من أكبر التحديات التي تقف في وجه النهوض بالأمة لن أقول الإسلامية بل الأمة العربية ابتداءاً لأنها بداية الطريق للنهوض بالأمة الإسلامية ككل ,أقول أن من أكبر التحديات التي تعيق نهوضها ودخولها في السباق الحضاري هو تشرذمها وتفرّقها وعدم قدرتها على توحيد الصف وجمع الكلمة ..بعد أن انقسمت إلى دويلات متناحرة سياسياً بعد زوال الدولة العثمانية رغم أنهم يتحدثون بنفس اللسان ويجمعهم تاريخ واحد ودين واحد وعدوٌ واحد والتحديات التي يواجهونها متشابهة إلى حد ما.. وإلى اليوم كان حلم الوحدة العربية مجرد عالم خيالي جميل ترسمه الشعوب العربية وتتوق إليه ,ولكن للأسف لم تحققه الإرادة السياسية بل ولم تبذل أي جهد في سبيل ذلك لأنها لم تكن ممثلة لإرادة الشعب يوماً ما .. بل كانت ومازالت تعمل على تحطيم أحلامه وطموحاته ,وتنهب ثرواته وتبدِّدها بكل أنانية ,وحتى تحمي نفسها وتحمي مصالحها الخاصة فإنها تحيط نفسها بجملة من المعادلات الصعبة في علاقاتها مع الدول المجاورة والإقليمية العربية منها خاصة ,دون أن تضرب أي حساب لوحدة الدم والتاريخ وقوة الجماعة الواحدة مهما كان التنوّع والإختلاف فيما بينها ,فحماية النظام القائم لديها هو الأولوية مهما كلّف الثمن وكذلك تفريق الجماعة الواحدة وقطع العلاقات الوديّة بين الشعوب وزرع الفتن بينهم وتحويل الصلات إلى عنصرية مقيتة.. فلا تنمية وطنية ولا وحدة عربية. لقد جرّبت اليمن الوحدة بين جنوبها وشمالها,والوحدة كمبدأ هي مطلب أساسي وضرورة ملحة لاجتماع الكلمة وتوحيد الصف كما ذكرنا آنفاً , ولكن إذا كانت الوحدة قائمة على النهب والسلب واختلال ميزان العدالة والمساواة ,هنا تفرّغ الوحدة من معناها ومحتواها وتصبح مجرّد حبر على ورق بل أسوأ من ذلك ,فالوحدة لا تقوم على تقوية طرف على حساب الآخر ,ولا تقوم على العنصرية والتفرقة القبلية والحزبية والمناطقية ,ولا تقوم على استغلال ثروات طرف دون الآخر الاستئثار بها من قبل نظام جائر.
واليوم وبعد الثورة التي أطاحت بالنظام ,مازال ملف القضية الجنوبية مفتوحاً يلحّ بكل ما فيه من آلام وآمال أن تُحلّ هذه المسألة بكل جرأةٍ ومصداقية,فالثورة التي قامت في الشمال لرفض الظلم والإستبداد هي ذاتها التي تقوم في الجنوب منذ سنوات وحتى الساعة.
أكره الشتات وأرفض كلمة إنفصال لأنها تعني بالنسبة لي الضعف والهزيمة كما تعلّمنا منذ الصغر بأن الإتحاد قوة ,ثم نُفاجأ على أرض الواقع بأن الوحدة مجرّد نظريات لا تمت للواقع بصلة والقوة التي ننشدها ما هي إلا ضعف تسبّبه الفتن والبغضاء والمشاحنات ,فما نتحدث عنه من مُثل يصبح وهمَاً وخيالاً عند التطبيق ,فلماذا هذا التناقض المقيت! أوَلتفتُ إلى الساحة الجنوبية فأسمع وأرى مالا يسر ..هناك أيدلوجيا طاغية على الساحة كل حزبٍ بما لديهم فرحون بين أحزاب سياسية ودينية, كل واحدٍ يتعامل مع الآخر حسب انتمائه الحزبي أو المذهبي فنجد الإنتقام والتجاهل والإقصاء والسب والشتم والتكفير والتقليل من شأن الآخر وغيرها من الأعمال التي لا ترضي الله أولاً وتلبّد سماء الوطن بالهموم ثانياً.. كل ذلك انتقاما لحزبٍ دون آخر وعصبية مقيتة ومدمرة ,ومع كل هذا التشرذم لا أرى إنجازات حقيقية على أرض الواقع عدا بعض الأعمال التي لا ترقى إلى مستوى القضية الوطنية وهذه هي الحقيقة المؤلمة ,إنهم يهدمون ولا يبنون..هؤلاء ينسون أنهم أبناء وطنٍ واحد وخُلقوا من طينةِ أمٍّ واحدة اسمها اليمن..فأصحاب القضية الجنوبية هم ذاتهم متفرِّقون ..فكيف ينشدون دولةً مستقلّة أو على أقل تقدير إنصافاً من الأطراف الأخرى! (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم)
يا أبناء جلدتي ...أفيقوا وتأمّلوا العالم من حولكم كيف يتكتل في جماعاتٍ واحدة تتجه نحو تحقيق أهداف واحدة متعالين على كل الخلافات والإختلافات التي لا تؤثّر على تحقيق هدفهم الرئيس ,مقدمين الكثير من التنازلات رغبةً في إنجاز طموحاتهم وطموحات شعوبهم ...
يا أبناء وطني.. تَعَالَوا على رغباتكم الذاتية وأهوائكم الشخصية واتجاهاتكم الحزبية والمذهبية ,وتعاونوا على بناء هذا الوطن يداً بيد بإرادةٍ حرّة ونزاهةٍ وإخلاص وصفاء نية وعدالة ,وسترون كيف أن اليمن ستسير فيها عجلة التنمية و ستضرب مثلا كنموذج وحدوي عربي ناجح..
لا يهم ماهو شكل هذه الوحدة ,ولكن المهم أن نتفق على أولويات وأهداف ومصالح عامة تصب في مصلحة الوطن والمواطن بعد ذلك كل الجزئيات والتفاصيل يسهل حلها ولو على مراحل.
وإن تحقق العدالة والمساواة في المعاملة وتوزيع الثروات هما أساس الوحدة الحقيقية والحرية متى ما تمتّع بهما المواطن اليمني في الشمال و الجنوب فإنه سينال كافة حقوقه وستتاح له الفرصة للقيام بمسؤوليّاته ,وهذا هو الدور الذي يجب أن تلعبه الحكومة الجديدة مع الأطراف المختلفة التي عليها هي أيضاً ,واجب طيِّ صفحة الماضي والخروج منها نحو أفقٍ أرحب ونوايا أصدق..حينها ستهدأ النفوس وسيعمّ الأمن والأمان ,ومن سيحاول إشعال فتيل الفتنة فجميع الأطراف ستقف في وجهه لأنهم ينشدون مصلحة الوطن بقلب ويد واحدة.