كأن نظام صالح لم تقم عليه الجماهير ولم تهز أركانه الثورة التي أجبرت الأحزاب والنخب والسياسية على مراجعة حساباتها وسياساتها إلا حزب الإصلاح وقيادته التي تسبح عكس التيار الثوري الشمالي والجنوبي وتفكر بعقلية حزبية غير شعبية وغير ثورية إطلاقاً فهم يبدو أنهم لم يستوعبوا بعد مفهوم الثورة الحقيقي واثبتوا ذلك لنا بسعيهم الحثيث للبحث عن "تسوية سياسية" لا رابح فيها سواهم ونظام صالح ولا خاسر فيها سوى اليمن الشمالي والجنوبي وقدموا التنازل بعد التنازل وسيقدمون أكثر أن بقت تلك القيادة في الإصلاح في مواقعها ، وهي لا زالت ترى الجنوب بنفس العين ومن نفس الزاوية غير مستوعبة لكل المتغيرات الجديدة على الساحة ، وتستخدم التكتيك القديم في صنع التحالفات واللوبيات ومجالس الإصلاح – محلية في الجنوب ظناً منه أنها سوف تحقق نجاحات عريضة وأنهم من خلالها سيكسبون نخب وقيادات مجتمعية مهمة وهذا خطاء استراتيجي كبير لن يحصد منه مدبروه إلا كل ما هو ضد لما يريدون ، يفضحون أنفسهم بهذه الخطوات وينكصون عن المبادئ والقيم الثورية ويسبحون ضد تيار جنوبي جارف فلا الظروف ولا البيئة تخدم مثل هذه الاستراتيجيات والممارسات في هذا الوقت ، و قد يقول قائل ليس وقت هذا الكلام لأننا أمام معركة مصيرية ضد نظام ظالم ونحن نقول ليس فقط لأن الإصلاح كان ولا يزال جزء من هذا النظام الذي ثرنا عليه و نحاربه نتحدث عن هذه الإشكالية ولكن لأن قيادة حزب الإصلاح بكل ما أوتيت من إمكانيات مادية وبشرية تعمل ليلاً نهاراً سراً وجهاراً على مصادرة حقوق الجنوبيين وتهميش قضاياهم ورموزهم ومواقفهم فهم الذين ينتقون قادة للجنوب ويفصلون على مقاسهم قضايا الجنوب في صورة تقليدية للعمل السياسي ألإقصائي. يجب علينا أن نعترف بحقيقة أن هناك إشكالية في الجنوب اسمها (حزب الإصلاح) وهي إحدى إشكاليات الجنوب الخطيرة والمؤثرة وجذور هذه الإشكالية قديمة ومعروفة ، ولن تحل هذه الإشكالية حمائم الإصلاح الجنوبية ولا صقوره الشمالية لسبب أن حزب الإصلاح جزء من المشكلة في الجنوب ولم يكن يوماً من الأيام جزءً من الحل وهو الذي يطبق حرفاً حرفاً حذو القذة بالقذة أساليب النظام في التعاطي مع كل ما يحيط به من متغيرات وبالأخص المتغيرات على الساحة الجنوبية فلا الحراك يملئ عينه ولا الاشتراكي الهجين يعتبره شريكاً ولا الشعب الجنوبي صاحب قرار فهو يرى نفسه الوصي المؤتمن والقائد الكفء بعد زوال النظام يستلهم كل ما هو خير لليمن بشماله وجنوبه من خبراته القيادية وعلى اليمنيين أن يلبوا ويطيعوا ما لم فإنهم يقفون ضد مسيرة (التنمية) و (الإصلاح) الديمقراطي ، وهو لا يختلف كثيراً عن علي صالح ونظامه بل نحن الآن أمام علي صالح آخر ولكن بسلوك تنظيمي أفضل ، لذا نراه هذه الأيام يتحرك بشكل هستيري و يفرض علينا في الجنوب مجالس في حضرموت والمهرة ولحج ويسميها تغابياً (محلية) وهي خرجت من صلبه ومن رحمه ، وآلته الإعلامية تمارس ضدنا في الجنوب ما تمارسه الآلة الإعلامية الرسمية عليهم في الشمال ومن يقول غير هذا فضميره مستتر بأستار سوداء.
ومن الخطأ اعتبار مرجعية حزب الإصلاح اليمني إخوانية ، فالإخوان المسلمون الحقيقيون انتصرت لهم ثورات الربيع العربي بعد عقود من الظلم والحرمان ، فلم يكن أحدهم يوماً من الأيام عضو مجلس رئاسي ولا قائد عسكري ولا زعيم عشائري ولا صانع قرار أو مشارك فيه ولم يكونوا حتى تنظيماً معترف به وكانوا إخواناً حقاً تخافهم وتخشاهم الأنظمة الطاغية وهم في المنفى أو السجن أو حتى وهم في باطن الأرض وقد حاربتهم تلك الأنظمة علناً وسجنتهم وقتلتهم وشردت بهم لكن كل هذا أو حتى بعضه لم يحدث لمن يدعون إخوانيتهم في اليمن لا لديمقراطية هذا النظام الاستعماري وعدله فنحن نعلم كيف تعامل ويتعامل مع من يخاف منهم حقاً ، ولكن لمعرفته التامة أن ليس هناك ما يدعو للخوف منهم وأن معارضتهم لها حيز مرسومه حدوده تتحرك فيه وحد أقصى تبلغه وأن رْشْح الأيدلوجية الإخوانية الموجودة يؤمن بها فقط غير صانعي القرار وغير المشاركين فيه أو من لا يهش وينش وبالتالي الشعار يخالفه التطبيق والقول يناقضه العمل ، ومساكينٌ هم أعضاء الإصلاح وكوادره الشمالية والجنوبية الطيبة التي تمشي جنب الحيط وتقول يا ساتر فلو وقفوا مع أنفسهم ولو لمرة واحدة في لحظة خلوة وحديث مع النفس بتجرد من كل القناعات المسبقة وسألوا أنفسهم لماذا تسبح قيادتهم عكس التيار الثوري ولماذا أصبحت (المبادرة الخليجية) مجرد (تسوية سياسية) تركض ورائها قيادتهم ركض الوحوش وأسئلة أخرى من خارج ومن داخل فلو فعلوا لتوصلوا لحقيقة مفادها أن قيادتهم مخترقة من جهات عدة حالها حال قيادة القاعدة أو أنصار الشريعة وأنهم وأولئك الشباب المغرر بهم في زنجبارسيان حطب لصراعات سياسية شخصية قذرة يستخدمون الدين شعاراً لا إيماناً ولعلّي أختم بمقولة لسيد قطب فيها من الحكمة ما فيها والله يشهد إننا ما أردنا بقولنا هذا إلا (إصلاحا).
(من الصعب علي أن أتصور كيف يمكن أن نصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة !؟ إن الغاية النبيلة لا تحيى إلا في قلب النبيل : فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة ؛ بل كيف يهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة حين نخوض إلى الشط الممرع بركة من الوحل لابد أن نصل إلى شط الملوثين .. إن أوحال الطريق ستترك آثارها على أقدامنا وعلى مواضع هذه الأقدام كذلك الحال حين نستخدم وسيلة خسيسة : إن الدنس سيعلق بأرواحنا ، ويسترك آثاره في هذه الأرواح ، وفي الغاية التي وصلنا إليها !.) سيد قطب.