ان من أهم أسباب الفشل التي تلاحق مشروع جنوباليمن التحرري منذ تخلي بريطانيا عن عدن الى اليوم دائما هي عدم امتلاكه مشروع واضح يستطيع الاستناد إليه ، فكانت النتيجة دائما الفشل بسبب التخبط يمينا وشمالا علاوة على انه انتج وضعا غير مستقر في جنوب الجزيرة العربية وصراعات منعت أي تقدم او تطور في كل مناحي الحياة وأورث الشعب تركة سيئة و كبيرة جدا منها التخلف و انعدام الأمن والاستقرار وتفشي الفقر والجهل والمرض . ان الوطن الكبير الذي جمع شعب حضرموتوجنوباليمن يوما ما وكان يأمل الكثير من القادة في إعادة النهوض بهما مجددا في دولة واحدة تكون حاضنة لهم جميعا بعد مراحل الخراب والشتات التي أصابتهم ، هذا الوطن الكبير لم يعد له من وجود في الواقع وفي نفوس الناس أيضا بعد احتكار التيار الانتهازي المسيطر على الجنوب الممتد الى اليوم رسم ملامح الوطن القادم وفقا لمزاج يوحي بمشروع هيمنة ودكتاتورية مطلقة لمنطقة وفئة معينة ، في صورة أخرى مغايرة تماما لما يرجوه كل من الشعبين على مساحة كانوا يأملون ان تجمعهم تحت سقف وطن واحد . ان رغبة الأطراف المتدخلة التي ظهرت مؤخرا وبوضوح هي ترجمة للرغبة الشعبية في تحييد حضرموت عن الصراع الدائر وتحييد حضرموت من المشاريع المتصادمة ولافساح المجال لحضرموت لتقول كلمتها و تحسم أمر خروجها من دائرة الصراع الى إعلان الدولة ، عوامل منحت حضرموت فرصة تاريخية لتضمن بها هويتها وحدودها التاريخية والحق في الخروج بعيدا عن تجاذبات الاطراف اليمنية في الشمال والجنوب .
ان ادعاءات التيار الانتهازي وورثته المسيطر على جنوباليمن منذ تخلي الشركات البريطانية عن عدن الى اليوم بشمولية قضيته التي وصلت الى حد ان تلبست شيطنته المتلونة سياسة تجاهل حق شعب حضرموت تحت شعارات عديدة علاوة على ذلك عمل في كل المراحل على إسقاط مشروعه التحرري التوسعي خارج منطقته الجغرافية ليشمل حضرموت حتى يتسنى له البقاء على قيد الحياة. تلك جميعها كانت كافية لتجريد هذه المنطقة من حقها الى وقت غير معلوم لولا هذه العوامل ، . ان الاستمرار على هذا النهج المتشيطن لحملة هذا المشروع سيضيع الكثير من الفرص والمزيد من الوقت عن شعب الجنوب وليس حضرموت ، يضاف الى ما قد ضاع منذ زمن طويل و خسرت بسببه أجيال كثيرة فرصة العيش الكريم .ان الاستمرار في الرهان على ورقة حضرموت - التي حسمت أمرها بالذهاب بعيدا عن مشروع جنوباليمن التحرري - لن يساعد على استقرار الأوضاع هناك بل ان المشكلة ستتفاقم وسيجني جنوباليمن قبل شعب حضرموت كل الماسي والدمار جرا عقدة الخوف من الفشل بدون حضرموت ، حضرموت التي تسير وفي كل الأحوال باتجاه قيام دولة سوى حصل الجنوب على ما يريد ام لم يحصل .
شعب حضرموت لا ذنب له عدا انه كان ضحية مشاريع خارجية أسمت نفسها بالتحررية الجنوبية كانت مصرة على ربط مصير شعب حضرموت بمصيرها بل انها تتخذ أحيانا من هويته وبعض القادة كقارب نجاة عندما تشرف على الغرق لها ولمشروعها المتهالك للخروج من الأزمات ، مشروع لا يستطيع القائمون عليه إيجاد مخرج لهم ولقضيتهم بعيدا عن حضرموت ، مشروع مسخ ليس له ملامح لذلك يركن دائما الى تلبس صورة حضرموت كعمق لمشروعه وجرها الى صراعات ليس لها علاقة بها .
