مرت الأحداث عاصفة على الصحيفة الأولى "الأيام" تعرضت خلالها لكل صنوف البطش والقهر، بغية إذلالها وإخضاعها لعتاولة سلطة ساذجة تبخّر كبريائها في أول معترك حقيقي ورمته في خانة الذل والخنوع والنسيان، وظلت "لأيام" كبيرة، يزداد كبرها وحجمها، كلما زاد عدد المتربصين بها. "الأيام" الملاذ الآمن لكل المكلومين، هي خبزهم، فولهم، عدسهم، هي وجبة متكاملة يقبل عليها الجميع كباراً وصغاراً، ظلت كما هي راسخة في عقل ووجدان كل العشاق والشرفاء، أوقفوها، شردوا كتابها، نالوا من أسرتها بمحاكمات كيدية، ولكنها لم تنحن لرياحهم العاتية الواهية، لم تخفها رصاصات الغدر والخيانة، لم ترم إلا لأنها مثمرة، وجهت رصاصات حبرها نحو صدور الطغاة المتجبرين وزلزلتهم، وهزمتهم شر هزيمة. أقولها بكل أمانة إن "الأيام" هي من هزمت وأسقطت إمبراطورية وحكم علي عبدالله صالح، وليست ثورة الشباب المفترى عليها، والتي تحولت لاحقاً بقدرة (ساقط) إلى أزمة سياسية، نعم هي من نخرت في جسم ذلك النظام، ومن أطلقت شرارة البداية، وكشفت للملأ انه نظام ديكوري هلامي، لا يحكمه بنيان مرصوص، بل متكون من خيوط أهون من خيوط العنكبوت...!!.
وللأسف وقف (الثوار الجدد) موقف المتخاذل المهين، ولم يجرؤ المشائخ و الدعاة من قول كلمة الحق عند سلطانهم (الرئيس) الجائر، وتركوه يوجه قذائفه المتساقطة على جدار الصحيفة ومبناها، وتناسوا النساء والأطفال، ودموعهم وخوفهم، لأنها جنوبية المنشاء والهوى والتاريخ والجغرافيا، وتحول مشهد الهجوم الدموي بكافة الأسلحة إلى مشهد لا يختلف عما نشاهده من غارات القتل والدمار الإسرائيلية على قطاع غزة! مع الأخذ بعين الاعتبار إن هناك منظمات إسرائيلية وأفراد ينظمون حملات مناهضة لقتلها الأبرياء وتخويف الآمنين، ويحتجون على تلك المناظر البشعة، أما ما يجري عندنا خاصة في الجنوب فقد انطبق عليه المثل الشعبي: "حقهم حق، وحق الناس مرق". مع اعتزازي لمواقف البعض هناك، لكن كلامي موجه نحو الدعاة، وأصحاب الفتاوى، ومن يطلقون على أنفسهم (المشايخ) وكبار القوم ممن يمارسون سلطتهم على الغلابى، واليوم يتصدرون بطولة تراجيديا الثورة والأزمة والنضال، بعد أن خلعوا نظاراتهم السوداء تجاه صنعاء وأخواتها، ولازال (العمى) مسيطراً على عيونهم جنوبياً. قلت قبيل سنوات عديدة وفي مقال صحفي كتبته متجرداً من العاطفة والحماسة، إن الصحيفة لو قُدر لها وكانت حزب سياسي، لأقبل عليها العامة دون بيع وشراء و لصارت الحزب الحاكم دون منازع. "الأيام" في كل حراك جنوبي وحّدت الصفوف، فهي حاضرة في الفعاليات الاحتجاجية المختلفة، رغم تعدد المكونات والتيارات، وقفت أمام الجميع كحامل موحد لكل الأصوات والجبهات..هي "الأيام" الإنسان، القضية والوطن. وقفت مشدوهاً عند قرأتي خبر احتضان الأستاذ هشام با شراحيل، رئيس تحرير الصحيفة، في منزله لإطفاء نار الفتنة التي يحاول المرضى غرسها في نفوس شباب الثورة، وشباب الحراك الجنوبي، أسفرت عن مصادمات جانبية، خلفت إصابات، وبكل أسف الطرفان المتنازعان هما من أبناء المدينة الهادئة الوادعة (عدن). هكذا انتفض الأستاذ هشام، ونسي متاعب قلبه وجسمه، وسارع للتقريب بين وجهات النظر، كي تبعد عدن عن الفتنة المخطط لها، لإدخالها في دوامة عنف وحقد لا ينتهي، وهي خطوة نالت الإعجاب والتقدير، ودليل على حب الرجل لمدينته الرائعة وشبابها، ما أتمناه على أستاذنا أن يعمم تجربته ويدعو فصائل الحراك الجنوبي في الداخل (أولاً)، لتوحيد مكوناتها، ورص صفوفها، ورمي خلافاتها جانباً، انتصاراً للقضية الجنوبية، بعد أن تكالب الأعداء واتضح خيطهم الأبيض من الأسود.