في يوم 12 مايو 2012م جرى إشهار التكتل الوطني الجنوبي الديمقراطي الذي شمل عدد من الأحزاب والمكونات السياسية والشخصيات الاجتماعية وهو إعلان لعمل غير مسبوق في تاريخ الفكر السياسي للقوى السياسية في المنطقة ومفاجأة غير سارة للفكر الشمولي ألإقصائي – والجديد في هذا التكتل السياسي هو إرساء قاعدة جديدة في العمل السياسي هي قبول التنوع ، هذه القاعدة التي تسمح بالتنسيق والتعاون فيما يجمع بين مكونات التكتل وهو الكثير ، ويضع التباينات جانباً ، هذه التباينات التي قد تذوب تدريجياً من خلال الإيجابيات المحققة للعمل المشترك لخدمة القضية الجنوبية . ذلك أن قادة وأعضاء هذه المكونات هم من أبناء هذا الشعب بل ومن قواه السياسية المناط بها الإسهام في إيجاد حلاً عادلاً للقضية الجنوبية يلبي تطلعات وطموح الأمة ويعيد للشعب حقه في تحديد الخيار السياسي الذي يرتضيه ، هذا الخيار الذي جرى نزعه من شعبنا وظل يفرض عليه بقرارات سياسيه ، من جانب آخر يعترف هذا التكتل بوجود قوى سياسية جنوبية خارجه ، ويؤكد أن تمثيل الجنوب لا يتم إلا بإجماع قواه السياسية والاجتماعية الفاعلة ولازال هذا التكتل يمد يده لكل القوى ويدعوها للعمل فيما يجمعها تجاه القضية الجنوبية .
صحيح أن هذه المكونات اتفقت على التعاطي مع تجربة جديدة لم تألفها القوى السياسية في هذه المنطقة طوال تاريخها ، والجديد في هذه التجربة إنها تؤسس لاختفاء مفردات الصراع السياسي التي كانت قاعدة للعلاقة بين القوى السياسية طوال تاريخنا الحديث والحقت كوارث لا حدود لها ببلدنا وشعبنا من نتائجها ما نعيشه اليوم .. لو عدنا لما خسرناه خلال الفترة من الاستقلال حتى الوحدة من مناضلين أفذاذ من أبناء شعبنا الصابر تحت مسميات وذرائع منافية لحقائق الأمور لأكتشفنا جسامة مأساتنا – وما ترتب عليها من شروخ اجتماعية وتزوير للتاريخ من خلال قيام المنتصر بتشويه سمعة المهزوم بوصمه بالخيانة الوطنية ، العمالة ، التآمر واليمين واليسار ... الخ ، وفرض حالة عدم الاستقرار التي بسببها توقفت عجلة التنمية وظل شعبنا يواجه شظف الحياة حتى اليوم .
اذا اقرينا بأن السبب الأساسي لمأساتنا يتمثل في عدم قبول الرأي المخالف بل والعمل على استئصال حامليه بالتصفية الجسدية والانقلابات الدموية أو التشريد لمن كتب له عمر... هل من الحكمة الاستمرار بمواصلة هذه الثقافة التدميريه ؟؟ إذا كان التباين في أراء الناس وقدراتهم الذهنية هي سمة الله في خلقه وهي لابد حكمة آلهية .. لماذا لا نقبل التعاطي مع هذا التباين فيما بيننا بطريقة سلمية بالذات في مجال العمل السياسي ؟؟ القبائل وضعت أعراف للفصل في الخلافات الناشئة عن تعارض المصالح أو النظرة للمشكلة التي تحدث بسبب أن كل طرف ينظر للخلاف (المشكلة) من زاوية تختلف عن الطرف الآخر ... الا يكون الأجدر بالقوى السياسية المؤمل عليها قيادة البلاد أن تلجأ إلى قبول تنوع الرؤى ومد جسور التواصل للمقاربة بينها بدلاً من الصراع والتناحر .
نعتقد أن ثقافة الإقصاء والأوحدية في العمل السياسي مرتبطة برغبة الإنفراد بالمصلحة المحققة من ذلك أي ( السلطة ومغرياتها ) لا بمصلحة الوطن والأمة ، ولنا عبرة من ماضينا – فهل حقق هذا الصراع شيئاً من مصلحة الوطن والأمة ؟؟؟
إننا في منطقة تتميز بموقع فريد تجتمع فيه مصالح الإقليم والعالم – فإن أدركنا أهمية هذا الموقع وأوجدنا قواعد التعاطي مع مصلحة الوطن ومصالح الإقليم والعالم التي لا تتعارض مع مصالحنا فقد انحزنا لمصلحة الوطن والأمة وفي مقدمة هذه القواعد إيجاد بيئة للأمن والاستقرار التي لا يمكن تحقيقها في ظل سيادة ثقافة الإقصاء وعدم قبول الرأي الآخر ..لماذا لا نقبل التحاور فيما بيننا تجاه قضايا الوطن الذي ننتمي له ونشترك في العيش فيه ؟؟؟.
