لم يكن المبعوث الاممي الجديد الى اليمن مارتن غريفيت حصيفا في جولته الاولى ، بالقدر الذي كان مؤملا منه من قبل المتشيعين له في مهمته ، فقد بدا رحلة مهمته محشورا في جلباب اضيق من حدود ومرامي الاممالمتحدة الباحثة عن حل شامل كامل،، حيث وجريفيت قد بدا وكأنه منساقا اكثر مما ينبغي ومطية بيد قوى اقليمية تحركه وتطلب منه عمل كذا ومقابلة فلان والابتعاد عن هذا وعدم الاستماع لذاك بغض النظر عن فحوى ومضمون ومدى اقناع هذا الطرف او ذاك . فقد تبين من الوهلة الاولى لاعلان زيارته الى اليمن ان هناك امر قد دبر بليل، وسبق وان نبهنا ان الاتكاء على هذه الزيارة واعتبارها معيارا للقياس وتاسيس الامنيات والاحلام هو امر مفروغ منه . فقد برنامج زيارة المبعوث الاممي الى صنعاء اللقاء بمن تم تسميته بمكون الحراك الجنوبي في صنعاء، والكل _ قاصيا ودانيا _ يعلم ويدرك يقينا انه لايوجد هناك تيار او مكون للحراك الجنوبي في صنعاء ، ومن هم متواجدين ان هم الا عبارة عن شخوص طالبين الله على بطونهم ودفعتهم الاقدار في لحظة فاصلة زمانيا ومكانيا بالتواجد هناك ، والتقى بهم غريفيت وخصص لهم من برنامج زيارته متسعا ، فيما حجب هذا المتسع قبلا عن قوى ومكونات اساسية في الحراك الجنوبي متواجدة في الرياض عند زيارته لها ولقاءاته مع الرئيس هادي وبقية اركان اطراف الشرعية . وحتى عندما برر غريفيت تأجيل / الغاء زيارته الى عدن وحضرموت لاسباب امنية ، لم تكن سوى عذر اقبح من ذنب ، وان لم تكن حكاية الغاء الزيارة جاءت بايعاز من التحالف او اطراف فيه ، فان هذا الالغاء قد صب في مصلحتها ، مع انه كان ينبغي ان يعمل التحالف قبل واكثر من الشرعية على اصدار رد تطمين على تصريح غريفيت يتم التاكيد من خلاله على تامين الزيارة في عدن وحضرموت ، من حيث ان التحالف باسط سيطرته على الارض في تلك المناطق وكذلك فان تحركات المبعوث الاممي ستكون محصورة مابين المطار ومعاشيق ولن تكون خلالها تنقلات برية ، ومع ان زيارته الى ابوظبي لم تكن ضمن جولته او يعلن عنها مسبقا لكنها اعطت تاكيدا اخرا في انعدام الحصافة عند المبعوث الاممي وتلقي مزيدا من الشك حول ارتهانه ، حيث وهو يدرك ان دخول دولة الامارات ليس سهلا لاي شخص مهما كان وان ذلك يتطلب فيزا واذن دخول من قبل السلطات الاماراتية _ ومثلها مسقط_ وبالتالي حرمت كثير من مكونات وفصائل اساسية في الحراك من اللقاء بغريفيت والجلوس معه لطرح وجهة نظرها ورؤيتها في الحل الذي قد يكون صائبا او نافعا واحسن من غيره. ومع ان غريفيت من منطلق مهمته وواجبه الاممي ان كان فعلا يسعى لتجاوز العثرات والاخفاق الذي وقع فيه سلفيه ( بن عمر وولد الشيخ ) وحتى يقف على قدر كاف وضاف وموضوعي عن جذور وبذور الازمة اليمنية ودهاليزها وتعقيداتها واوجه حلها ، كان ينبغي عليه اللقاء بكافة الاطراف مهما صغر شأنها والاستماع لها فلا احد يحتقر كيد الضعيف. ودعوني اعرج على مضمون ومرامي لقاء قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي بالمبعوث الاممي في ابوظبي الذي هيأت له دون غيره من المكونات الحراكية الاخرى ، والتي عدها البعض من قيادات ومناصري الانتقالي بانها انتصارا استطاع المجلس ان يحققه ، وفي الحقيقة فان الامر عكس ذلك تماما اذا مانظرنا اليه من زوايا اخرى غير زوايا المماحكات مع المكونات الاخرى ، ودعونا من الظروف والعوامل التي ساعدت الانتقالي على لقاء غريفيت ، حيث وانه ينبغي على قيادته ومناصروه التأني والتفكير جيدا فيما يذهبوا اليه ويعملوا على تسويقه للناس ، حيث ولقاءهم بالمبعوث الاممي لم يكن انتصارا بقدرما هي مسؤلية ومسؤلية غاية في الاهمية والجسامة _ اذا مانظرنا اليها بموضوعية _ لكن يبدو ان المجلس واتباعه لم يفطنوا لماهيتها ويدركوا حجم عواقبها لاحقا _ كعادته في كثير من الشواهد اخرها احداث 28 يناير بعدن _ لو ان الانتقالي يريد يلعبها صح كان عليه اولا الاصرار باشراك اخرين من مكونات حراكية اخرى في لقاء غريفيت لتحمل مسؤلية اي تداعيات سلبية او فشل لاحقا فيما يصير اليه موقف المبعوث الاممي من القضية الجنوبية لانه في حال حصل ذلك فان المجلس يتحمل وزر ذلك باعتباره لم يستطع ايصال مضمون القضية الجنوبية واقناع غريفيت بعدالتها ومشروعيتها ، كذلك فان مسالة الادعاء بالاستحواذ على تمثيل الجنوب امر مفروغ منه ، لكن يبدو ان الانتقالي يعتقد ان النجاح مضمون مئة بالالف ولذلك ارتأى الانفراد باللقاء _ ربما بكيفه وقراره او ايعازا من آخر_ في مسعى منه للانفراد بالكعكة لوحده دون ان تعي قيادته وتدرك انها تسير في بحر متلاطم الامواج قدرتهم فيه وحركتهم مرهونة بالكثير مما هو ليس بقرارهم وخارج ايديهم .