ويلسن ، و لكنه لم يعد يتكلم بهمس ، كما أني شعرت بأن كلامه هو كلامي أنا عندما قال لي وهو يحتضر : " لقد انتصرت ، و خسرت أنا ، و لكن يجب عليك أن تعلم من الآن فصاعدا بأنك ميت ، ميت في الدنيا و الآخرة ، و لا أمل يرجى منك بعد الآن ، كنت جزء مني ، و الآن و قد قتلتني ، أنظر جيدا لي و ستعلم بأنك قد قتلت نفسك" .

ترجمة : د. طارق علي عيدروس السقاف قسم اللغة الإنكليزية/ كلية التربية / جامعة عدن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.