" ياحزى باحزيلكم" بهذا الاستهلال/المفتاح كانت "جداتنا" يستهلن محازيهن و مفردها محزايه ، أو ما نطلق عليه في لغتنا العربية " الحكاية الشعبية ، و تحديدا الشفاهية منها. فمن المعروف ان الواحدة منهن اي من جداتنا وكما تحضرني الذاكرة هنا كانت تلقي على مسامعنا ونحن أطفال حكايتها -محزايتهاو بلسان المحل الذي ننتمي اليه ، وبأداء صوتي وحركي يرقى الى أعظم ممثلي المسرح والسينما والتلفزة والإذاعة في عصرنا والذي من ابرز صفاته السلاسة والوضوح وشفافية الخطاب السردي المحكي وبفكرة مرسومة بحبكة جمالية من بنات افكارها وربما كان وليد اللحظة يعكس ثراء وخصب مخيلتها بفضاء له حضوره متى أرادت له الحضور في زمن ومكان الحكاية والذي غالبا ماتكون قد أعادت صياغة حكايتها مجددا على ضوء ما اختزنته ذاكرتها العتيقة من حكايات مختلفة يزدحم بها موروثنا الحكائي الشعبي. كما أننا نعرف ان خط سير السرد من قبل "جداتنا" يمضي تصاعديا حسب النسق العام للحكاية وترتيب عناصرها الضرورية اللازمة وبشكل غير مختل في تراكيبه البنائية بما في ذلك إطاره وهيكله العام وبعيدا عن حذلقات اللغة او تعقيداتها أو إشكاليات الخطاب السردي المكتوب والمقروء على حد سواء وتزامنا مع وتيرة نمو الحدث الرئيس وباقي الإحداث الفرعية والتركيز بدرجة رئيسية على ابطال الحكاية وشخوصها أكانوا أساسيين او ثانويين وكل ذلك نجده يتم بيسر وتلقائية ودون تكلف اذ انها ترسم لنا ومن الكلمة الاولى التي تنطق بها غايات حكايتها التربوية والأخلاقية والاجتماعية التي تساعدنا كناشئة في ادراك كنه مكنونات الشخصيات ببصيرة عميقة الغور نافذة ومسيطرة بأسلوبها على كل حواسنا بكل عفوية من اجل مواجهة الف باء الحياة والواقع وتحدياتهما اللاحقة . يقول الدكتور طه الوادي في كتابه الموسوم "دراسات في نقد الرواية" ص15: (( ان الحكاية الشعبية تتميز بكثير من المبالغة في الحكي و الوصفة و التعبير ..بالإضافة الى عدم تحديد الزمان والمكان الذي تدور فيهما الإحداث)). بالطبع ان المحازي التي هي الحكايات الشفاهية الشعبية تزخر بها الذاكرة الجمعية في بلادنا من منطقة الى اخرى وهي تتفق وخصائص محددة تعد من مزايا المنطقة نفسها كاللهجة والأمثال المأثورة وخط سير الحكاية المفعم بالفلكلور الذي تتمتع به المنطقة كناتج طبيعي وموضوعي يدل على الخصوصية الشديدة وتراني هنا اعني في ما اعنيه اسماء وشخوص الحكاية ومكان حدوثها متى تطلبت الضرورة الحكاية ذلك والتي غالبا ما تكون لها زمانها البعيد مع احداث تعديل طفيف له ضرورته المنطقية والحتمية المتوائم مع سير الاحداث وهذا يحدث اما بالزيادة أو بالنقصان وبينهما يكون الحذف الذي لايغفل هذه الأهمية للخلاصة الأخيرة المبتغاة من المحزاية في مايشبه عملية المونتاج في السينما ودون ان يؤثر ذلك على أهداف المحزاية التربوية و الأخلاقية والتي وضعت بعناية في سياق الحبكة الدرامية وبشكل عبقري لا يتعارض مع ماتهفو اليه ذواتنا الشفافة والحالمة دائما وأبدا. وبحسب اطلاعي ونشأتي فلقداعتمدت الحكايات والمحازي الشعبية في لحج تحديدا شكلا سرديا مألوفا استأنسته ذائقتنا السمعية التي اجدها استندت الى استثارة غرائزنا التي فطرنا بها اذ تمكنت جداتنا الطيبات من توظيف محازيهن بذكاء فطري وعفوي مكتسب من مجموع تجاربهن و خبراتهن وبكثير من النضج وقوة الشخصية وابهارها إضافة الى تأصيلهن الاهداف والغايات التربوية وسعيهن الى ترسيخها فينا كأطفال وايضا عدم اغفالهن لتجديد أفكارهن والتنويع في أساليبهن الإلقائية و الأدائية لخطابهن المحكي وفق خط متواز لغايات افضل وعلى نحو ايجابي مؤثر وفعال. ان المتتبع الدارس و كذلك الانسان العادي جدا لواقع المحزاية الحكاية الشعبية لا يستطيع الا ان يخرج بنتيجة واحدة وهي انها استطاعت ان تمسك رغم عفويتها وتلقائيتها الإمساك بإحكام بكل عناصر بقائها و ديمومة استمرارها عبر الأجيال المتعاقبة ولا اغالي اذا قلت الى حاضرنا الراهن الزاخر بالمنجزات العلمية الهائلة وتطور الكتابة السردية المعاصرة بكل ضروبها و ألوانها واجناسها ومدارسها الحديثة.. ان أمرا كهذا هو بلا ريب مازال بحاجة الى دراسات وأبحاث علمية وأدبية رصينة من قبل المهتمين وذوي الاختصاص على السواء. وما يهمني هنا في خلاصة هذه السطوران اعرض لكم اهم مقومات المحزاية كحكاية مروية مررت عليها سلفا وهنا اعيد ترتيب عناصرها على النحو التالي: 1) الفكرة القائمة على الخيال الواسع. 2) الحبكة السردية الشفهية. 3) أزدواجية واقعية المكان وضبابية زمان الحكاية. 3) شخوص الحكاية(رئيسيين وثانويين) 4) التركيز على قضية اجتماعية واخلاقية بعينها 5) الحوار باللهجة المحلية وحشو الحكاية بالحكم والامثال الشعبية السائدة في الشعر الشعبي. 6) توالي احداث الحكاية وفقا عناصرها البنائية (تمهيد، عقدة، حل). 7) المبالغة في الوصف والأداء الحركي 8) الخاتمة وفيها الحل وهو حل في الغالب يخدم الفكرة العامة للحكاية وموضوعها.. وهنا لي ملاحظة عن ما تتميز بها المحزاية في لحج وهي طريقة وضع الراوي او الراوية مجموعة اسئلة موزعة على مفاصل الحكاية تكون بمثابة علامات فاصلة لبداية حدث بعد نهاية الحدث الاول وكأن هذا تقسيم فني بارع لاجزاء المحزاية الحكاية ويعد هذا تشابها كبيرا بين هكذا تقسيم والتقسيمات المعاصرة في فن القص الحديث.. من المعلوم ختاما انه جرى تجميع عددا من حكايات لحج الشعبية محازيها الى جانب حكايات من التراث العربي والعالمي وهو جهد إبداعي طيب قام به الاستاذ احمد شهاب في اصدار ثمانيني من القرن الماضي تحت عنوان "حكاياتنا الشعبية" صادر عن دار. الهمذاني للطباعة والنشر- عدن.