منذ أن عرف فوزي البشرَ شكل له الأمر معيناً لا ينضب من الفخر والاعتزاز، لكنه منذ أن غامر وعرف الحياة أكثر علم أن من بين من يصفقون له ويناصرونه يوجد صف آخر من الأعداء، أغاظهم أن يعرفه الناس، وأخذوا يتهكمون به وبحياته البائسة، لم يكفوا عنه السنتهم فضلاً عن أن يقدموا له يوماً يد العون والمؤازرة. بعد تلكم الأحاسيس دخل فوزي مرحلة جديدة من العمر، وقرر أن يبقى بعيداً عن الأضواء، كانت لديه أسبابٌ كثيرة لكن أبرزها كما يزعم كي لا يسبب لمحبيه مزيداً من الإحراج، ومن بينهم هذا الكاتب الذي ينقل مشاعره. تفجّرت في صدره ينابيع الهموم، وصُدم في ثقته بالبشر، فلطالما عامل الجميع بفطرته الحيوانية السامية لكن لم يقدر ه أحد، تأسف عما أبداه فيما قبل من الطمأنينة والسعادة الغامرة، إذ أدخلته تلك الأحاسيس في موجة من الهدوء والراحة التي اكتشف في الأخير أنها زائفة كحياة البشر. أحسّ بأن حياته السابقة كانت شبيهة بحلم جميل يلتذّ به النائم ثم يصحو ليتلاشى حلمه ويصير سراباً وإن رأته العين في المنام، لم يسبق له أن شعر بخيبة الأمل كما يشعر بها اليوم. التقاني ( فوزي ) وبثّ لي همومه وغمومه ورجاني أن أنقل أحاسيسه للمرة الأخيرة، وكانت تلك لحظة لا أنساها من الحزن والفراق، حاولت أن أعوضه عن إحساس القهر والخيبة بكلمات حلوة، إلا أن الأمر بدا وكأنك تضرب في حديد بارد. وداعاً ( فوزي ) .. لقد عشت مع ذكرياتك زمناً قصيراً لكنه أغناني بالتجربة والخبرة، لقد أدركت بك كيف أن الحياة لا تبقى على منوال واحد، وأن التقارب بالأجساد لا يعني أن القلوب متقاربة، لقد تجاوزتَ دائرتك الحيوانية لتقتحم دائرة البشر فتبين لك عاقبة الأمر، فهل حياتك أزكى أم حياتهم. أعلم أن ليس لك صديق من جنسك تبادله الهموم، إلا أن ما خضتَه من تجارب يبرهن لك أن الصديق المخلص ليس من السهل العثور عليه في هذا الزمن، فلا تستسلم فربما تجد واحداً يعوضك عن ألم الحرمان. وهناك شيء أخير أود أن تعرفه؛ سوف أفي لك بوعدي ولن أكتب شيئاً عنك بعد اليوم، واعتبر ما نلته من أضواء قد تلاشى واضمحل.