ان مرتكز ذلك السلوك الشاذ ومرتكز المشكلة هي تلك الاصوات التي تدعي الهيمنة المطلقة ، تلك الاصوات التي تمتلك القدرة على اسكات وتخوين الكل بسم الكل على مساحة كبيرة ، وفي ذات الوقت مصممة على السير في نفس الطريق بشعارات اقناع الجماهير بالشي وضده ، شعارات تحمل مشروعا لم يكن الا تكرارا لسلوك ثبت انه شاذ ، فهؤلاء هم جزء من نتائج الفرز التي احدثتها حالة الصدام بين المشاريع الفاشلة ، التي لم تترك مساحة لصوت العقل ، وتركت لشعاراتها التدميرية قتل الكثير ، ووقفت ضد اعادة رسم خارطة البلاد في الشكل الذي يضمن قيام دولة قابلة للحياة ، ودمرت ما كان شبه دولة.
ان تجاهل الأطراف المتصارعة لقضية حضرموت ودور تلك الأطراف السلبي في خلق العقبات أمامها كان من الأسباب التي وسعت دائرة الصراع وزادت من حجم المشكلة وعقدت الحل ، على خلاف التوجه الجديد محليا وإقليميا ودوليا الذي يسير الان باتجاه عزل حضرموت عن الصراع الدائر شمالا وجنوبا في اليمن استباقا ومنعا لصراع سيحدث لا محالة بين جنوباليمنوحضرموت مستقبلا وأيضا لكي لا يبقى باب الصراع مفتوح وتستمر معه المأساة ، وهو استنتاج وصلت اليه دول الجوار يدعم الراي السائد بعدم قدرة مشروع جنوباليمن على النهوض اذا لم يكن واضح تجاه مثل هذه القضايا حتى في حال وسمه بمسم لا يمت لليمن باي صلة وخلافا لذلك ستبقى الفوضى هى عنوان المشهد .
ان إخراج حضرموت من دائرة الصراع اليمني سيكون عامل مهم يدفع الى التقارب بين الشمال والجنوب ، لان قطبي الصراع جنوبا وشمالا لن يكون لديهما ما يدفعهما او يبرر لهما مجددا التمسك بشعار الانفصال او الموت او الوحدة او الموت وسيلتقيان على قواسم مشتركة تجمعهما على تقبل مبدأ العيش المشترك ، وهو ما كان يجب على النخب السياسية محليا وإقليميا العمل عليه مبكرا ابتدأ بفحص الدوافع الحقيقية للصراع مرورا بمعرفة ماهية الطريق المؤدي للحل .
اهم نتائج الفرز ان كل المشاريع الصغيرة الشاذة ستتبخر بتمام مشروع اخراج حضرموت من حسابات الاطراف التي استغلته كورقة لأضفى القداسة والوقار لتلك المشاريع المدنسة والمشبوهة ، جزء من مشروع تم إعداده في الاصل لإعادة تسوية كل النزاعات الاجتماعية والسياسية واخروج حضرموت كدولة ، وهو مشروع ستتبخر بتمامه كل المشاريع الاخرى والشعارات التي سببت ارباك للعمل السياسي الجاد في كل المراحل ، العمل السياسي الذي بحث في الاصل وبشجاعة مواجهة الظروف والنزاعات الاجتماعية والسياسية التي اجج نارها حملة المشاريع الصغيرة هنا وهناك التي استهدفت في الغالب منها - اذا لم تكن موجهة بالكامل – للوقوف ضد قيام دولة حضرموت.
عملية الفرز الاخير لن ينجوا منها هؤلاء ، لذلك لن يكونوا جزء من الحل القادم ولن يكونوا ممن ستسمع منهم الجماهير بشارات الخير والسلام والرخا في قادم الايام ، و ما صدر ويصدر عنهم من جعجعة لن تتجاوز في نهاية المطاف كونها ظاهرة صوتية كواحدة من نتائج الفرز التي يشهدها المجتمع لذلك الكم الهائل من الرواسب والسلوك الشاذ في كل مناحي الحياة ،ويظهر جليا ان تلك الاصوات عجزت تماما عن ايقاف اعادة رسم خارطة البلاد على النحو الصحيح ، خارطة قد تكون مخالفة لأحلامهم ، لكن سيقبلون بها في نهاية المطاف ، ولم يعد امامهم من مناص الا تغيير كل تلك الشعارات التي قتلوا بها الالاف ، ليلتحقوا بالمشاريع القابلة للحياة .