وقفات في السبعين وفاء للشهداء والتأكيد على الجهوزية لمواجهة الأعداء    صنعاء.. البنك المركزي يوجه المؤسسات المالية بشأن بطائق الهوية    وزارة الحج والعمرة السعودية تدشن مشروع "الأدلة التوعوية المخصصة للدول"    طائرة الاتفاق بالحوطة تتخطى تاربة في ختام الجولة الثانية للبطولة التنشيطية لكرة الطائرة بوادي حضرموت    نقابة المحامين تتضامن مع الجرحى وتعلن تشكيل فريق قانوني لمساندتهم    الرئيس المشاط يعزي رئيس مجلس النواب    أغلبها استقرت بمأرب.. الهجرة الدولية تسجل نزوح 90 أسرة يمنية خلال الأسبوع الماضي    جوم الإرهاب في زمن البث المباشر    البطاقة الذكية والبيومترية: تقنية مطلوبة أم تهديد للسيادة الجنوبية    الغرابي.. شيخ قبلي متهم بالتمرد وارتباطات بشبكات تهريب في حضرموت والمهرة    اتحاد كرة القدم يحدد موعد الدوري اليمني للدرجة الأولى والثانية ويقر بطولتي الشباب والناشئين    تدشين حملة رش لمكافحة الآفات الزراعية لمحصول القطن في الدريهمي    "إيني" تحصل على حق استغلال خليج السويس ودلتا النيل حتى 2040    صنعاء: تحذيرات من 3 ليالي صقيع    وزير الصناعية يؤكد على أهمية تمكين المرأة اقتصاديا وتوسيع مشاركتها في القطاعات التجارية    غموض يلف حادثة انتحار مرافِق المخلافي داخل سجنه في تعز    استهداف العلماء والمساجد.. كيف تسعى مليشيا الحوثي لإعادة هندسة المجتمع طائفيًا؟    القصبي.. بين «حلم الحياة» و«طال عمره» 40 عاما على خشبة المسرح    دنماركي يحتفل بذكرى لعبه مباراتين في يوم واحد    المقاتلتان هتان السيف وهايدي أحمد وجهاً لوجه في نزال تاريخي بدوري المحترفين    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    شبوة:فعالية تأبينية مهيبة للإعلامي والإذاعي وكروان التعليق الرياضي فائز محروق    نائب وزير الخارجية يلتقي مسؤولاً أممياً لمناقشة السلام    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    ريال مدريد يختصر اسم "البرنابيو" ويحوله إلى ملعب متعدد الأغراض    الذهب يهبط من أعلى مستوياته في 3 أسابيع    مناقشة آليات توفير مادة الغاز المنزلي لمحافظة البيضاء    واشنطن تفرض عقوبات على 32 فردا وكيانا على علاقة بتهديد الملاحة الدولية    واشنطن تكشف عن التنازلات التي قدمها الشرع في البيت الأبيض    وزير الصحة: اليمن يواجه أزمات مركبة ومتداخلة والكوارث المناخية تهدد الصحة العامة فيه    العراق ضد الإمارات بالملحق الآسيوي.. هل يتكرر سيناريو حدث قبل 40 عاما؟    اول موقف من صنعاء على اعتقال الامارات للحسني في نيودلهي    عدن تعيش الظلام والعطش.. ساعتان كهرباء كل 12 ساعة ومياه كل ثلاثة أيام    لماذا قتلوا فيصل وسجنوا الرئيس قحطان؟    حل الدولتين في فلسطين والجنوب الغربي    قضية الجنوب: هل آن الأوان للعودة إلى الشارع!    