زياد أحمد عبدالحبيب عاد تنظيم القاعدة في السنوات القليلة الأخيرة ليبرز أنيابه ومخالبه في بعض المحافظات في الجنوب خصوصا في أبين وشبوة، ليثير بذلك قلقا واسعا بين أوساط السكان المحليين، وأخذت التوجسات والمخاوف لدى الناس تزداد من نشاطات وتحركات المنتمين لهذا التنظيم. ومرد هذا الرفض وهذه المخاوف هو أن هذه المحافظات لم تعرف في تاريخها أي تطرف يميني وتشدد وتزمت ديني حتى ظهر الفكر القاعدي.
فهو – أي تنظيم القاعدة- يعتبر أكثر الحركات سوءا في الصيت في تاريخ الجنوب الحديث، لتعارضه وجنوحه عن المنتظم الاجتماعي والإنساني في المجتمع الجنوبي والمتمثل في ثلاثة مسارات، أولها المسار الاجتماعي السائد، وثانيها مسار الفكر الإسلامي الصحيح، وثالثها المسار الوطني المعتدل. . وبرز تنظيم القاعدة كظاهرة جيدة وتنظيم معتل اتسم باختلال منهجه الفكري المستند على نظرية أصولية متطرفة تشكلت من أفكار غير متماسكة غالبا ما تستقى من حوادث بعينها. والنتيجة كانت عبارة عن فكر قاصر ومترهل واعتباطي ومضطرب، فهو بلا غايات واضحة ومحددات ثابتة، ولا يعدو في رأيي عن كونه نتاجا لمجموعة من الشطحات والشحنات جرت عليها محاولات لأدلجتها أن صح التعبير.
وما أود إن أشير إليه في هذه المقالة هو أن الهالة الإعلامية التي أحيط بها التنظيم في الثلاث سنوات الأخيرة التي شنت فيها غارات جوية على منطقة المعجلة ورفض ومناطق أخرى كان مبالغ فيها كثيرا من كافة المقاييس وخاصة فيما يذكر عن أعداد المنتمين للتنظيم في هذه المناطق. ولم يتعامل الإعلام مع هذه المشكلة بطريقة مناسبة ومسئولة من وجهة نظر من يعرف بعض أسرار هذا التنظيم.
لكننا لا بد أن نعترف أن دعوة هذا التنظيم في اتساع، وان عدد أتباعها في تزايد. فهناك عناصر بشرية كثيرة مشحونة ومهيأة للتجنيد والعمل تحت هذه الراية الدامية، وهي ما يعول عليها التنظيم لإعادة إنتاج نفسه ما دامت الأيديولوجيا قائمة. . وانخراط المزيد من العناصر للتنظيم ليس لأن الأفكار التي تستند عليها هذه الدعوة قريبة من الواقع، ولكن العكس ربما هو الصحيح، فذلك لأنها بعيدة كل البعد عن الواقع وهو ما يبحثون عنه المتعاطفين الذين لجئوا إلى عوالم مثالية خاصة بهم في دائرة مغلقة تماما لا تقبل بمنطق الحوار، ولا تؤمن بالتفاهم.
ومع ما يبدو للبعض من ان دعوة هذا التنظيم في الجنوب في قوة ومنعة من الانحلال، فإنها في تقديري في طريقها لتصبح عما قريب دعوة سقيمة وعقيمة، وقد بدأت عملية احتضارها، وان طال زمن عملية الاحتضار، فلن يكون بأكثر من الزمن الذي تراكمت وبنيت فيه الايديولوجيا. . وذلك لان التنظيم متقوقع لا يقبل بالتفاعل الثقافي والحضاري، ولا يقبل بمنطق الحركة والمرونة في التعامل مع الأفكار الأخرى. . وأصحابه بما في ذلك منظريه ابتغوا أن يكونوا معلمي أنفسهم دون أن يتكلفوا عناء معرفة ما تنتجه بقية المدارس الفكرية الإسلامية. والظاهر إن فقدان الرؤية ورفض مبدأ الحركة والليونة وحده كفيل ليجعل التنظيم يحاصر نفسه فكريا ثم ينتهي به الحال إلى الانحلال والانهيار تنظيميا ونظريا.
فإذا كان التنظيم قد اكتفى بأنصار وتابعين ممن ضاقت بهم الأرض ذرعا بعد أن ابهرهم بدعوته ( التي بدت في عيونهم براقة) للخلاص عن طريق التسيد بالعنف وتفجير النفس وقتل النفس المحرمة في كل الشرائع السماوية، فإنه سينصدم عاجلا أو آجلا بانحسار مفاجئ لدعوته. وإذا كان قد مر في المرحلة الماضية بقدر كبير من التناقض والاصطدام بحقائق ومعطيات الحياة السوية، ليصبح تنظيم عنيف ومتقلب وناقم بشكل واضح، فهو اليوم في طريقه إلى المرحلة الثانية التي ستنشطر فيها أركان نظريته المتهالكة أصلا وتتبعثر أجزائه وتنتهي الايدولوجيا نفسها كما حدث مع الخوارج في الماضي.
وختاما، فإنني على يقين بان المجتمع الجنوبي ومن خلال ثقافته السائدة كان وسيظل هو الضامن الأول لمنع حدوث أي اعتلال فكري. فثقافة المجتمع قبل أي حل آخر كالحل الأمني هي التي ستواجه الأيديولوجيا الساندة للتطرف الأصولي وتحطمها وتفككها مثلما أدى من قبل عدم توفر الانسجام الكامل إلى تفكيك الأيديولوجيا الساندة للتيار اليساري المتطرف والمتشدد، فكلنا يعلم إن القوة الغاشمة لم تكن السب الوحيد لانتهاء تلك المكونات اليسارية المتطرفة. وأيديولوجيا القاعدة ستأخذ دورتها الزمنية من السيطرة على عدد ليس بقليل من المشحونين، لكنها في تقديري دورة قصيرة أكثر مما نتوقع بفعل مواجهة المجتمع التي أرادت أن تنشب مخالبها في بيئته. والله من وراء القصد. [email protected]