ما يحدث في الجنوب اليوم من استعداء لكل ما هو شمالي ، ولو كان قاطناً في الجنوب منذ ثلث قرن ، مظهر من مظاهر الفصام السياسي ، وهم ضحية لثقافة تغييب شاملة امتدت منذ حكم الحزب للجنوب الئ حكم عفاش فأصيب الجنوبي بخيبة أمل ، وتلبسته حالة قنوط خلقت لديه نظرة سوداوية تجاه الحياة، غير أن مردَة الحراك وظفوا هذه الطاقة المكبوتة تجاه كل ما هو شمالي، وتناسوا مسيرة نصف قرن من القولبة الأيدلوجية التي أفقدت الإنسان الجنوبي خصائص الإنسان الواعي وجعلته خائفاً متردداً ومتوجساً من كل شيء، ففقد ثقته بنفسه وبالآخرين. نحن اليوم أمام جيلين: جيل صنعته مطارق الحزب الجهنمية، وجيل عبثت فيه تربية عفاش الإفسادية، والنتيجة ضياع هوية اليمن وفقدان بوصلة التاريخ . مشكلة الجنوب ليست في الوحدة، وحلها ليس في الانفصال ، بل ربما يرتكب الجنوبيون الخطأ الأكبر إذا ما قرورا الانفصال ، فيتحولون إلى كنتونات صغيرة يحكمها أمراء الحرب. من حق الجنوبيون أن يختاروا أي صيغة للتعاقد السياسي في المرحلة المقبلة ، إلا أن من واجبهم أن يعوا درس التاريخ، فلا ينجرفون إلى الهاوية، فإعلان التشطير سيصبح فيروساً يضرب الجزر الجنوبية، فلن ترضى حضرموت بأقل من دولة مستقلة، وستكمل المهرة هجرتها نحو عمان، وستعود قبائل الغرب الجنوبي إلى حرب الزمرة والطغمة، في ظل توزع الرايات، وقد عادت في حرب عدن الأخيرة .. ووقوع الجنوب على مرمى التنازعات الإقليمية والدولية، ووفرة المستثمرين. يحتاج الجنوب الى سياسيين يمتلجون السجاعة والجرأة ليرفعون الصوت عالياً ويقولون للجماهير والغوغاء كفى. ويهتفون في المصابين بمرض الانفصام السياسي : إن مشكلتكم ليست في الشمال، وإنما في نظام يعيد الاعتبار للإنسان كل الإنسان ، والحل يكمن في نضال شامل لبناء دولة حديثة، وفق صيغة أكثر عدالة وبسطاً للحقوق ومراعاة للخصوصيات. حالة الرهبة من الجماهير والخوف من مواجهتها سيدفع ثمنها السياسيون الصامتون ، وتدفع ضريبتها الجماهير العمياء، التي انطلقت بغريزة الألم لا بعقل المبصر. حضر في الجنوب كل شيء إلا صوت الحكمة والعقل، ظل متوارياً عن الأنظار متودداً إلى الجماهير بمطلبها العابث. يؤلمني غياب النخب الحكيمة في الجنوب، وتخوفها من مواجهة الجماهير بالحقيقة المُرّة، الماثلة للجميع التي تشير دالتها إلى أن الانفصال هو الخيار الأسوأ، ليس حباً في الشمال ولكن خوفاً على الجنوب. إن الشجاعة في مواجهة الجماهير العمياء لا تقل عن الشجاعة في مواجهة الأنظمة القهرية والمتسلطة، وهذا ما ينقص النخب الجنوبية الغائبة تحت رداء المظلومية التي قد تتحول إلى آلة لإعادة إنتاج الظلم، فيتحول مظلوم الأمس إلى جلاد اليوم ، يضر بنفسه والآخرين. إلى متى يظل الصوت الوطني في الجنوب غائباً لصالح مرتزقة يتاجرون بآلام الجنوب في أرصفة بيروت وأزقة صنعاء وسواحل الخليج؟!