جروندبرغ يقدم احاطة جديدة لمجلس الأمن حول اليمن 5 عصرا    الكشف عن 132 جريمة مجهولة في صنعاء    تدشين منافسات بطولة الشركات لألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    الإعلان عن القائمة النهائية لمنتخب الناشئين استعدادا للتصفيات الآسيوية    الأمم المتحدة: اليمن من بين ست دول مهددة بتفاقم انعدام الأمن الغذائي    قراءة تحليلية لنص "اسحقوا مخاوفكم" ل"أحمد سيف حاشد"    القرود تتوحش في البيضاء وتفترس أكثر من مائة رأس من الأغنام    حضرموت.. تُسرق في وضح النهار باسم "اليمن"!    احتجاج على تهميش الثقافة: كيف تُقوِّض "أيديولوجيا النجاة العاجلة" بناء المجتمعات المرنة في الوطن العربي    وزير الإعلام الإرياني متهم بتهريب مخطوطات عبرية نادرة    تمرد إخواني في مأرب يضع مجلس القيادة أمام امتحان مصيري    عسل شبوة يغزو معارض الصين التجارية في شنغهاي    الواقع الثقافي اليمني في ظل حالة "اللاسلم واللاحرب"    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلفيو اليمن والقضية الجنوبية
نشر في عدن الغد يوم 07 - 09 - 2012

في حرب 1994م، لم يفرح أحد من الجنوبيّين بهزيمة الحزب الاشتراكيّ بقيادة الرّئيس علي سالم البيض بمثل ما فرح "المتديّنون"؛ فتاريخ الاشتراكيّ في الجنوب، متوشّح بالسّواد، بل في أيّام الحرب المذكورة، كانت الآلة الإعلاميّة لاتّجاه البيض الدّاعي للانفصال وفكّ الارتباط عن الشّمال، تتوجّه بشكل قويّ إلى المرجعيّات الدّينيّة والشّخصيّات الدّعويّة، وطاردت قياداته بعض المشايخ وهدّدتهم؛ فاضطرّ عدد منهم إلى السّفر إلى الخارج، أو الاختفاء خوفًا من أن يمسّهم أذى الاشتراكيّين.
انتصر الرّئيس السّابق علي عبد الله صالح، على شريكه ونائبه في أوّل مجلس رئاسيّ لدولة الوحدة، انتصارًا لم يكن بعيدًا عن دعم سلفيّي الشّمال، المتمثّل خصوصًا بالجهاديّين الذين رجعوا من أفغانستان، إضافة إلى الإخوان المسلمين، الذين كانوا العنصر الأساس في الانقضاض على الاشتراكي، والانتصار عليه في معركة فكّ الارتباط التي يخشاها غالبيّة الشّمال بدءًا بشيوخ القبائل وبالسّاسة والمثقّفين، إلاّ النّزر القليل الذين تفتّقت عقولهم على أحوال الفكر الإنسانيّ وتحوّلاته وخياراته المشروعة.
في عهد الوحدة اليمنيّة، انتعشت السّلفيّة وازدهرت، ثم انتشرت علميًّا ودعويًّا وخيريًّا، وأصبح لها مراكز علميّة شرعيّة، ومؤسّسات خيريّة ومنابر جمعة في كلّ محافظة ومدينة وقرية، خصوصًا في الجنوب الذي لم يعرف طوال فترة حكم الاشتراكي مثل هذه المظاهر، بحسب ذلك الزّمن الذي يعيشه، والأيديولوجيّة الفكريّة التي ينتهجها، فهو يرى: أنّ كلّ مظهر من مظاهر الانتشار الدّينيّ الأيديولوجيّ هو رجعيّة وتخلّف وعصور وسطى يصعب عليه السّماح لها أن توجد، بله أن تتحرّك!!
