كنا خمسة الدكتور أمين محمد سعيد من السودان الشقيق والدكتور سليمان العقيل من الشقيقة الكبرى وزميلين سعوديين عزيزين نسيت اسمهما للأسف الشديد والتمس العذر بذلك! احدهما وكيل جامعة الملك فيصل والأخر دكتور وإمام جامع الأحساء. وصلنا العاصمة الجزائرية بغرض المشاركة في المؤتمر العلمي الدولي: الدين والسياسة والمجتمع المدني ومشكلة الهوية! في جامعة تبسة الجزائرية العريقة تعبد عن العاصمة 600كم جنوبا إذا لم تخني الذاكرة. أنا كنت قد سبقتهم بأيام الى العاصمة الجزائرية قدمت اليها من المملكة المغربية التي كنت امضي في أحد جامعاتها تفرغي العلمي، في كلية العلوم الإنسانية بجامعة سيدي محمد عبدالله ظهر المهراز بفاس. في العاصمة الجزائرية مكثت ثلاث أيام قبل أن يصل الزملاء من بلدانهم وكان في استقبالي الزميل الصديق العزيز الدكتور أديب الشاطري، ثم الزميلة الدكتورة سهام الشريف منسقة مركز فاعلون في العاصمة. موعد انعقاد المؤتمر كان بتاريخ 21 أكتوبر 2013م أبلغتني رئيسة المؤتمر الاستاذة العزيزة الدكتور وسيلة بورقي بان أحضر صباح يوم عشرين أكتوبر الى مطار العاصمة لغرض نقلنا بالحافلة الى تبسة، ذهبت ووجدت الزملاء في المطار ، ركبنا باص جديد ومكيف فانطلقنا حوالي الساعة العاشرة صباحا، وكيل جامعة فيصل وزميله الأمام ركبا في المقدمة بحكم كبر سنهما وانّا والدكتور سلمان العقيل والدكتور أمين محمد سعيد ركبا في قلب الباص. اثناء الطريق تعارفنا، وكنا مستمتعون بمناظر الطبيعة الجزائرية الخلابة على جانبي الطريق حتى خيم الليل علينا ومازلنا في المنتصف، الدكتور أمين كان صامتا وأنا طلبت من السائق أن يسمعنا موسيقى بعد أن استمعنا طوال ساعات النهار للقرآن الكريم. اعترض الشيخ الإمام قائلا: الغناء حرام واضاف بلكنة ساخرة مارأيك يا دكتور تحدثنا عن الفلسفة؟! ضحكت وقلت له الفلسفة يا شخنا المبجل لا يمكن روايتها في الرحلات العابرة، نحن في طريق طويل ونحتاج الى ما يخفف عنأ السفر لا ما يكدره. والغناء هو أفضل الأشياء المجرَّبة في حياة المسافرين، ثم اقترحت عليهم فكرة تجاوز المحرم بالغناء بدون موسيقى، بمعنى كل زميل يغني من تراث بلاده الفني. وافقني الدكتور أمين مباشرة وبلا تردد بينما الزملاء السعوديين صمتوا دلالة الرضا. قال لي الدكتور سليمان العقيل يالله أبدى اسمعنا شيئا من الفن اليمني: لم أتردد فصدت بكلمات حسين المحضار: با شل حبك معي بالقيه زادي ومرافقي بالسفر وأنت عسى الله باتذكر ودادي وأن قد تناسيت يا ما ناس كم مثلك تناسوا الوداد في خير أنت وانّا بانلتقي في سعاد .... الخ ثم غرد زميلنا من السودان اغنية رائعة لم أعد احفظها. بينما زملاءنا من المملكة اسمعونا شيلات بدوية لم نفهمها. على كل حال كانت رحلة طويلة ومضنية قطعنا فيها وديان وجبال مرتفعة وخطرة وكنا نتاوب على النوم وبحيث ما ينام السائق الستيني، وكان الدكتور سليمان العقيل وهو عميد سابق لكلية الآداب في جامعة الملك سعود بالرياض أكثرا يقظة وحذرا. وصلنا تبسة مع منتصف الليل تقريبا وتم استقبالنا بحفاوة كريمة من الزملاء المنظمين للمؤتمر أقمنا في أجمل فندق بالمدينة اسمه فندق مهية بلاس سمح ورحب وفِي صباح 21 أكتوبر صحينا مبكرا لتناول وجبة الأفطار ثم الذهاب الى المؤتمر في جامعة تبسة بقاعة المؤتمرات. كانت القاعة تعج بالحضور بمن الاستاتذة وطلاب الدراسات العليا من الجنسين، تم افتتاح المؤتمر بكلمة رئيس الجامعة وكلمة رئيسة المؤتمر ثم بدأت الجلسات وكانت مداخلات الزملاء السعوديين في أول جلسة بحسب رغبتهم، تلو أوراقهم واحدا تلو الأخر وكانت بعضها مثيرة للجدل بالنسبة لهدف المؤتمر وسياقاته واليكم ما حدث حينها؛ طبعا هذا سر لأول مرة أكشف عنه هنا ولا يعلمه الا الله والدكتور وسيلة وأنا فقط وهو سر ليس ضارا بكل حال من الأحوال، لاسيما بعد مرور خمسة سنوات وجريان مياه كثيرة في المنطقة العربية، منها مشروع انفتاح المملكة العربية السعودية على الثقافة العالمية كما تداولته الأخبار. فإذا بالدكتورة وسيلة تأتي الى مقعدي وتأخذني الى غرفة الضيوف و قالت لي: يادكتور هل استمعت الى ما قاله اخونا من السعودية بشأن مشكلة الهوية الإسلامية وكيفية الدفاع عنها بعقيدة البراء والولاء .. الخ. قلت لها نعم استمعت اليه واستغربت مما يدعو اليه. قالت لي : أرجوك ممكن اعطيك فرصة لمناقشتهم فيما قالوه من قضايا بالغة الحساسية في الثقافة الجزائرية أنتم أهل الجزيرة العربية وتعرفون لغة بعضكم ضحكت انا وقلت لها: نعم نحن من الجزيرة بس النقاش في أمور كهذه فيها حنابة ههههههه مع اشقاءنا العرب، قالت حاول تخفف الجو متوتر في القاعة، وافقت واغتنمت الفرصة ومنحني رئيس الجلس فرصة كافية لمناقشة الزملاء الاعزاء من السعودية فإذا بالشيخ الإمام يقترب من المنصة ويهمس لي وهو يلتقط صورة لي قائلا: خُف علينا يا يماني! طبعا أنا نقاشت بعض ما جاءت به الأوراق من منطلقات علمية أكاديمية بحته. ومن طرائف المؤتمر : كنا ثلاثينات في لجنة التوصيات والبيان الختام وأثناء كتابة البيان اقترح عليهم الاشارة الى العلمانية بوصفة تقنية علمية مجربة لحل مشكلة الاشتباك بين الدين والسياسة. ابتسم زميلي السعودي قائلا: أنت ما تشتينا نروح بلادنا بسلام !كان المؤتمر مناسبة طيبة للتعرف على الجزائر واهلها الكرام فضلا عن فرصة التواصل والتعارف مع الأكاديميين العرب من مختلف البلدان. وكان ما كان مما لست اذكره فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر وبالمناسبة حينما ذهبت الى الرياض للمشاركة في المؤتمر العلمي الدولي عن العلوم الإنسانية في جامعة الملك سعود التقيت الزملاء الاعزاء وغمروني بلطفهم الجميل.