للكاتب السويدي: يالمار سودربيري ترجمة: حسن عيسى الياسري كان الشتاء قاسياً هذا العام حتى وكأن الناس قد تقلصت احجامهم عدا اولئك الذين يمتلكون معاطف من الفرو. كان لمسؤول المحافظة جون ريتشارد معطف كبير من الفرو بعكس صديقه القديم الطبيب هينك الذي لم يكن لديه اي معطف فرو غير انه كان لديه بدلا عن ذلك زوجة جميلة وثلاثة ابناء. كان الطبيب شاحباً ونحيلاً فبعد الزواج يزداد وزن البعض وينحف البعض الآخر وكان الطبيب من الفئة الاخيرة وكان الوقت ليلة الميلاد. - لقد كان هذا عاماً سيئاً، قال هينك محدثاً نفسه وهو يسير ساعة الغسق باتجاه صديقه القديم ريتشارد ليقترض بعض المال، لقد كان عاماً سيئاً جداً وصحتي ليست على مايرام، وان كنت لااريد ان اقول بأنها مدمرة. لقد بدا وكأن مرضاي يعالجون انفسهم بانفسهم ولم اعد اراهم إلاما ندر. سأموت على الارجح في القريب العاجل، حتى زوجتي تعتقد بهذا لقد رأيت ذلك في قسمات وجهها واعتقد ان هذا امر مرغوب فيه خاصة اذا ماوقع قبل بداية شهر يناير فحينئذ سيتم دفع قسط تأمين الحياة اللعين. وبينما هو مستغرق في هذه الافكار وجد نفسه في احدى التقاطعات واراد ان يقطع الشارع لمواصلة مسيرته ولكنه تزحلق وفي الوقت نفسه مرت زلاجة للأجرة بكامل سرعتها فبدأ الحوذي بالسباب واخرج الفرس عن الطريق ولكن وبرغم ذلك فقد تلقى الطبيب ضربة على كتفه بالاضافة الى ان قطعة حديدية ما خرقت معطفه ومزقته. تجمع الناس من حوله وساعده رجل الشرطة على النهوض بينما نفضت عنه الثلج احدى الفتيات واشارت احدى السيدات الى الفتحة الكبيرة في معطفه وبدى وكأنها تمنت ان تصلحه في تلك اللحظة لو امكنها ذلك، ثم وضع احد الامراء الذي كان مارا بالصدفة من هناك قبعة الطبيب على رأسه فكان كل شيء على مايرام مرة اخرى فيما عدا المعطف. - انك في حالة مزرية، قال ريتشارد مخاطباً هينك ساعة وصوله اليه. - نعم ، لقد تعرضت لحادثة دهس، قال هينك. - يالطبعك الغريب، قال ريتشارد ضاحكاً، ولكن لايمكنك الذهاب الى البيت وانت بهذه الحال. بإمكانك ان تستعير معطفي الفروي وسأرسل احد الفتيان ليحضر معطفي الآخر من المنزل. - شكراً لك، قال هينك. وبعد ان اقترض المائة كرونة التي كان بحاجة اليها ابتسم قائلاً: - مرحبا بك على الطعام هذا المساء. كان ريتشارد اعزبا اعتاد على تمضية امسية الميلاد عند هينك. كان مزاج هينك رائقا وهو مالم يشعر به منذ مدة طويلة. - كل هذا بسبب معطف الفرو، قال محدثاً نفسه، لو كنت حكيما لأقترضت واشتريت معطفا كهذا منذ زمن بعيد. لعزز هذا من ثقتي بنفسي ورفع من قدري بين الناس. فهم لايدفعون نفس المبلغ لطبيب يرتدي الفرو كما يدفعون لطبيب لايمتلك سوى معطف عادي جدا. انه لمن المزعج عدم تفكيري بهذا سابقا اما الآن فقد تأخر الوقت على ذلك. تمشى قليلا في الحديقة الملكية، كان قد حل الظلام وبدأت تثلج ثانية ولم يتعرف عليه اي احد. - ولكن من يستطيع الجزم بأن الوقت قد مضى؟ استمر هينك يحدث نفسه، فأنا لست كبيرالسن الى هذا الحد، وقد يكون تشخيصي لوضعي الصحي خاطئا. انا فقير كأي ثعلب في الغابة، ولكن كان هذا حال ريتشارد لفترة ليست بالبعيدة. كانت زوجتي قاسية وباردة المشاعر تجاهي لابد من انها ستحبني من جديد اذا ما اصبحت اكسب مالاً اكثر وارتدي الفرو. لقد بدى لي بانها اعجبت بريتشارد بعد شرائه للفرو اكثر من السابق. لقد كانت شابة وقد رفض الزواج بها وقال بأنه لن يتجرأ على الزواج اذا لم يكن دخله السنوي عشرة آلاف على الاقل. اما انا فقد تجرأت وكانت ايلين فتاة فقيرة ترحب بالزواج. لا اعتقد بأنها كانت تحبني ولكنني متأكد من انها اعجبت بي في بداية حياتنا الزوجية فلايمكن للمرء ان يخطيء بمثل هذه الامور، فلم لايمكن لهذا ان يحدث ثانية. فخلال الفترة المبكرة من زواجنا كانت لاتنفك تذكر ريتشارد بسوء كلما التقيا ولكن وبعد ان اسس شركته الخاصة ودعانا الى المسرح في بعض الاحيان واشترى معطفه الفرو تعبت زوجتي من ذكره بسوء. كان على هينك ان يتدبر العديد من الامور قبل موعد الطعام وكانت الساعة الخامسة و النصف فعاد الى المنزل محملاً بالعلب الكرتونية شعر بالالم في كتفه الايسر وإلا ما ذكّره شيء بحادثة الظهيرة سوى معطف الفرو. - سيكون من الممتع رؤية ما ستفعله زوجتي ساعة تراني بهذا المعطف، قال هينك مخاطباً نفسه. كان مدخل البيت مظلماً بالكامل ولم يستخدم الضؤ اطلاقاً خارج اوقات دوام العيادة. - ها انا اسمعها في الصالة، فكر هينك، انها تسير بخفة كالطيور ولطالما شعرت بالدفء وبخفقات قلبي ساعة اسمع خطواتها في غرفة مجاورة. لقد كان الطبيب مصيباً في تنبؤه بأن زوجته ستستقبله بود وحنان لأنه يرتدي الفرو عكس ما كانت تقوم به في السابق فها هي تندس بين ثنايا معطفه في اعتم زاوية في المدخل وتطوق عنقه بذراعيها وتقبله بدفء واخلاص ثم تمرغ رأسها بياقة معطفه وتقول هامسة: - ولكن هينك لم يعد الى المنزل بعد. - بلا ، اجاب هينك بصوت غير ثابت بينما داعب شعرها بكلتا يديه، بلا انه في البيت.
تأججت في غرفة عمل الطبيب شعلة كبيرة من اللهب وعلى الطاولة استقر الخمر و الماء، تمدد ريتشارد على كرسي طويل وهو يدخن السيجار اما الطبيب فقد تكور على نفسه فوق اريكة زاوية بينما كان الباب مفتوحاً على الصالة حيث كانت الزوجة و الاولاد يقومون بإضاءة شجرة الميلاد. خيم الصمت اثناء تناول الطعام ولم يتحدث سوى الاطفال الذين كانت السعادة بادية عليهم. - انك لاتقول شيئاً ايها الفتى الكبير، قال ريتشارد ، لعلك تفكر بمعطفك المعطوب؟ - كلا ، اجاب هينك ، بل افكر بالفرو. ثم صمت لبرهة قبل ان يواصل حديثه: انني افكر بشيء آخر ايضا. انني اعتقد بأن هذا سيكون آخر ميلاد نحتفل به سوية. فانا طبيب واعرف انه لم يتبق لدي الكثير من الوقت. وقد ايقنت بهذا الآن بصورة مطلقة ولهذا اريد ان اشكرك على اللطف الذي ابديته في الفترة الاخيرة تجاهي وتجاه زوجتي . - اوه ، انك مخطيء في ذلك، دمدم ريتشارد واخذ ينظر الى البعيد. - كلا ، اجاب هينك ، انا لست مخطئاً واريد ان اشكرك ايضاً لإعارة المعطف الي فلقد منحني آخر لحظات سعادة في حياتي.