الحراك السلمي كان طليعته أبناء هذا الوطن الذين صمدوا داخله وتجرعوا صنوف التهميش والإذلال – قدموا قوافل من الشهداء والجرحى ونالوا من إجراءات النظام الكثير- كانوا موحدين في مسيرتهم النضالية – وأفرزوا من داخلهم قيادات شبابية كفوءه وجاءت ثقافة الإقصاء و أوحدية صواب الرأي وتعدد الزعامات ، فبدأ التشرذم داخل صفوف الحراك هذا التشرذم الذي فشل النظام بكل إمكاناته في إحداثه .
إن هذه الثقافة التدميرية التي ترسّخت في عقولنا وسلوكنا تجاه بعضنا هي وحدها من الحقت بنا الكوارث وهي الخطر الحقيقي علينا اليوم وفي المستقبل .. ولو نسأل : هل الدعوة إلى عمل توافقي بين القوى السياسية الجنوبية يشكل ضرر على مستقبل البلد أو على حل القضية الجنوبية ؟؟؟ قضيتنا اليوم هي نتيجة طبيعية لتلك الثقافة – وباستمرار التعاطي بهذه الثقافة لن تحل القضية بل سنزيد عليها قضايا جديدة ، لا لوم على تصرفات الشباب حتى من جاء يوم 12 مايو 2012م لإفشال إشهار التكتل الجنوبي – لكن اللوم على من سرّب لهم خطورة هذا العمل على القضية الجنوبية واشحنهم بإشاعات لا وجود لها ..
ما جرى يوم 12 مايو في عدن دق ناقوس خطر على مستقبل الجنوب ومثّل رسالة للإقليم والعالم فحواها ( إن القوى السياسية الجنوبية غير مهيأة لإدارة دولة تنعم بالأمن والاستقرار من خلال قبول التنوع بين قواها السياسية ،دولة تلبي مصالح شعبها وترعى مصالح الإقليم والعالم ، وبنفس الوقت لا تدرك هذه القوى أن أي تهديد مستقبلي للأمن والاستقرار في هذه المنطقة يمثل تهديداً مباشراً على مصالح الإقليم والعالم وهو أمراً غير مسموح به من قبل الكبار ) وستأتي معالجاته تحت البند السابع شاء من شاء وأبى من أبى ، أن صوت وسلوك الإقصاء أو التعالي واعتبار الشركاء أتباع أمراً لم يعد مقبولاً في هذا العصر، و الإصرار على استمرار هذا الصوت والسلوك يمثّل بوابة للتدخل الخارج في تقرير شؤون بلادنا .
وعلى قيادات المعارضة الجنوبية في الداخل والخارج تحمّل مسؤولياتها الوطنية والانحياز لمصالح شعبها بدلاً من المباراة في إلحاق الأضرار المتتالية به وفتح أبواب التدخل الخارجي .. إنه أمر مخجل إعلان موقفاً مضاداً تجاه تقارب قوانا السياسية في الجنوب وتنسيق مواقفها تجاه حل القضية الجنوبية كما حدث يوم إشهار التكتل الوطني الجنوبي الديمقراطي الذي شمل توافق توجهين سياسيين مؤثرين في الساحة الجنوبية هما توجه الاستقلال واستعادة الدولة و توجه الفيدرالية المزمنة كمرحلة انتقالية تنتهي باستفتاء الشعب الجنوبي على خياره السياسي .
ما العيب وما الخطورة التي يشكلها مثل هذا التوافق على قضيتنا الجنوبية ؟؟ إننا نرى في مثل هذا التوافق رسالة في غاية الأهمية للداخل والإقليم والعالم مفادها إننا الجنوبيون قادرون على إدارة تبايناتنا بدون وساطة خارجية وبالتالي قادرون أيضاً على إدارة شئون بلادنا وتلبية مصالح شعبنا ومصالح الإقليم والعالم في منطقتنا بما لا يتعارض مع مصالح بلادنا .. وهذا هو ما يصبوا له شعبنا منذ بداية نضالاته ضد محتليه سابقا ولاحقا .