هذه مقدّمة هامّة لما سيأتي من الحديث عن موقف سلفيّي اليمن تجاه قضيّة الجنوب؛ ومن هنا، يتّضح جليًّا، أنّ سلفيّي اليمن أغلبهم، بل جلّهم مع الوحدة اليمنيّة،؛ فشيوخ جمعيّتيّ الإحسان والحكمة الخيريّتين، وائتلافاتهم الدّعويّة للتّغيير، ودار الحديث بدماج ومن تابعهم من ائتلافات الدّعوة والتّغيير، ومعهم حتمًا "سلفيّو وليّ الأمر" بصعدة أتباع الشّيخ مقبل الوادعيّ - رحمه الله -، وقفوا موقفًا مناوئًا من أيّة دعوة للانفصال أو فكّ الارتباط، بل رفض بعضهم –وبقوّة- الدّعوة إلى الفيدراليّة كحلٍّ مرحليٍّ للقضيّة الجنوبيّة، ومن ثمّ يُعطى الأمر للجنوبيّين لتقرير مصيرهم، وحجّتهم كما يقول فيصل البعداني عضو هيئة تحرير مجلة "البيان" سابقًا: "إنّ تحويل المطالب العادلة بتصحيح الأخطاء ورفع المظالم العامّة والخاصّة إلى حراك سياسيّ داعٍ للتمزّق، وتمكين التّغريب، واستنبات الحقد والكراهية بين أبناء الشّمال والجنوب، وقال إنّ الحراك الجنوبيّ تدعمه دول إقليميّة تسعى لمصالحها ولا يهمّها تفكيك اليمن وتخلّفه أو تطوّره، وأنّ قيادة الحراك الحاليّة تنبئ عن قيام دولة ليبرالية علمانيّة وليست إسلاميّة.
أمّا حزب الرّشاد السّلفيّ الذي يتزعّمه اثنان من أقطاب "الإحسان الخيريّة"؛ د.محمد العامري البيضاني وأمينه العام الشيخ الحميقاني، فأشار في بيان تأسيس الحزب ب"تكليف اللّجنة التّحضيريّة لإعداد رؤية سياسيّة شاملة لتقديمها إلى مؤتمر الحوار الوطنيّ تشمل كافّة القضايا الوطنيّة وفي مقدّمتها القضيّة الجنوبيّة"، وهو يدلّ على أنّ الحزب السّلفيّ الوليد ومن فيه من القيادات السّلفيّة لم يبحث أمر القضيّة الجنوبيّة ولم يتصوّروها التّصوّر الكافي، لأنّهم كانوا في غياب تامٍّ عمّا يعتمل في السّاحة السّياسيّة في اليمن وبالأخصّ الجنوب!
على الرّغم من أنّ سلفيّي الجنوب والشّمال، وجهان لعملة واحدة، فالكلّ في منظومة منهجيّة علميّة شرعيّة واحدة، فإذا عطس سلفيّ من صنعاء شمّته من في المكلا وعدن ومأرب، إلاّ أنّ الواقع وفقهه ومتابعته والتّعايش معه ألزم سلفيّي الجنوب بقراءة جديدة له، والأخذ بجدّيّة للمعطيات على الشّارع؛ نظرًا لدخولهم ووجودهم بين النّاس في تعاملاتهم ومعاناتهم ومصابهم. لقد رأوا مظاهر جديدة ومتجدّدة خلال عهد الوحدة، فلم يتحقّق ما كانوا يأملونه بانتصار "الشّرعيّة الدّستوريّة" على "الاشتراكيّة الانفصاليّة". بل رأوا ما هو أسوأ من ذي قبل. فقد تمّ التّضييق عليهم، ومتابعة أعمالهم بدقّة وتأخيرها، ومحاصرتهم في دوائر ضيّقة بحجّة محاربة التّطرّف والإرهاب، ناهيك عن انتشار الرّشوة والمحسوبيّة والسّرقة والنّهب والشّفط لثروة الجنوب، واختلال الأمن وضياع حقوق الجنوبيّين بِسطوِ المتنفّذين عليها، وغياب هيبة الدّولة، وصنميّة الحاكم، وحكم المنافقين والرّوَيْبِضات، وتراجع في معيشة النّاس، وانتهاء العدل والقانون، وسيادة حكم القبيلة الجاهليّة البعيد تمامًا عن حكم الإسلام الذي كانوا يأملونه ويشتاقون للعيش في كنفه.
فالواقع في الجنوب شيء، وفي الشّمال شيء آخر، وهذا الذي فهمه الشّيخ حسين بن شعيب رئيس "الهيئة الشرعية للجنوب العربي" الذي عاش في كنف الشّماليّين سنين عديدة، وعمل في مراكز السّلفيّين العلميّة والدّعويّة، ورأس تحرير مجلّة "المنتدى" الصّادرة عن "الحكمة الخيريّة"، ثم وجد تهميشًا من زملائه السّلفيّين، وحاصرته دولة الوحدة اليمنيّة، فحينما ذهب إلى دمشق لسفر شخصيّ اتّفقت مع نظام بشار الأسد لاعتقاله بحجّة دعمه لتنظيم القاعدة والتّواصل مع أعضائه، فتمّ إيداعه في السّجن المركزيّ في صنعاء، وظلّ فيه فترة، كانت كفيلة بتغيير رواسخ فكريّة لديه، فانتقل بطرح جديد ورؤية حديثة للانتقال من واقع متهتّك ومحطّم، إلى واقع مستقبليّ خرج من خلالها إلى التّوافق مع الحراك الجنوبيّ في مطالبه بفكّ الارتباط عن دولة الشّمال والرّجوع بالجنوبيّين لدولتهم السّابقة. وعلى نفس الطّريق المناوئ لمفهوم الوحدة الحالي، نهج آخرون نهج المعارضة السّلفيّة في الجنوب، ومنهم الشّيخ عبدالرب السلامي وهو رئيس فرع الإحسان الخيريّة بعدن وأسّس مع مجموعة من الشّيوخ وطلاب العلم حركة "النّهضة الجنوبيّة السّلفيّة"، دعت بوضوح إلى حقّ تقرير الجنوبيّين لمصيرهم كما في رؤية الحركة التي تضمّنت مفهوم قضيّة الوحدة اليمنيّة و البعد الداخليّ الجنوبيّة، والموقف من خيارات الفيدراليّة وفكّ الارتباط ومشروع الأقاليم، فترى "النّهضة" أنّ الخيار الأمثل لحلّ القضيّة الجنوبيّة هو خيار إعطاء الأولويّة للمطالبة(بحقّ الشّعب الجنوبيّ في تقرير المصير).
وأمّا المشايخ الآخرون في الجنوب فبين موافق لرأي النّهضة، ومتردّد في البوح برأيه وآخر متوسّط؛ فهو من جانب محافظ على الوحدة، ومن جانب آخر يحترم رأي شعب الجنوب ويقدّر معاناته.
حال السّلفيّين اليوم، إزاء القضيّة الجنوبيّة، منازلات ومعارك تنشب بين مؤيّد للوحدة وداعٍ لاستمرارها، وبين داعٍ لفكّ الارتباط أو الفيدراليّة، فامتلأت صفحات "الفيسبوك" لكلّ فريق، بكمٍّ لا بأس به من التّعليقات والحوارات وصلت إلى حدّ التّشنّج والتّهديد والدّعاء بالويل والثّبور والتّخويف من الإثم والجرم والعذاب الأليم! وكأنّ المسألة أصبحت ذات بعد عقديّ ومجمع عليها، وأصبح الانفصاليّ المخالف للطّرف الوحدويّ مرتكبًا أكبر الكبائر وأعظم العظائم!! وهي لا تعدو مسألة خلافيّة قابلة للأخذ والردّ، وما الوحدة والانفصال إلاّ وسائل سياسيّة ليعيش النّاس في الحياة بنظام سياسيّ ينظّم شؤون حياتهم المعيشيّة، ويحافظ على أمنهم واستقرار وطنهم كي يسود في ربوعه العدل والنّظام والقانون.
لقد امتحنت القضيّة الجنوبيّة سلفيّي اليمن، فكأنّي بهم سيخرجون من هذا الامتحان العسير، وهم أكثر تفكّكًّا وانقسامًا، إذا لم يعقدوا تصالحًا فيما بينهم، يلمّ شتاتهم، ويرأب الصّدع بينهم. فهل يتدارك سلفيّو اليمن أمرهم، من خلال توافقهم على حلول متقاربة تجمع شملهم ولا تفرّقه، حتى وإن فرّقتهم توجّهاتهم السّياسيّة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.